الحزب الحاكم يرد على وثيقة التكتل

أحد, 2015-01-11 23:06

عجيب هو أمر بعض القوى السياسية المحسوبة على صفوف المعارضة الديمقراطية افتراضا، فكلما كانت بوصلة الوضع السياسي الداخلي تتجه نحو الحديث عن الحوار، بدأت هذه القوى المعزولة سياسيا وديمقراطيا وشعبيا في تحريك عجلة التشكيك في قدرة الموريتانيين على الجلوس حول طاولة واحدة لبحث شؤونهم بمنطق الحوار والتعاطي السياسي البناء، بعيدا عن لغة التشنج والتأزيم والقيل والقال، وعن المحاولات اليائسة لتقزيم النجاحات والإنجازات التنموية والسياسية والدبلوماسية الشاهدة التي حققتها بلادنا في السنوات القليلة الماضية، بإرادة القيادة السياسية القوية، وبتحالف والتفاف الأغلبية الساحقة من القوى الشعبية والنخبوية الفاعلة حول مشروع مجتمع موريتاني حديث نال ثقتها بامتياز، فانبرت تواجه كل العوائق التي تقف في وجه تجسيده .

والأدهى والأمر من هذا وذاك، هو أن الجهات التي تدعي كونها صاحبة السبق ومالكة زمام النضال الديمقراطي بتقادم تجربتها في صفوف المعارضة على حد ادعائها المفرط في خلفيته الإقصائية، والموغل في نرجسيته وتعاليه غير المبرر على سائر القوى السياسية الوطنية الأخرى في كل أطياف المعارضة والموالاة، هو كونها لا تتردد في التحدث بضمير الجمع، بينما هي في الواقع مجرد قوى مفردة وشريدة خارج حلبة الفعل السياسي المدعوم بمصداقية التمثيل الشعبي، وبالمرجعية الديمقراطية المؤسسة على استحقاق الانتخاب، لا على أساس منطق الرفض وسياسة التخوين والتشكيك والهروب الدائم إلى الأمام.

فبأي منطق يحاول حزب "تكتل القوى الديمقراطية" عبر هيئته القيادية ممثلة في مكتبه التنفيذي ـ وبكل تشاؤم و سوداوية ومزايدة مطبوعة كالعادة بطابع التحامل الأعمى على الأشخاص قبل المؤسسات السيادية ـ إقناع الموريتانيين بأن وحدتهم الوطنية ممزقة وأن نسيجهم الاجتماعي متشرذم، في الوقت الذي لم تشهد فيه بلادنا غير المزيد من التماسك والاستقرار والنمو المضطرد في محيط عربي وإفريقي ـ مباشر ـ ودولي ـ غير مباشر ـ سمته الاضطرابات والحروب الأهلية، وانتشار الإرهاب والعنف السياسي، والأزمات المالية والاقتصادية المتتالية، في حين أن بلادنا ـ ولله الحمد والمنة ـ تحافظ على سيرها بثقة ومسؤولية نحو آفاق التقدم والرقي، بعيدا عن التصدعات والاختلالات التي يسوق هؤلاء انتشارها، ويرونها واقعا لا وجود له إلا في مخيلاتهم التي كثيرا ما خانتهم.

إن حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يرى في حرية الإعلام وتعدديته وانتشار المنابر الإعلامية الحرة في بلادنا خطرا يتعين القضاء عليه، ووسيلة لنشر التفرقة وإثارة الفتن ـ على حد تعبير بيانه الأخير ـ ليؤكد للموريتانيين اليوم أكثر من الأمس أن رفضهم لنهجه السياسي التخويني و الإقصائي المعتمد على استصغار همم وتطلعات الموريتانيين في المزيد من الدمقرطة وتحرير الطاقات الكامنة في شتى المجالات، ليس إلا تماديا في الدعوات المتكررة التي مرد عليها ـ بمناسبة وبغير مناسبة، في أكثر الحالات ـ للخروج على نهج التعاطي الديمقراطي المسؤول والمتعقل والحكيم، مع واقع التعددية السياسية التي لم يعد الموريتانيون يقبلون بأقل منها، عكسا لروح الدعوات الصادرة عن بعض الجهات، والتي لا يكاد مضمونها يخلو من تناقض بين، فهي تطالب بالحوار السياسي في الوقت الذي ترفض فيه دعوات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز والأغلبية السياسية والشعبية الداعمة له إلى الحوار بشكل متكرر ودائم، لكن هذه القوى ـ بما فيها التكتل ـ لا تدرك أن كل المراقبين والشركاء السياسيين في الداخل والخارج، لم يعد بإمكانهم الاستمرار في الاستماع العبثي لخطابها ولبياناتها المكررة، لما تفتقده من جدية ومسؤولية وحصافة، ولعدم اتصالها بالواقع.

