مع نهاية كل سنة نقف أمام مرآة الأحداث نعدد تفاصيل اثني عشر شهرا مرت وانطوت بين متأسف على رحيلها ومنشرح لها. ونحن نودع سنة 2014 تستوقفنا الكثير من الأحداث والمحطات الكبرى التي شهدها العالم لا سيما العربي منه، وقد يكون التوقف عند جميعها أمرا لا تحتمله صفحات عديدة.
ولكن قد يتفق الجميع بما في ذلك المنظمات الدولية حول أن هذه السنة كانت الأسوأ بالنسبة لأوضاع الصحافيين المتواجدين على جبهات الأحداث الكبرى. فأبناء مهنة المتاعب، كما يصطلح دائما على تعريفهم، والذين يسارعون بمحض إرادتهم إلى مناطق التوتر والحروب ويخوضون في قضايا مختلفة يدفعون ثمنا باهظا عن ذلك، يصل في أحيان كثيرة إلى فقدان حياتهم.
لن يبلغ هذا المسلسل التراجيدي حلقاته الأخيرة طالما لم يتم تفعيل النصوص القانونية، وطالما تتعامل الحكومات مع استهداف الصحافيين على أنه أحد عناصر العملية الإعلامية عموما. وبرناج «الواقع العربي» الذي يقدمه الاعلامي محمد كريشان على قناة «الجزيرة» سلط الضوء على واقع الصحافيين في العالم العربي وسبل حماية الصحافي أثناء أدائه لمهامه في إطار حوار مع عدد من خبراء القانون.
توقف الحوار عند مسألة تطور القوانين المنصفة لقداسة العمل الصحافي، والحاجة إلى زيادة ضغط المنظمات الدولية من أجل دفع الحكومات إلى احترام مبدأ حرية الاعلام. زد على ذلك الإشارة إلى ولادة طرف آخر على الساحة تفنن في استهداف الصحافيين، ونعني بذلك العناصر الارهابية لا سيما ما يسمى بـ«دولة الاسلام».
وقد يكون الإعلام في حاجة حقا إلى جهود المنظمات الدولية على مستوى الكشف عن حقيقة ما يجري في العديد من الميادين والدول، ولكن تبقى جهودا محدودة التأثير ما دمنا نعيش في ظل حكومات لا تستسيغ مبدأ حرية الصحافة.
دعوة لقوانين إعلامية جديدة
ندرك جيدا أن نزيف دم الصحافيين لن يتوقف ما دامت القوانين تسن لتوضع فوق الرفوف، وما دامت الأمم المتحدة تسأل عن الكثير من المعطيات الأخرى، ولكنها لم تجرؤ أبدا أن تطبق ما سنته من قوانين على أي دولة ما دام المستهدف صحافيا.
فالمذنب قد يعاقب لاقترافه خطأ بسيطا، ولكن قتل الصحافي أو اعتقاله، وحده الذي لا يدخل في خانة العقاب ولا يعد جنحة أو جريمة، بل قد يكرم من يقدم على ذلك، وهذا ما يطرح أكثر من سؤال يوجه لكل العالم ولا سيما الدول التي تدعي الديمقراطية. ومن سنة إلى أخرى يرتفع محصول الإعلاميين الذين يلاقون مصيرا كارثيا في حين تحافظ الخطابات السياسية والمدنية على نمطها الأجوف مع تغييب دائم لفعل الرادع الحامي لأبناء هذه المهنة.
وطبعا تتصدر التقارير المتعلقة بانتهاكات الصحافيين، شهرية أو سنوية، أجندات وسائل الإعلام وتغيب عن أجندات أصحاب القرار. وسأتوقف عند تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» الذي أوضح أن 66 صحافيا قتلوا، اثنان منهم بقطع الرأس خلال العام 2014، فيما بلغ عدد الصحافيين المخطوفين 199 هذه السنة، لا يزال 40 صحافيا منهم محتجزين رهائن في دهاليز هذا العالم.
وجرت معظم عمليات القتل في مناطق النزاعات الكبرى، وفي طليعتها سوريا، التي بقيت كما في العام الماضي أخطر بلد على الصحافيين حيث قتل خمسة عشر صحافيا فيها، فالأراضي الفلسطينية وخاصة مدينة غزة والتي لقي فيها سبعة إعلاميين حتفهم، وشرق أوكرانيا الذي أسفر عن ست ضحايا، فالعراق وليبيا اللذان اشتركا في عدد القتلى، حيث لقي ثمانية صحافيين مصرعهم موزعين بين هذين البلدين.
