إن الإشادة الكبيرة التي حظي بها خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تعكس الرؤية الثاقبة التي يبني عليها فخامة الرئيس مشروعه السياسي، وقد عبر الخطاب بشكل لا لبس فيه عن النجاحات التي راكمتها التجربة الموريتانية خلال السنوات الأخيرة ، في محيط دولي وإقليمي يسوده قانون الحماقات وتطحنه الحروب الأهلية ، وتغزوه جماعات الإرهاب والجريمة العابرة للحدود ، وأضحى الكثير من البلدان ـ فجأة ودون سابق إنذارـ في مواجهة مفتوحة مع جماعات القتل والترهيب التي ضربت بكل عنف الاستقرار والأمن العالمي ..!
في الحقيقة وعت بلادنا هذا الواقع مبكرا ، ونكاد نكون اليوم البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك مقاربة ناجعة فرضت بكل قوة وحزم الأمن والسكينة في محيط لا يسلم فيه أي بلد من سطو عصابات القتل والترهيب والتفجير ، حيث تفككت دول بأكملها وأخرى في طريقها للدمار ، وباتت عواصم العالم مسرحا لعصابات الإرهاب والتدمير والقتل ، وقد انتصرنا على كل تلك التحديات بفضل فهمنا الواعي بهموم التنمية التي لا يمكن تحقيقها دون بسط الأمن والسكينة ، وبالفعل أصبحت التجربة الموريتانية رائدة وبات فعلها الدبلوماسي قويا ومسموعا في كل المحافل الدولية والإقليمية .
خلال السنوات الماضية سيطرت الجماعات الإرهابية وتجار المخدرات على أراضي شاسعة في منطقة الساحل؛ و احتلت أجزاء كبيرة من بعض الدول في المنطقة حينها فتح العالم عينيه ليكتشف الوضعية المنذرة بالخطر والمثيرة للقلق في منطقة الساحل ، حيث ظلت هذه المنطقة لسنوات عديدة بطنا رخوا ومعبرا آمنا للجماعات الإرهابية وتجار المخدرات، و في ظل هذه الوضعية الحرجة باشرت الدولة الموريتانية بسط الأمن والسيطرة على الحدود عن طريق تجهيز الجيوش وقوات الأمن بالمعدات والسلاح ، والتكوين ، والتدريب ، لتقوم قواتنا المسلحة على أكمل وجه بمهمة تأمين الحدود وطرد الجماعات المسلحة خارج حدودنا الوطنية ، وباتت بلادنا حاضنة للاستقرار السياسي في المنطقة وملجأُ للهاربين من الحروب المدمرة ، وسمحت هذه النجاحات العظيمة للدولة الموريتانية بالتفرغ للتحديات التنموية الكبرى وبناء الديمقراطية ، وتعزيز الحكامة الرشيدة ، وتكريس التناوب السلمي على السلطة ، هذه الخطوات العظمية رفعت رأس موريتانيا في المحافل الدولية، وأضحت كلمتها مسموعة ومحل إشادة وتقدير من المجتمع الدولي ، وقد أكد فخامة رئيس الجمهورية في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على تلك النجاحات التنموية التي حققتها موريتانيا ، ليس فقط على مستوى توفير الخدمات الصحية و إصلاح التعليم وبناء المدرسة الجمهورية لتربية الأجيال على مبادئ العدالة والمساواة وتكريس قيم الجمهورية ، والاهتمام بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة ومنح الشباب فرص التكوين والتأهيل ليساهم في عملية البناء الاقتصادي ، بل ركزت المقاربة التنموية على تنويع الاقتصاد الوطني من خلال التركيز على الاقتصاد الفعلي ذو القيمة المضافة ، كالزراعة والتنمية الحيوانية ، والصيد البحري ، وتعزيز الاستفادة من الموارد المتجددة ـالصديقة للبيئة ـ وفي هذا المجال تمكنت بلادنا من تحقيق نسبة ولوج للموارد النظيفة وصلت حدود 40% من مجموع استهلاك البلاد من الطاقة ، كما تتم مواجهة التصحر و الجفاف للحد من الآثار السلبية التي تخلفها التغييرات المناخية التي تضرب منطقة الساحل بشكل مستمر وعنيف ،و اعتمدت الرؤية الوطنية في هذا المجال على تأهيل المساحات الخضراء وحماية الغطاء النباتي من الاستغلال المفرط ، وفي هذا السياق تعمل البلاد مع شركائها في التنمية على تطوير استغلال الطاقة البديلة من أجل جعل منطقة الساحل مخزونا استراتجيا للطاقة الشمسية ، كما أكد صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على مواقف موريتانيا من القضايا العادلة ورؤيتها لإحلال السلام وبسط السكينة في مناطق التوتر والنزاعات .