فهذه الأصوات المبحوحة ـ لكونها الصوت النشازـ تمعن في التناقض حين تنادي بهبة شعبية محاكية لقوى وتوجهات مغايرة، وفي فضاءات مختلفة عن الفضاء الموريتاني لتغيير ما تسميه الأوضاع القائمة، متناسية فشلها الذريع طيلة الأعوام الخمسة المنصرمة في جر الرأي العام الوطني إلى دائرة العنف وتبني منطق تجاهل الإنجازات وتقديم نفسها كبديل عن خيارات الشعب الموريتاني التي أكد عليها في سلسلة الاستحقاقات الديمقراطية المتتالية من انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية، والتي لم تتأثر بغياب ومقاطعة هؤلاء، لا من حيث نسب المشاركة، ولا من حيث المصداقية، ولا من حيث اعتراف المجتمع الدولي بها، ولا من حيث قبول المشاركين فيها بالنتائج، بما فيهم قوى معارضة كانت في نفس الخندق مع الأقلية المعزولة اليوم، قبل أن تنقذها المشاركة في استحقاقات أراد لها الموريتانيون أن تكون عكس ما روج لها هؤلاء.

أما عن قولهم ـ في نص البيان الذي سمي بـ "الوثيقة" ـ : " إن النظام رفض الاستجابة لمطالب أصدرها التكتل في برنامجه الوطني بشأن الوحدة الوطنية " كما هو الحال بالنسبة لجهات أخرى عددها البيان، فهو قول مردود على أصحابه، إذ أن مطالبة رئيس الجمهورية والحكومة بتطبيق برنامج حزب التكتل الذي خرج من اللعبة السياسية يوم أيقن أن الناخبين الموريتانيين لن يتجاوبوا مع طرحه وبرنامجه السياسي، هو الآخر أمر بالغ الغرابة، فكيف تطالبون الأغلبية الديمقراطية بتطبيق توصيات وبرامج هيئات حزبية وقيادات سياسية لا تحظى بتمثيل مستشار بلدي واحد، فضلا عن افتقارها لأدنى مستويات التمثيل الديمقراطي....؟ أليس ذلك من قبيل النرجسية التي يوصم بها تعامل أحزابكم المملوكة لأشخاص دون مناضلين، ولجماعات ضيقة دون مؤسسات أو هيئات قيادية تحظى بقبول من تدعون كونهم مناضلين في صفوفها..؟

وعن معالجة الإرث الإنساني وغيره من الملفات الاجتماعية والحقوقية المرتبطة بمكافحة آثار الاسترقاق، فلا نرى في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، وفي الأغلبية الديمقراطية عموما أن من يحرضون على التفرقة والطرح الفئوي المتشنج، ويقفون في صف أدعياء مكافحة الاسترقاق دون وجه حق، باستطاعتهم أن يقدموا دروسا للموريتانيين حول السبل الكفيلة باعتماد سياسات واستراتيجيات ناجعة في هذا المجال، خاصة في غياب توفرهم على الشجاعة الكافية للاعتراف بما تحقق في هذا المضمار الذي تراكمت المشاكل فيه على مدى خمسين عاما من قيام الدولة الوطنية عبر ممارسات الأنظمة الأحادية والدكتاتورية التي شاركها الجرم ونظر لها وزكاها جل قادة ومنظري معسكر المقاطعة والتشكيك الذي تتزعمه اليوم أحزاب لم تعد تمتلك من صفة الأحزاب سوى تراخيصها القانونية ومقرات تعصف بها رياح الإقصاء الذاتي، قبل إقصاء الموريتانيين لها من حلبة الفعل السياسي الواعي والمسؤول، حين هجروا هذه الأحزاب فرادى وجماعات، في موسم هجرة سياسية بات الجميع يدرك اليوم أنها هجرة نحو النموذج السياسي الأكثر مصداقية وإقناعا للنخب الفاعلة وللجماهير الشعبية التي شبت عن طوق التأثير العاطفي، وعن الخضوع لأجندات سياسية أثبتت تعثرها وفشلها البين في التأقلم مع معطيات عهد سياسي جديد يقوده رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، عهد سلبها خطابها السياسي بالفعل لا بالقول، بالإنجازات والمكاسب، لا بالبيانات والخطب والتصريحات النارية وثورات الغرف المحصورة بين جدران العزلة السياسية التي أفقدتها حتى قدرتها على لفت الانتباه.

