كان صباح السبت 30 يناير 2021 كأي يوم من صباحات الدنيا العادية يوم عطلة توقعتُ فيه أن يدعوني زميل لمأدبة أو أدعوه أنا، توقعتُ أن يزورني أحد الأصدقاء في المكتب في دردشة عادية، توقعتُ أن أزور في المساء بعض الأحبة والخلان كعادتي في أيام العطل، توقعتُ كل شيء إلا أن يكون نعي شقيقي الخليل ولد بابتاح الذي غادر العاصمة قبل أيام قليلة في رحلة استجمام مع أصدقائه.
الساعة الحادية عشر رن هاتفي الصغير يتحدث الأخ الأكبر بصوت حزين وهو في حالة ارتباك ـ وحق له ذلك ـ أن الخبر شبه مؤكد وأن رصاصة طائشة استقرت في خاصرته..!!
ماذا دهاني ؟ الخليل ولد بابتاح قتل بطائشة من أعز أصدقائه ..مؤلم حقا هذا الخبر علي وعلى الأهل والأحبة مؤلم على كل من عرف الشاب الخلوق والشهم ذا المروءة والأخلا.. مؤلم ليس على نفسي الراضية بكل ما تخبئه المقادير وليس على العائلة المكلومة المؤمنة وليس على صديقه الوفي صاحب الرصاصة الطائشة فقط إنما الألم يتجاوز نوفسا عدة وأحياء بأكملها يتجاوز ألم فراق الخليل إلى قرى عرفت الشاب خدوما متفانيا في خدمة الناس فلا تسألني كم قدم شقيقي الراحل من خدمة وكم نفّس من كرب الدنيا عن عباد الله الضعاف .. لا تسألني كم من الدموع سالت على هذا الشاب المغادر فجأة عن عالمنا إلى الأبد حزنا على ما كان يقدمه لها الشاب الطيب الخلوق ..
رحل الخليل .. رحل شابٌ وفيٌ صامتٌ قليل الكلام كثير الخصال برا بوالدته المرحومة وبكل الوالدات، رحل الخليل فلن نسمع بعد اليوم "جاء الخليل فحلت مشاكلم.." لن نسمع بعد اليوم "الخليل موجود في الطيب وسيكفيكم مؤونة الأضاحي.." .
وداعا يا أعز الأشقاء وداعا لك وأنا أتأمل آخر تدوينة لك كتبت فيها أنك تشعر بالوحدة حنينا إلى فراق الوالدة فماذا عساي أكتب عن الوحدة وأنا الذي كنت أشعر أن لا خوف علي ما زال رقم هاتفك في الذاكرة ويكفيني اتصال واحد الآن قد اختفى هذا الرقم إلى الأبد وقد اختفى صوت صاحبه المبادر إلى كل خصلة ..!!
إنه وجه من وجوه الدنيا وابتلاءاتها لا يصمد فيه إلا الرجال والرجال فقط لا يصمد فيه إلا المؤمنون الراضون بقضاء الله وقدره الواثقون أنه ما زال في هذه الحياة وجه آخر باسم لا يزال في هذه الحياة شذى وهديل حمائم بيض وليالي مقمرة تنسيك هذا الوجه الدموع..
اللهم فاشهد أني راض بقضائك وقدرك فارض عني اللهم أرحم شقيقي الخليل بابتاح وأبدله شبابه بالجنة ...