قبل أكثر من خمسين عاما كتب الشاعر المتمرد أحمدو ولد عبد القادر "ليلة عند الدرك" يصف بدقة وسائل التحقيق وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب من أحد رفاقه في تلك الليلة المشؤومة من تاريخ "الكادحين".. دار الزمان دورته وبات الآلاف بعد ليلة الشاعر في ضيافة الدرك الوطني وفي ليالي مختلفة باختلاف الموقوفين واختلاف قضاياهم، أذكر أن الشاعر محمد ولد إدومو خلد هو الآخر ليلته مع الدرك الوطني قبل 12 عاما.
الليلة جاء الدور علي عندما كنت أمارس حصة رياضة اعترضتني فرقة الدرك المرابطة عند "كابّك" دار البركه، بدون مقدمات قال الدركي : هل لديك ترخيص خروج؟ أجبت : لا ابدا .. إذن أنت موقوف بأوامر من الجمهورية الإسلامية الموريتانية.. ورغم أن هويتي الصحفية قد تشفع لي إلا أنني أخفيتها واستسلمت لسببين : الأول قناعتي أن الصحافة ليست فوق القانون كما يعتقد الكثير من الزملاء وحتى من الدرك الوطني للأسف الشديد وأنا بالفعل قمت بمخالفة وعلي تحمل تبعاتها، الثاني أن الفضول الصحفي جعلني أنتظر ساعة مع المتظرين لأعرف عن قرب كيف هو الحظر؟ وكيف يعامل الموقوفون مع الدرك، أنا الآن موقوف هنا ..
جموع كبيرة من الشباب والمراهقين متناثرة مع طول الشارع تنتظر المجهول في بعض الوجوه وخوف شديد ووجل ، وفي بعضها ترقب حذر، وحدهم المراهقون ينتظرون فرصة للتسلل من الأزقة لكن عيون الفرقة بالمرصاد للجميع.. هذا رجل وقور يقول : اقسم بالله أن منزلي لا يبتعد عني أكثر من 20 مترا وهذه مفاتحي إن شئتم رافقتموني، ارجوكم أنا لا أكذب، .. شاب يحاجج الدرك ويحاولون إسكاته بالقوة، يعلق أحد الدرك هذا الشاب أعرفه من أصحاب السوابق.. لبعض الموقوفين شفعاء يتصلون فيخرجون مباشرة..
في توقيف السيارات تذكرت البيت المشهور:
ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا == مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
السيارات الفارهة الأنيقة توقف في أقل من دقيقة لا أدري ما هو السبب!! إحداهن تمتطي سيارة COROLLA حديثة دخلت مفاوضات عسيرة مع الدرك قبل أن تتصل بشفيعها ثم تغلق بالباب وتشغل الموسيقى بأعلى صوت وسط تصفيق مع زميلاتها..
عندما بدأ المطار أمرونا بالتحرك نحو أحد العنابر حشروا الجميع فيه امتنعت من التجمع امتثالا للأوامر الاحترازية وبقيت في العراء حتى انتهت الموجة الأولى من المطر..
بعد ساعة وصلت سيارة ثانية من الدرك وأمر القائد بإطلاق سراح الجميع، فالمطر قد اشتد، خرجنا من هناك نغالب المطر ..