قلب صفحات القواميس والمعاجم ما شئت ستجد كلمة "السقم" و"الأسقام" في لغة العرب مصطلحا مخيفا، وتأمل في "اللسان" و"القاموس" ستدرك أن كل مرض فتاك هو السقم مثل الطاعون والجدري وهو التفسير الذي ذهب إليه ابن منظور في الآية عند قول ابراهيم عليه السلام "إني سقيم.." أي مصاب بالطاعون، وتعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم من البرص والجذام وسيء الاسقام.
ذاك عن لغة العرب التي هي أم "الحسانية" لكن قرائح شعراء البيظان "لمغنيين" حولت الكلمة مع مرور الوقت إلى مصطلح غزلي بامتياز حيث يعبر عنها في الغالب عن حب قيسي نادر، وتعلق بمحبوبة لا يكاد الشاعر يراها، ويكون الشاعر حينئذ (سقيم) أو (مسقوم) وشفاؤه في السفر إلى مرابع المحبوبة مثل الكفيه ولد بوسيف:
يَالْعَگْلْ اگْدمْ نَافدْ لُبَّيْرْ == يَكَانكْ لَسْقَامْ إِهَنُّوكْ
أَلاَّ حَاسِيكْ أُفِيهْ الْخَيْرْ == مَبْرُوكْ أُ عَنْدُ منْتْ ابْرُوكْ
مريض أو "مسقوم" آخر من أدباء البيظان هو الطيب ولد ديدي هذا الشاعر الكبير الذي لم يجد بدا من مناجاة نفسه متجلدا على ذلك السقم حيث حاول في بديعة له تشخيص حالته المرضية وكتابة وصفة طبية لبعض تلك الأسقام :
ذاك امن اظيگ إيجيك سيگ :: واسحاب الوحشة و آمريگ
وسـقـام إلـبـيـك ألّٰا إو سـيـگ :: لـيعـات إلبــيـهْ إهــرامــك
إصبر أولا گَـاع إتـگـول گِـيـگ :: سبـت يـالبــال اسـقـامــك
راهـي گــدامــك واطــريــگ :: گـدامـك صيـب أگـدامـك
وفي الأشوار الحديثة كانت أنامل سيدي ولد سيمالي بين "اعصب التدينيت" وهو يردد بصوته الشجي في مقام "سيني كرْ "ذ السقْم اليَطرَ .. حالفْ ما يبْرَ"
وغنت النعمه بنت الشويخ في مقام لبتيت :"يلالي مذَ سقمك ورّاني.." وارتجل لها أحد الشعراء كافا : سقمك ذ فلشي == هادمْ كياني
آن ماتَ شي == مني متكاني
وعلى هذا المنوال همست شواعر البيظان بأدبهن المبحوح "تبراعا" :
السقم الجاني .. ماكني ما كط ارخاني
سقم الماكني .. عايني وازدفني واكتلني
أما "الشيطان" و"إبليس" و"اللعين" فإن شعراء البيظان لا يتعوذون منهم في شعرهم، بل تحولت "الشياطين" إلى صفات غزلية في المرأة.
وهي أكثر من أن تحصى في دواوين الشعراء نكتفي هنا بتوجيه العلامة الجليل محمد سالم ولد عدود رحمه العارف بتفاصيل لغة العرب وهو يقول:
لا بُـــدَّ لَيّـاكْ تَبْــطَ == مَـــدَّ مجْتَمْعيـنْ
امْنْ اشْوَيْ إعودْ غُبْطَ == من گَدْ اللَّعينْ
ومفهوم ماذا يريد الشيخ محمد سالم ب"اللعين" وهو في مقام التوجيه لكنه استخدم المصطلح الغزلي عند البيظان لتقريب الصورة أكثر.
كورونا المخيف .. هل يكون غزليا؟
غريب حقا هو الحديث عن كورونا بعد هذه الاسطر الأدبية لكن ما دام كورونا المستجد سقم من الأسقام المخيفة أقعد الناس في بيوتهم، وكتب فيه الشعراء شعرا فصيحا ولهجيا توسلا وتوجيها، هل يحق لنا أن نعرف كيف سيحرك وجدان الشعراء المعزولين عنوة في الحجر الصحي منذ أشهر أو حجر من يتعلقون بهن في أماكن الحجر الصحي؟ وهل تبوح الشواعر "تبراعا" ببعض الغزل على أولئك الذين أجبرتهم ظروف المرض على الابتعاد عن الأعين أشهرا، ومن منعهم تعليق الرحلات الجوية عن العودة إلى الوطن، وقد تم تسريب تبريعة أخيرة في هذا الموضوع تقول "ما ريتو مردودْ.. شي فخْبار افتيح الحدودْ"
وهل ننتظر مثلا أن تبدأ تدريجيا متعلقات المرض الجديد مثل الحجر والكمامات و العطاس تغزو قاموس الأدب الحساني كأن يكون "المكلع" القادم " إلا عطصت طب الليعات .. يلالي مغلَ كورونا..."
أم أن كلمة "كورونا" نفسها ستتحول مع مرور الوقت إلى مصطلح غزلي وكناية عن حبس المحبوبة في منزلها ويتحول فعل (كورن) ومستقاته إلى صفات حميدة وكناية عن حالة كل متيم؟ .
ما هو مؤكد أن شعراء البيظان مبدعون عندما حول أحدهم طير البوم المخيف "كوجيلْ الِ ساكنْ لوديْ.. يوكي زاد ال حسو حي" إلى موضوع رومانسي وتعلق بأرض هجرها الشعراء سنوات، وحولوا كلمات "الأسقام" و"الشيطان" و"ابليس" إلى مصطلحات غزلية يستطيعون تحويل "كوفيد19" و "كورونا المستجد" إلى مصطلحات وردية قيسية، فمن هو أول الشعراء المتغزلين بكورونا؟؟
المختار بابتاح