أغلب الوجوه التي التقيتها بقرية بولنوار 1 التابعة لبلدية النباغية جنوب بتلميت مساء السبت الماضي كانت وجوها أعرفها: شعراء وكتابا وصحفيين، ألفت لقاءهم في المهرجانات والمناسبات الثقافية... أغلبهم من أبناء القرية الحالمة التي كانت تستعد ذلك المساء لاختتام النسخة الخامسة والعشرين من الأسبوع الثقافي والرياضي الذي تنظمه جمعية "الهمم الراشدة".
يستدعي ذكر قرية صاحب "ليل ونهار في متحف التاريخ" الشاعر الكبير أحمدٌّ ولد عبد القادر بالنسبة لي أشياء كثيرة طيبة، ليس أقلها شأنا ولا إلحاحا ذكرى عبقة تظلني وقت ذلك الذكر من شقيقي الشاعر الشيخ ولد بلعمش، شمله الله بألطافه ورحماته، فقد كتب عنها شعرا ونثرا، وحدثني عن مشاهداته بها.. عن كرم أهلها وسعة ثقافتهم ومعارفهم، وعن مناخها وتضاريسها، هذا فضلا عما أعرفه عن العلاقات التي ربطته بأبنائها، وعن وفائهم له بعد أن رحل.
هذا الوفاء كان وراء مجيئي إلى القرية، فقد شرفني أخي وصديقي، بل صديق العائلة، المهندس الشاعر المختار بن مقام، رئيس جمعية الهمم الراشدة، بدعوة كريمة لحضور الأمسية الختامية لهذه التظاهرة، التي احتفت بأخي، وتخللتها إلقاءات شعرية في رثائه.
لبَّيْتُ الدعوة.. وهل كان بالمقدور أن أعتذر؟!
رتب المهندس إجراءات السفر، واختار لي مشكورا مرافقة الداعية والشاعر محمدن ولد أحمد فال، الذي استفدت منه كثيرا، وآنستني صحبته .
دخلنا "قرية الشعر"، كما سمّاها شقيفي رحمه الله، بعد صلاة المغرب، وتوجهنا مباشرة للمخيم الذي ضرب للتظاهرة، وقد وافق وصولنا مجيء وفود من قرى مجاورة تشارك بولنوار عرسها الثقافي والرياضي الخامس والعشرين.. تبوأنا مقاعدنا بعد أن سلمنا على شيوخ القرية ووجهائها، ولم ننتظر كثيرا بَدْء فعاليات الحفل، الذي تخللته إلقاءات شعرية وقراءات أدبية ومداخلات من علماء ومثقفين من القرية ومن ضيوفها؛ اتفقت كلها على فرادة وتميز تجربة جمعية "الهمم الراشدة"، والشد على يدها في مسعاها الطموح.
خلال الحفل تمت دعوة الحضور للوقوف وقراءة الفاتحة على روح شقيقي الشيخ رحمه الله، كما حملت الجوائز الشعرية اسمه، وجارت القصائد المتسابقة فيها قصيدته:
لتفترش الأحلام من لغتي حقلا..
لقد ترك هذا الاحتفاء والتكريم بشقيقي رحمه الله من طرف جمعية "الهمم الراشدة" في نفسي أثرا بالغا، خصوصا إذا ما استحضرنا بعد الشقة، وأن لهم - لو لم تنتف الاعتبارات الضيقة - من يكرمون ويحتفون به غيره.
وزعت الجوائز على مستحقيها، وكان للنساء نصيب معتبر منها.
رافقنا الصحفي المتميز المختار بابتاح بعد إعلان اختتام هذه النسخة إلى مكان إقامتنا؛ لنباشر وجها آخر من وجوه تفوق وأصالة أهل بولنوار، حيث أقمنا ليلتنا ووجه يومنا .
فسلام عليهم، وتحية وإكبار ما أفصح حسني، وأبان عما اختلج في صدره من أفكار.