في عهدنا الذهبي: عهد التأسيس والبناء، عهد الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله، كانت دبلوماسية رجال الدولة العظام مؤشرا بارزا على شموخ بلادنا وعلو كعبها وتبوئها مكانا لائقا بين الأمم. ولا غرو، "فكم أب قد علا بابن ذرى حسب": رفضنا الانضمام إلى منظمة عموم الأقاليم الصحراوية الفرنسية والاعتراف بإسرائيل، واعترفنا بالحكومة الجزائرية الموقتة وبجمهورية الصين الشعبية، وخرجنا من الاتحاد الإفريقي الملغاشي التابع لفرنسا، وأسسنا منظمة الوحدة الإفريقية، وانضممنا إلى الجامعة العربية، وقطعنا العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا وبريطانيا وطردنا سفيريهما، وأخرجنا إسرائيل صاغرة من إفريقيا، واعترفنا بمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الإفريقي وحزب استقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر، وفتحنا لهم بلادنا وأمواج أثيرنا، كما اعترفنا بحكومتي فيتنام وكامبودج، واستقبلنا الأمير نورودوم سيهانوك والوزيرة اغوينتي بين في انواكشوط الحرة.. إلخ.
وها نحن اليوم في عهد إعادة التأسيس وبناء الأمجاد، نعرف في القائمين على الشأن العام بعض شمائل دبلوماسية ذلك العهد المجيد. تجلت أول ما تجلت في طرد إسرائيل مدحورة من بلادنا الطاهرة، وتأكد صعود مؤشرها في تمسكنا بالثوابت الوطنية والتحررية كحرية القرار في السلم والحرب، وكدورنا في لم الشمل وإصلاح ذات البين قبل – وأثناء- رئاستنا الثانية للقارة الإفريقية. تلك الرئاسة التي كان ختامها مسكا عندما تحدى رئيس موريتانيا كل العوائق وتوجه إلى البلدان الإفريقية المنكوبة بوباء إيبولا الفتاك؛ مواسيا ومعينا، وواصلا رحما، وداعيا دول العالم إلى التضامن مع القارة السمراء.
قد رأى بعضٌ أن رحلة إفريقيا كانت رياء محضا، واعتبرها آخرون خرقا سافرا لنظم الحذر الصارمة المتبعة خوفا من الوباء، وقال قائلون عن المساعدة الموريتانية للدول المحتاجة: "ما في المدينة أحوج منا". بيد أن رحلة إفريقيا في جوهرها كانت رحلة موريتانية أصيلة. إنها تعبر عن الجوهر الموريتاني الأصيل ذي الأبعاد الأربعة: الحب، والعطف، والمروءة، والإيثار. وهي دليل قاطع على أن انتماءنا لإفريقيا ليس دعوى أو مجاملة أو ذرا للرماد في الأعين؛ بل هو انتماء حقيقي أصيل لا يتعارض مع أي انتماء آخر. فإفريقيا هي أمنا ووطننا، والأفارقة هم أهلنا الذين وقفوا معنا في زمن العسرة عندما وضعنا أقدامنا الحافية المترددة لأول مرة على درب الاستقلال والحرية.
هل يعني هذا أن كل شيء في البلاد على ما يرام؟ كلا؛ لقد تحقق الكثير وبقي أكثر "ولكن فضل الأرض للأرض يذكر" كما قال الشاعر أحمدو ولد عبد القادر.