في مثل هذه الايام من سنة ١٩٧٥ انطلقت مسيرة من ثلاث مائة وخمسين الف مغربي باتجاه الصحراء الغربية وكانت مرفوقة بالجيش المغربي الذي كان يعتبر ثالث اقوى جيش في افريقيا، كان هذا الإقليم مسجل لدى الامم المتحدة من سنة ١٩٦٤ كاقليم لم تتم فيه تصفية الاستعمار، قاوم سكانه الاستعمار الاسباني حتى ارغموه على الدخول في مفاوضات مع الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ممثلهم الشرعي وقائدة الكفاح المسلح من اجل الاستقلال وترتيب انسحاب المستعمر . كانت الفترة مليئة بالاحداث ولكن لا بد لنا من الوقوف مع ثلاثة من اهمها لتذكير من تنفعهم الذكرى وتنوير من ليست لديهم معلومات كافية عن تلك الفترة العصيبة من تاريخ المنطقة وكيف تم الاعتداء في وضح النهار وامام اعين العالم على الشعب الصحراوي من اجل ابتلاعه نهائيا ولكن الله سلم ...
١- في ١٦ اكتوبر ١٩٧٥ اعلنت محكمة العدل الدولية حكمها الواضح الذي يقضي بعدم وجود روابط سيادة للمغرب على الصحراء الغربية والقول بصفة واضحة أن المستعمر الاسباني الذي دخل المنطقة ١٨٨٤ لم يجدها ارضا بلا سكان بل وجد بها مجتمعا بدويا ولكنه منظما وليست له علاقة بالسلاطين العلويين الذين كان نفوذهم ينتهي شمال اگليميم في احسن احوالهم حيث انه في بعض الفترات لم يتجاوز مراكش ، يقول الدكتور بطرس غالي في كتابه جامعة الدول العربية وتسوية المنازعات المحلية :
" في ١٦ اكتوبر ١٩٧٥ ادلت محكمة العدل الدولية برايها الاستشاري بشان الصحراء الاسبانية كالآتي : فيما يخص السؤال الاول فان الصحراء الغربية لم تكن ارضا بلا صاحب عندما احتلتها اسبانيا في القرن الماضي ، وفيما يخص السؤال الثاني كانت هناك علاقات قانونية تربط بينها والمغرب من جهة وموريتانيا من جهة اخرى ، ولكن ما توفر لدينا من معلومات لا يقر بوجود علاقات سيادة اقليمية بين الإقليم الصحراوي من جهة والمملكة المغربية وموريتانيا من جهة اخرى ، وبالتالي فان قرار المحكمة بوجود علاقات قانونية ، لا يؤدي الى اي تعديل في تطبيق حق تقرير المصير وتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية ووفقا للقرار رقم ١٥١٤ المعتمد من الجمعية العامة في دورتها الخامسة عشر ."
٢- في ٣١ اكتوبر ١٩٧٥ انطلقت المسيرة متجهة الى الصحراء الغربية،
فكيف يمكن لعاقل أن يتصور دخول ثلاث مائة وخمسين الفا لاقليم يحوي ساكنة بثلث هذا العدد ؟
تصوروا ما حدث من النهب والاغتصاب والهمجية !!
خاصة ان الدعاية المغربية كانت في تلك الفترة في قمة العنف والعنجهية مما جعل الشعب الصحراوي يخرج من المدن والقرى قبل وصول تلك الافواج التي لا تبقي ولا تذر .
يقول المؤرخ فرانسيسكو فيلار في كتابه مسار تصفية الاستعمار :" ... ان الوضع بالنسبة للسكان لا يمكن أن يكون اقل كآبة ، فالاحتلال تسبب في نزوح جماعي حقيقي نحو الشرق ونحو تيندوف ، ونقاط التجمع السكانية الرئيسية بقيت في الواقع مهجورة ، تكسوها مظاهر الخراب خاصة في العيون والسمارة والداخلة ، فيمكن أن يكون قد بقي هناك حوالي ٢٠ او ٢٥℅ من سكانها الاصليين.
اما الاغلبية الساحقة من الشباب والنساء والاطفال فقد نزحوا الى حيث تحميهم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كما انهم يخوضون المعارك ضد قوات الاحتلال ، اما في الشمال فنتيجة للقمع فيمكن أن يكون العديد من السكان الاصليين قد لقوا مصرعهم."
لقد كانت كارثة بكل معاني الكلمة يقول الملك الاسباني اخوان كارلوس في رسالة وجهها للملك الحسن الثاني بتاريخ ٢١ سبتمبر ١٩٧٩ متحدثا عن المسيرة ": " ان اعلان جلالتكم لمسيرة من ثلاث مائة وخمسين الف شخص ، والمعروفة ب " المسيرة الخضراء" قد خلق من وجهة نظر الحكومة الاسبانية ، وضع احتكاك عرض السلم والأمن الدوليين للخطر وحملها بالتالي على طلب اجتماع عاجل لمجلس الامن الخاص بالامم المتحدة ، رئيس المجلس المذكور وجه لجلالتكم في ٦نوفمبر ١٩٧٥ نداء عاجلا من اجل الانهاء الفوري للمسيرة ، بيد انه في صبيحة ذلك اليوم كانت المسيرة قد دخلت الإقليم." .
٣- ١٤ نوفمبر ١٩٧٥ حيث تم توقيع اتفاقية مادريد التي بموجبها تم تقسيم الإقليم ولكنها كما راينا كانت بمثابة طبيب بعد الموت فالاقليم كان قد تم احتلاله يقول الملك الاسباني في رسالته سالفة الذكر بشان اتفاقية مادريد :" ... كان الوضع متوترا ، ولوضع حد له، وبمقتضى المادة ٣٣ من ميثاق الامم المتحدة ، فان اعلان المبادئ في مادريد ١٤ نوفمبر بالنسبة لأسبانيا لم يكن تطبيقا لقرار محكمة العدل الدولية او لقرارات الامم المتحدة الخاصة لتصفية الاستعمار ، و انما كان بالاساس وسيلة لحل سلمي لوضع يهدد الامن والسلم الدوليين.
بعد ذلك باسابيع ، فان حكومات الدول الموقعة على الاعلان اي المغرب وموريتانيا واسبانيا ، اتفقت في الجمعية العامة للامم المتحدة على القرار ٣٤٥٨بتاريخ ١٠ ديسمبر ١٩٧٥ والذي حاز على اصواتها الثلاثة واخذ العلم به وقد اكد على الحق الغير قابل للتصرف في تقرير مصير كافة الشعب المنحدر من الإقليم .
.....لقد عرضت حكومتي موقفها في التقرير الموجه الى الامين العام للامم المتحدة في نفس اليوم ٢٦ فبراير والذي اوضحت فيه الاسباب التي انهت فيها نهائيا وفي نفس التاريخ مسؤوليتها عن الإقليم ، كما اعلنت أن ممارسة حق تقرير المصير لم تتم."
يعتبر سر قوة القضية الصحراوية في عدالتها ووضوح معالمها الشيء الذي اعطاها عناية كبيرة في اروقة الامم المتحدة فهي قضية تصفية استعمار جلية تخضع لسلطة الجمعية العامة من خلال لجنتها الرابعة كما انها تخضع في نفس الوقت لسلطة مجلس الامن الدولي لوجود بعثة سلام فيها هي بعثة الامم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية وكما يقولون الحق افضل مدافع عن نفسه.