لا يجد المتابع للشأن السياسي الوطني عناء في تفسير ما تشهده الساحة الوطنية من محاولات لخلق أزمات ووضع المطبات أمام عجلة النمو و إرساء الحكامة الرشيدة التي بدأ النظام الجديد بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وضع أسسها.
فبالعودة إلى الوراء قليلا نكتشف بسهولة أسباب ودواعي ما نشاهده اليوم من دعايات مغرضة ونداءات تارة بعرقلة عمل المؤسسات الدستورية ونسف المنظومة الديمقراطية وتارة أخرى باستدعاء الدعاية الجهوية والقبلية من طرف نواب ومدونين محسوبين على نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
رغم ما أظهره الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من مرونة في التعاطي السياسي مع ولد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير كشف من خلال تصرفاته وتعنته أنه كان يعد العدة لزعزعة أمن واستقرار البلاد في حال تم منعه من ممارسة الوصاية على النظام وتسييره من وراء حجاب كما كان يسوق لذلك خلال أيامه الأخيرة من حكمه. لقد كشفت الأحداث المتلاحقة أن ولد عبد العزيز جند شبكة من الجواسيس داخل أجهزة النظام الأمنية والإدارية والسياسية، من أجل خدمته وتزويده بالمعلومات وتأليب الرأي العام ضد نظام صديقه السابق.
ولعل ما تم الكشف عنه أخيرا من توقيف لعناصر أمنية متهمة بالتجسس لصالح ولد عبد العزيز ليس إلا خير دليل على أن أذرع الرجل تغلغلت داخل أوساط النظام.
إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ورغم ماحققه نظامه من إنجازات خلال الفترة الماضية سواء على المستوى الاجتماعي بزيادة الرواتب ومعاشات المتعاقدين والأرامل ودعم المعوقين وتوفير التأمين الصحي لهم، إضافة لتوزيع المساعدات النقدية على أكثر من مئتي ألف أسرة موريتانية فقيرة.
أو على المستوى السياسي وما تحقق فيه من تهدئة وتكريس لجو التفاهم بين الشركاء السياسيين (معارضة و موالاة). تجسد ذلك في فتح باب القصر على مصراعيه لرموز العمل السياسي في البلاد من أجل التشاور والتشارك في بناء موريتانيا موحدة يجد فيها الكل ذاته.
إلا أن ضعف أداء جناحه السياسي الممثل في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية
ساهم في خلق جو مناسب لعمل خلايا ولد عبد العزيز الإعلامية والسياسية من أجل بث الشائعات والتغطية على المكتسبات التي حقق النظام وحكومته.
إن عجز الحزب عن المواكبة الإعلامية للمشاريع الحكومية وعدم قدرته على تسويق المنجز يرجعه الكثير من المراقبين إلى عدم التفاهم وغياب الثقة بين مكوناته السياسية والإديولوجية والقبلية، مما جعله مشلولا عن الحركة تتنازعه تيارات عديدة همها الوحيد الإستئثار بقيادته وتسييره حسب أجنداتهم الخاصة حتى وإن كانت تلك الأجندات تخالف القانون والنظم الديمقراطية للبلاد.و لعل ما كشفته المكالمات الأخيرة المسربة لبعض قادته كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير مصداقيتهم وأظهر حجم الأنانية وعدم المسؤولية لدى النخبة، خاصة تلك التي كان النظام يعول على رصيدها النضالي وسمعتها الحسنة في أوساط المواطنين..
اليوم وفي ظل عدم الانسجام الملاحظ بين أقطاب الحكم و ما تم كشفه من حجم لتغلغل خلايا ولد عبد العزيز التجسسية في أوساط أجهزة النظام أصبح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مطالبا بالتحرك السريع لتنظيف جهازه من كل رواسب العشرية و مخبري ولد عبد العزيز.
فلا يمكن لأي نظام مهما كانت شرعيته وشعبيته أن يستجيب لتطلعات الموطنين وتحديات البلاد الاقتصادية والأمنية مالم تكن جميع أقطابه موحدة تطبعها روح العمل المشترك ويحركها هدف واحد هو خدمة الوطن والمواطن فقط.