الشروق ميديا ـ تيفيريت: إنه شتاء الصحراء؛ ليل طويل وبرد قارس وعطاس وزكام فحمى ليلية تصيب معظم الساكنة، وفجر قارس قل من يستطيع أن يتطهر بالماء فيلجأ إلى التيمم على الرمل البارد، في انتظار أن تبزغ الدرة الحمراء من الشرق البعيد علها تسخن الجو ولو قليلا.. هكذا هو شتاء رمال نواكشوط ومن حولها من ساكنة القرى المجاورة. مقاومة مستمرة لهذا الفصل وأمراضه المحتومة، وهكذا كان يعيش سكان "تيفيريت" الواقعة على بعد 25 كلم شرق العاصمة نواكشوط منذ عقود من الزمن قبل أن تبدأ الكارثة بمكب النفايات.
اليوم يفرض على هذه القرية أن تعيش شتاء من نوع آخر، شتاء بروائح الدخان النتنة المستمرة، يتنفسون القمامة بجميع أنواعها: جيف المواشي، نفايات المصانع السامة، روائح تزكم الأنوف وتتسبب في ضيق التنفس والاختناق. هكذا استمر الحال لمدة عشر سنوات لتفتقد القرية 14 شخصا وتتسبب النفاسات في أمراض للعشرات من الساكنة.
انتفاضة من أجل التنفس
خلال السنوات السبع الأخيرة سطر أبناء قرية "تيفيريت" أياما بطولية اعتقل فيه الرجال وسحل النساء. بدأت باعتقال القيادي الراحل في حزب اتحاد قوى التقدم أحمد ولد حباب الذي قضى أياما في ضيافة الدرك قبل أن يتم إخماد الانتفاضة وتتعهد السلطات بإغلاق المكب، لكن على الأرض تزايدت الشاحنات اليومية القادمة من وسط العاصمة وتزداد المأساة قبل أن تعود الانتفاضة العام الماضي وتدخل في مسار العدالة وتحكم المحكمة العليا بإغلاق مكب نفايات تيفيريت، وكالعادة تتحايل السلطات على المنتفضين في "تيفيريت" ويعودون قبل أشهر إلى الاعتصام.
ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة من تصعيد كان بسبب تفاقم الكارثة حسب شهادات الأهالي، بعد أن تزايدت حالات مرضى القلب والسرطانات والكبد وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بالهواء الملوث ضرب المعتصمون الخيام أسبوعا كاملا، وفي يوم السبت 27 دجمبر قمع الدرك الوطني المعتصمين وقام بسحل الرجال والنساء وتم اعتقال العشرات في سجن واد الناقة.
وفي مساء السبت 2 يناير تم فض الاعتصام بشكل كامل من قبل الدرك وتعرض عدة أشخاص مسنين للإغماء ونقلوا إلى مستشفى الشيخ زايد بنواكشوط، لتكون القرية عنوانا لزيارات المتضامنين.
المرضى يستغيثون
كل الذين التقت بهم "الشروق ميديا" يؤكدون أنهم ماضون في المطالبة بتفعيل القانون وتنفيذ حكم المحكمة العليا القاضي بإغلاق المكب نهائيا. "نريد أن ننتفس ونتنفس فقط" قالها أحد المصرحين..
(يتواصل)