أما عن التعليم وإشكاليته المطروحة اليوم للبحث عن أنجع الحلول والمقاربات العصرية لتطويره بكل جدية من طرف رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الذي أعلن سنة 2015 سنة وطنية خاصة بالتعليم، فلا داعي للعودة من قبل "التكتل" لاستخدام نفس التقنية الاتصالية المتجاوزة والتي تعتمد التشكيك حتى في النيات والمشاريع، ولو كانت أهميتها بحجم أهمية وحيوية إصلاح قطاع التعليم.

وبدل أن يقدم لنا الإخوة في زعامة المنتدى ـ البديل الهجين عن منسقية المعارضة المنحلة عمليا، وكذا عن زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية التي لم يعد بإمكانهم استخدام شرعيتها بفعل عزلتهم ـ ، بدل أن يقدموا لنا اقتراحات وأفكارا حول إصلاح التعليم والمساهمة في إنجاح مسعى الحكومة لإنجاح السنة الوطنية للتعليم، هذا القطاع الحيوي الذي ساهموا، كل على طريقته وبأسلوبه مع الأنظمة البائدة في إفساده، ها هم يشككون كعادتهم، ويقدمون برهانا آخر على السلبية المعهودة في التعاطي مع الشأن العام، لسبب بات الجميع يفقهه، وهو أنهم بكل بساطة ليسوا من يديرون دفة الحكم.

لقد تعرض بيان حزب التكتل المنشور يوم الـ 09 يناير 2014 بالكثير من السرد والإنشاء للقطاعات التنموية الكبرى في البلاد، وبالكثير من الانتقادات غير المؤسسة، ومع الافتقار البين للأرقام والبيانات التي تثبت ادعاءات المكتب التنفيذي لحزب التكتل، ولم يشفع التوقيت الذي نشر فيه البيان لناشريه، إذ تزامن مع تقديم الوزير الأول لإعلان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان، هذا الإعلان الذي تضمن تقييما مدعوما بالشهادات الواضحة للمؤسسات الحقوقية والسياسية الدولية، وبالبيانات النقدية والاقتصادية الدولية، وبشهادات الشركاء التنمويين والماليين والاقتصاديين المحليين والأجانب، و بالأرقام التي تعكس الوضعية المطمئنة على الحالة العامة للبلاد.

وحتى لا نقع في فخ التكرار الممل، نحيل الرأي العام الوطني إلى نص إعلان السياسة العامة للحكومة الذي قدمه الوزير الأول السيد يحي ولد حدمين مساء الـ 05 يناير 2014 أمام البرلمان، والذي لا شك أربك في كل مضامينه المستندة إلى الواقع، طرح وادعاءات المعارضة المتشنجة، ممثلة في حزب تكتل القوى الديمقراطية وفي بقية الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المحسوبة على "المنتدى الهجين" الرافض للحوار أسلوبا ونهجا.

وفي الأخير فإن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا البيان التصعيدي غير الموفق، هو أنه يكرس خيار التعاطي السلبي مع الدعوات المتكررة للحوار الوطني البناء التي أطلقها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وعبر من خلالها بوضوح عن استعداد الأغلبية الديمقراطية للجنوح إلى حوار وطني جاد بدون شروط ولا استثناءات، فضلا عن كون الوثيقة "التكتلية" تعد ردا غير إيجابي وغير مناسب في كل مضامينه وفي لغته الصدامية وإيحاءاته المشخصنة، وهمزه ولمزه الخارج عن دائرة التعاطي واللياقة المفروض اتباعها في فضاء سياسي تحترم نخبه وفاعلوه أبجديات وقواعد الديمقراطية ودولة القانون، بعيدا عن اللجوء إلى التهجم المباشر على الأشخاص والجهات، وتمجيد الدعوات الفئوية والعنف اللفظي الممقوت، والذي يدل استخدامه على العجز التام عن مقارعة الحجة بالحجة، بعد العجز عن تقديم البدائل السياسية المقنعة، عوض الركون إلى خلط الأوراق وسيلة للتشويش على مسيرة ماضية في طريق تحقيق المزيد من التقدم والازدهار لبلد وشعب ينتظران منا الكثير، ويستحقان علينا أن نكون جميعا ـ في المعارضة وفي الأغلبية ـ عند حسن ظنهما بنا.

أمانة الاتصال بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية

الأحد 11 يناير

اقرأ أيضا