خاص ـ الشروق ميديا: يمكن القول ان الوطن العربي بعد ما يسمى الربيع العربي ـ وما هو بربيع ولا بعربي إن هو إلا صيف دموي جلب الدم والفوضى والدمار للوطن العربي ـ يتجه نحو أفق جديد ربما يحمل طبقة شعبية جديدة هي نتاج التخلص من الأنظمة القديمة وانكشاف عورات النخب السياسية والفكرية والأمنية التى قذفت بها أمواج الفوضى إلى التحكم فى الوطن العربي بعد أحداث الربيع الدموي
الطبقة الجديدة قد تحمل فكرا جديدا وعصارة لتجارب سياسية من عمق الشارع العربي لا تحمل شعارات كاذبة ولا تسعى لتصنيم فكر أو زعيم أو تيار سياسي أو رموز طائفية ما يعنى أنها ستبشر فقط بقيم الدولة المدنية دولة التعايش والاستقرار والمساواة
لقد جربت الشعوب العربية كل أنواع الحكم ولم يبق إلا أن تأخذ بيدها زمام المبادرة ومن بين صفوفها وبإجماعها وأعتقد أن ذلك هو ما يجرى الإعداد له وساعتها لن يكون بمقدور أية أجندات خارجية تغيير مسار الوعي فى الوطن العربي فالشعوب وحدها تستطيع مع صناعة الثورات حمايتها والتحكم فيها
كيف ستصل هذه الطبقة إلى إدارة الشأن العام فى دول ما يسمى بالربيع
أظن بأن التجربة التونسية تحمل جوابا فهي تجربة طرقت باب الأحادية ثم باب الثورة ثم باب الشراكة السياسية ثم باب الحنين الى الدولة المدنية التى قد تظلم أو تتأخر اقتصاديا لكنها إطار مثالي يجد فيه كل الناس ذواتهم وتذوب فيها الفوارق بين المواطنين عكسا للدول البوليسية القمعية أوالدينية أوا لطائفية أو أحادية التسيير
التجربة التونسية قد تتكرر فى مصر وليبيا بعد فشل النظم العسكرية وفشل النظم ذات الولاءات الفكرية أو السياسية الضيقة وفشل الزواج غير الشرعي بين نخب سياسية كانت جزء من الداء ولم تدخل أبدا فى مركبات الدواء مثالها التحالف بين المرزوقي و الغنوشي فى تونس حيث فضل التونسيون الحنين لنظام بورقيبة ورجاله نكاية فى ذلك التحالف الذى فشل فى إعطاء النموذج المناسب لإصلاح الشأن العام فى تونس بل دمر العلاقة بين المواطن التونسي وقيمه الجمهورية المرتكزة على الولاء للوطن وليس لشخص أو فكر
إن ما حدث فى الوطن العربي وإن اتخذ منحى ثوريا فى تونس إلا أن وصفه بالثورات ليس دقيقا فالثورة أنبل وأعف وأطهر من الفوضى والدمار و الإستعانة بالأجانب والتفريط فى الأرض والعرض والثروات الوطنية
وإن سلمنا جدلا بأن ماحدث كان ثورات حقيقية فلا أقل من أن نسلم أيضا بأنها كانت موجة امتطاها من لم يصنعوا ثورات فى تاريخهم ولذلك شوهوا المسارات وأفرغوا مطالب الجماهير من محتوياتها وظهروا على الطبيعة قطاع طرق يمارسون السطو المسلح فكريا وسياسيا على الشعوب
وكل النخب التى جيئ بها لتصدر مشهد ما بعد الربيع كانت نخبا مستجلبة من الخارج ولم تخرج من رحم الأرض والشعب ولذلك ارتبكت فى مواجهة معطيات محلية لا تتناسب مع تاريخها الطويل من الإقامة فى الخارج وتقمصه فكرا وممارسة
ولكي تكون الثورة نبيلة لابد أن تنبت على الأرض وتسقى بدم وعرق الشعب ميدانيا وإلا فإنها ستكون حرابة حقيقية