اعلنت اسبانيا الصحراء الغربية الولاية الاسبانية الثالثة والخمسين سنة 1958 و ذلك في اوج مقارعة الاستعمار في العالم الذي بدات رياح التحرير تعصف به .
حاولت اسبانيا وهي قوة استعمارية ضعيفة ومعروفة بقلة اهتمامها بمستعمراتها فهي لا تهتم بانجاز البنى التحتية ولا بالتعليم والتكوين واكثر ما تتركه عادة هي حصون وقلاع تتحصن بها، سعت الى بث نوع من الرفاه وتوفير العيش للسكان الصحراويين فكانت توزع بعض المواد الغذائية في البوادي وتعطي امتيازات كبيرة لشيوخ القبائل و بدات تحضير ما سيعرف بالجماعة التي تمثل اقليم الصحراء الغربية في اسبانيا .
كانت الصحراء الغربية تبدو من الخارج هادئة نوعا ما في فترة الستينات و كانها مطمئنة بوضعها الجديد كولاية اسبانية في حين انها كانت تغلي من الداخل وكان القلة من سكان المدن يعيشون وضعا شبه مقبول في حين كانت الغالبية من سكان البوادي تعيش وضعا مزريا كما كانت هناك نخبة من المتعلمين بدات تتلمس طريق التحرر من بينها شاب عبقري يوجد في المشرق مهد الفكر التحرري العربي في ذلك الزمن .
كان ذلك الشاب يوصل الليل بالنهار لكسب المزيد من الزاد الفكري والتنظمي فهو يدرك تماما انه مقبل على رحلة طويلة مرهقة غير مامونة الطريق ولكنها حميدة النهاية .
عاد الشاب محمد سيدي ابراهيم بصيري حوالي سنة1966 وعمره تقريبا 24 سنة يحمل الاجازة في الصحافة من القاهرة وشهادة عليا في العلوم السياسية من دمشق فمكث في الرباط محاولا انتاج صحف ينشر من خلالها فكره في توعية المثقفين بما يعانيه شعب الصحراء الغربية مطالبا بهبَّة اخوية لمساعدته في الحرية والاستقلال ولكن خطابه لم يرق للمخزن فتمت مضايقته بل صدرت اوامر بسجنه فسافر الى داخل الصحراء الغربية كالمستجير من الرمضاء بالنار .
بدا العمل السري والتوعية فاسس الحركة الطليعية لتحرير الصحراء .
بدات الشرارة تصل الاسبان وخاصة من خلال رسالة مفتوحة خاطب بها الزعيم بصيري الحاكم الاسباني للصحراء الغربية مؤرخة ب 4 يناير 1968 وجدت نسخة منها في الارشيف الاسباني جاء فيها : " ... صاحب الفخامة لا يخفى عليكم ان شعبنا الشجاع والمقدام هو شعب في الحقيقة والواقع شعب بطل ، تشهد على ذلك سلسلة مواقفه التاريخية، معكم ، قبلكم وعلى امتداد مائة سنة قبل ذلك ، والدليل ايضا هو استحالة احتلاله من طرف اي جنس بشري حاول ذلك من مختلف الجهات والمواقع وعبر مناسبات مختلفة ، لم يفلحوا في فرض سيطرتهم عليه ." ثم يضيف إننا نريد منكم مساعدتنا لنحكم انفسنا بانفسنا ،ونرفض سيطرة اي كان او الانضمام لاي كان ، لقد كانت مطالب الحركة الطليعية واضحة هي الاستقلال التام للشعب الصحراوي .
قرر الاسبان تحت هذه الضغوط الداخلية و كمحاولة اخيرة للبقاء اعطاء الصحراء الغربية وضع جديد يلحقها بالمملكة الاسبانية بحيث لم تعد ولاية اسبانية ولكنها ايضا ليست مستقلة ولا في طريق يؤدي الى الاستقلال .
وقرروا اخراج هذا القرار في جمع كبير يوم 17يونيو 1970 بمدينة لعيون عاصمة الصحراء الغربية احضرت له الصحافة الاسبانية والدولية المعتمدة في مادريد.
