الشروق ميديا – فوجئ السنغاليون الثلاثاء (04/08) برحيل البروفيسور إبراهيما بيير انجاي، رائد طب الأعصاب في البلاد لتتوالي التعازي في الصحف وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، لكن السنغاليين لم يكونوا وحدهم في ذلك، فلهذه الشخصية العلمية والطبية البارزة من تعلقوا بها في المنطقة ولا سيما في موريتانيا.
تعرف الموريتانيون على البروفيسور انجاي من معاملته التي يصفونها بالإنسانية والراقية، والتي يتلقى بها من تضطرهم أوضاع قطاع الصحة في بلدهم إلى الهجرة جنوبا بحثا عن خدمات طبية أكثر تطورا ومهنية لهم أو لذويهم.
ولدُ إبراهيما بيير انجاي في التاسع من فبراير عام 1942 في سينلوي وفيها نشأ ودرس الابتدائية والثانوية. وبعد حصوله على الباكالوريا العلمية من ثانوية شارل ديغول، التحق بجامعة داكار لدراسة الطب ثم غادر إلى فرنسا ليمارس فيها طبيبا مقيما في مستشفيات جامعة باريس 5.
رائد طب الأعصاب
مارس هذا الأستاذ المبرز طب الأعصاب ودرّسه طوال أربعين عاماً، ليصبح أحد أبرز أطباء الأعصاب في غرب إفريقيا، ويتحول إلى مرجع علمي أسهم بشكل كبير في إشعاع قطاع الصحة السنغالي وكلية الطب بجامعة داكار.
"طوال مساره التدريسي في الجامعة، تكوّن على يديه 5 دكاترة بمرتبة بروفيسور مبرز و70 طبيب أعصاب ونشر 150 مقالا في مجلات علمية كبرى. وهو يعد واحداً من سادة وبُناة هذه المؤسسة"، هكذا وصفه عميد كلية الطب البروفيسور آمادو جوف عام 2015.
أحرز انجاي مرتبة أستاذ فخري وعضوية أكاديمية العلوم، لكن رغم شخصية المرموقة في عالم الطب والأوساط الجامعية، عُرف أكثر بكونه رجل حريصاً على فعل الخير، صارماً ودقيقاً وبشكل خاص اشتهر بأنه يبدأ تقديم استشاراته الطبية الساعة السادسة صباحاً.
يعتبره الكثيرون في الأوساط الطبية "أب طلب الأعصاب في السنغال"، لكن آخرين يرونه في الواقع رائداً لهذا التخصص في شبه المنطقة، وتكريما له أُطلق اسمه على قسم طب الأعصاب في مسشتفى "فان" حيث خدم فيه طويلاً.
عمل منذ 1985 أستاذا لكرسي طب الأعصاب في جامعة الشيخ أنتا جوب، وعمل طوال 12 عاما مراقباً لكلية الطب والصيدلة والأسنان. وقد حاز انجاي لقب الأستاذية عام 1979 ليصبح بذلك أول إفريقي من البلدان الناطقة بالفرنسية يحرز هذا اللقب، كما أنه حصل على أوسمة وتكريمات عديدة منها وسام مجلس إفريقيا ومدغشقر للتعليم العالي ووسام الشرف الوطني في السنغال.
نعي موريتاني
موريتانيون عديدون نعوه وأثنوا على خصاله التي وصفوها بالنادرة. يقول عنه الباحث وخبير الشؤون الإفريقية إسماعيل ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا: "لطالما ارتاده الموريتانيون في عيادته بداكار فيهبهم الله الشفاء على يديه. لم يكونوا يراعون تخصصه في استشفائهم، ولم أكن أعلم السبب إلا حين سألته ذات مرة فأخبرني بأن الموريتانيين يعلمون دعوات الصالحين منهم له في الماضي ويتلمسون الإجابة عبره".
ويضيف ولد الشيخ سيديا في منشور نعاه فيه على فيسبوك: "كثيرا ما دعاه الموريتانيون إلى بيوتهم في العصابة وآدرار والترارزة. يزور رياض الصالحين في البعلاتية سنويا وينزل في أحد فنادق نواكشوط خلسة لكيلا ينغص الكرماء الموريتانيون أجندته عرفانا واستدراكا".
أما الكاتب والخبير اللغوي محمد سالم ولد جدو فنعاه قائلا: "إبراهيم انجاي إنسان ودود لطيف حلو المعشر. (...) منَّ الله به على الموريتانيين حين رمتهم الأقدار مدفوعين بغريزة حب الحياة إلى السنغال؛ يرتمون على الرصيف ليلا، منهم من يبيت، ومنهم من يجازف بالذهاب إليه بعد انتصاف الليل انتظارا لحضوره الذي يسبق الفجر مراعاة لحالهم، فإذا حانت الصلاة توقف عن استقبال المرضى حتى يؤديها".
ويضيف ولد جدو متحدثاً عن معاملة الراحل لمرضاه: "يستقبل المريض عند الباب ويصغي إليه بأناة، ويداعبه تخفيفا عنه، وإن كان صغيرا أهداه الحلواء، ثم يشيعه إلى الباب وهناك يستقبل مريضا آخر.. وهكذا. لا يضجر ولا يتبرم. يؤانس الزائر حسب مستواه ومنطقته؛ فيسأله عن البادية واللبن واللحم أو الگيطنه أو المدينة أو العمل.. حسب ما يتوسم من حاله، فإن رآه ذا ثقافة خاض معه في أمور التاريخ والحضارة، وما وعاه من تاريخ جده لأمه دودو سك المتلقب ولد أبن المقداد، وكثيرا ما ذكر حقبة من شبابه عاشها في بلادنا في كنف عمه سيد المختار انجاي. رحم الله ابير انجاي بواسع رحمته، وتجاوز عنه، وجزاء خير الجزاء عن المرضى؛ وخصوصا الموريتانيين منهم، وأحسن عزاءهم. وإنا لله وإنا إليه راجعون".
المصادر: إعلام سنغالي + مواقع التواصل الاجتماعي