وقد يذهب الكثيرون إلى القول إن عدد القتلى قد تراجع عن السنة الماضية، ولكن لا ينتبهون إلى أن عدد الرهائن قد ارتفع بشكل ملحوظ، وهذا مؤشر خطير ووجه آخر لا يقل أهمية عن عملية القتل في حد ذاتها.
كما لا بد أن لا يفوت هؤلاء الانتباه إلى اساليب القتل التي اعتمدت في سنة 2014 وعملية التصوير بالفيديو في حركة استفزازية هدفها أساسا تخويف وتهديد الصحافيين. على الرغم من وجود ضمانات قانونية ومواثيق دولية تكفل الحماية للعاملين في مناطق النزاعات حول العالم.
إلا أنها، وكما سبق أن أشرنا، لم تضمن الحماية اللازمة لمئات الصحافيين الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا أو اعتقلوا أثناء تغطية أحداث عنف أو نزاعات مسلحة، وبالتالي بات الواقع مختلفا وبعيدا عما نصت عليه هذه المواثيق، لتصبح سلامة الصحافي المكلف بمهمات خطرة غير مضمونة، في ظل وجود أطراف متنازعة غير معنية بالمواثيق الدولية، ولا بسلامة المواطنين ومن بينهم الصحافيون.
وقد لا ننسى أن نشير في هذا السياق إلى وجود عامل آخر مسؤول عن وضعية الصحافي هذه وهي أن الصحافيين من جهة ما زالوا غير قادرين على الحصول على ضمانات من الأطراف المتصارعة تكفل سلامتهم. ومن جهة أخرى تخاذل الجهات والمؤسسات الإعلامية التي يعمل لديها الصحافيون في توفير سبل الحماية اللازمة لهم على غرار عدم البحث عن سبل التواصل مع الجهات المعنية في منطقة الصراع والتنسيق معها بشأن أوضاع مراسليها، إلى جانب عدم القيام بإمداد الصحافيين في كثير من الأحيان بالسترات الواقية من الرصاص أو تزويدهم بسترات تزيد من فرصة عدم استهدافهم، بالإضافة إلى عدم بذل الجهد المناسب لتحرير صحافييها المحتجزين. وبين عدم تفعيل القانون وعدم تحمل المؤسسات الاعلامية مسؤوليتها الكاملة إزاء مراسيليها يبقى الصحافي معلقا تحصى عدد خيباته شهريا أو سنويا حتى إشعار آخر.
محنة الإعلام عربيا
ويبدو أن حصاد 2014 لم يتوقف عند الصحافيين بل كان بمثابة السحابة القاتمة بالنسبة للكثير من المجتمعات العربية أساسا. وقد اتجه الاعلام إلى اعتبار سوريا البلد الأكثر استهدافا للإعلاميين، وهذا معطى حقيقي، ولكن لعبة الموت والتهجير والدمار في هذا البلد عبثت بالمدنيين الأبرياء على جبهات مختلفة.
وقد استوقفتني قناة «أورينت تي في» التي تحاول في إطار التزامها بخطها التحريري تقديم تقارير متتالية ومتشابهة كلها تؤكد تكبد جيش الأسد لخسائر جسيمة، والحال أن النظام ما زال يقبع مكانه ويقاوم التنحي، وتنسى أن الجبهة الحقيقية في سوريا هم المدنيون الذين لا يد النظام ترأف بهم ولا الفصائل الإرهابية الأخرى ترأف بإنسانيتهم.
فبعد أن كان هناك عدو واحد بين للكثيرين من أهالي الشام، ونعني بذلك نظام الأسد، ولدت من رحمه أطياف أخرى أشد دموية وأكثر توقا للقتل والتنكيل. فإلى جانب براميل المتفجرات التي القيت منذ الأسبوع الأول من السنة الراحلة على رؤوس المدنيين والمعارضين، ظهرت تيارات ارهابية على الضفة الأخرى تريد إخضاع الشعب السوري إلى نمط حياتي قوامه الردع والتلذذ بالقتل والتفنن في طرق القيام بالعملية نفسها. وطبعا نعني تنظيم الدم «داعش» الذي وثقت بعض المنظمات الحقوقية إعدامه لقرابة 2000 شخص منذ إعلان ما يسميه دولته في سوريا في 28 حزيران/يونيو 2014.
لكن اللافت هذه السنة هو وقوع الفضائيات دون استثناء في فخ نقل الإرهاب، وأحيانا تزيينه بشكل أو آخر، حتى ذهب البعض إلى إطلاق صفة «الداعشية» على بعض الفضائيات. أليس نقل القتل والتعذيب صوتا وصورة كناقل الشر ومزينه كذلك؟!