تم تحضير الحفل بشكل كبير وباذخ في ساحة افريقيا الموجودة امام اقامة الحاكم العام للصحراء الغربية المقيم في لعيون آنذاك.
تمت دعوة كل الاعيان والشيوخ والشخصيات الكبيرة في ذلك الزمن وحضره الفنان المشهور سيداتي ول آب رحمه الله تعالى وهو قمة الفن في ذلك الزمن وذلك ليجذب حضور كبير لما يحظى به من سمعة لدى الصحراويين واكثرهم في ذلك الوقت قليل الوعي .
وجد الفقيد بصيري ورفاقه انفسهم في مرحلة مفصلية واول رهان امام منظمتهم الوليدة فقرروا المواجهة ورفض القرار ودعوا لتظاهرة كبيرة بحي الزملة يعرف حاليا بحي معط الل ، حضرها مئات الصحراويين مقاطعين الحفل الباذخ للادارة الاسبانية ومن معها . غضب الاسبان وانقضوا على تظاهرة الزملة السلمية الحضارية بقمع وتنكيل لم يسبق له مثيل فقد تحركت آلة الجنرال افرانكو البوليسية فسقط في ذلك الوقت شهداء وعشرات المعتقلين، جميع قيادة الحركة أعتقلوا تقريبا وعلى راسهم بصيري الذي قال لن يسجل لي التاريخ انني اقمت التظاهرة وتركت المناضلين بل سابقى في الميدان حتى يقضي الله امرا كان مفعولا، فتم اعتقاله بعد زوال نفس اليوم بقليل حيث تعرض لاشد انواع التعذيب ولم يعرف مصيره الى اليوم،.
انطلق في نفس اليوم بعد هذه المجزرة الشنيعة الشهيد لارباس ولد الجماني ومعه بعض رفاقه الى بير ام اكرين يحمل رسالة من الزعيم بصيري الى السلطات الموريتانية يعلمهم بماجرى وسلموها للحاكم هناك المرحوم احمدو ولد عبد الل واذاعت اذاعة انواكشوط نفس الليلة الخبر واصدر بعد ذلك البعثيون بيانا تنديديا بالاحداث مطالبين الحكومة بطرد السفير الاسباني .
من هذه المواجهة بين الصحراويين العزّل واسبانيا في الزملة لابد من الاشارة الى النقاط التالية :
١- كانت الحركة الطليعية التي اسسها بصيري اول مشروع صحراوي سياسي وطني جامع من اجل استقلال الصحراء الغربية ستولد من رحمه بعد ثلاث سنوات الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
٢- تاكد الاسبان بعد استنطاقهم لاغلب قيادة الحركة الوليدة من صلابة وبسالة المناضلين وكذا تجذر الحركة واحتضان الشعب لها وبالتالي بان ساعة رحيلهم ازفت.
٣- جاء تاسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب يوم 10مايو 1973 وتبنيها للكفاح المسلح عشرة ايام بعد تاسيسها ليؤكد للاسبان الامر.
٤- بدا الاسبان حبك خيوط الجريمة مع المغرب في الظلام فكانت تفاوض البوليساريو وتؤكد انها ستواكب الشعب الصحراوي كغيرها من القوى المستعمرة في المنطقة التي حمت الشعوب من كل الاطماع حتى استقام امرها ، وفي نفس الوقت كانت تحضر اتفاقية التقسيم التي وقعت في مادريد في 14 نوفمبر 1975.
ه- الامر الذي يجعل اسبانيا مازالت شريكا في ماساة الصحراويين هو انها وهي التي فاوضت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب اكثر من مرة قبل اتفاقية التقسيم وفاوضت باعلى مستوى عن طريق وزير خارجيتها تقوم بتقسيمها في عاصمتها في تغييب تام للشعب وممثله الذي حاربها واسر جنودها وتفاوضت معه ،هنا فقدت حكومة اسبانيا في ذلك الوقت شرفها و سيبقى كل ما حدث للصحراويين من ظلم وتنكيل ولجوء وماساة جريمة اسبانية متواصلة ما لم تتحمل مسؤوليتها الكاملة في احقاق الحق وفرض تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره كما طالبتها الامم المتحدة بذلك في آخر بعثة لها زارت الصحراء الغربية سنة 1975.