ظهر ذلك الضريح الكبير مسنما بالرمل، وبشكل يبدو أكبر من حجم القبور العادي، طويلا يغطي امتداده ثلاثين ذراعا أو يزيد:
هل هذا القبر لأحد عمالقة العصور الماضية البعيدة والقرون الغابرة؟ ! أم هو لأحد المسلمين من الجان شهر على هذا النحو ليزوره أصدقاؤه من الإنس تبركا منه ووفاء للعهد؟!.
ولو كان لأحد الأولياء والصالحين المعروفين لما بقي وحيدا لا وجود لقبر آخر بجانبه. والناس مجبولون على الرغبة في دفن موتاهم بقرب مدافن الأولياء والصالحين، ليكونوا ضيوفا عليهم، يشفعون لهم، أو ينالون من بركتهم، ونور أرواحهم في دار البرزخ. وإذا كان شأنه عائدا للأوائل الأقدمين، فلماذا آثار أقدام الزوار بحافتي هذا الضريح الغريب؟!.
ولماذا الأخشاب مكدسة على طوله تجديدا له حتى لا تطمسه عواصف الرمال؟! إن له لشأنا، وإن حول أخشابه لحكاية نجهلها.
هكذا كان يفكر المشاهدون البداة، المارون مرورهم الأول وهم يرون أكداس الخشب المستطيلة فوق التراب المسنم، مرسلين العنان لمخيلاتهم الخصبة.
ولكن ماذا كانت تقول المرأة المختبئة بين شجيرات طلح ملتفة حول بعضها البعض؟ "رباه ! هذي أنا وهذا .. ! يا ألله ..؟ " وهمت بالنهوض والسير إلى ناحية الضريح، وشاهدت رعاة الإبل والأغنام القادمين من أحياء قريبة، حاملين الأخشاب متجهين إلى المكان، فعادت إلى مخبئها وهي ترتجف خوفا وخجلا !.
وضع كل واحد ما جلب من خشب وأخذ قبضة من تراب القبر، وراح يمررها ويحككها على وجهه وبطنه تبركا منها.. !