شنقيط وما أدراك ما هي!! مدينة من التراث النفيس تحكي بكنوزها العتيقة وحجارتها النفيسة قصة طويلة أبطالها أقوام هجروا مرابعهم من أجل طلب العلم واستقروا في تلك البيوتات الطينية يوقدون النار ليلا على الحطب فيحفظون المتون الكبيرة في صدورهم ثم يصدرون أولائك الحفظة إلى أرجاء العالم.
لن أتحدث عن شنقيط كثيرا فذلك حديث معاد لن يستطيع أي صحفي إعادة صياغة تلك المتون المؤلفة عنها، ولكن لنا وقفات مع طريق سلكناه مرات إلى هذه المدينة نتأمل فيه كيف كان الجدود الأوائل يقطعون هذه الطريق الشاهقة، وليت شعري كيف لرجال يطوعون جبالا شامخة لا تقطعها السيارات والمراكب الحديثة إلا بشق الأنفس!!.
صدقوني .. قطعوها بخيولهم وجمالهم وحتى أرجلهم تحدوها تسلقوها سلكوها .. صدقوني يا من مررتم مرات على كدية ولد أبنو ..
ودعنا مدينة أطار عاصمة ولاية آدرار كانت تتراءى من بين الكدى الشاهقة البعيدة غيوم تظهر الجبال كنوء قريب، كنا نحن إلى مدينة شنقيط الأم شنقيط التاريخ كانت أشواقنا قريبة من أشواق ولد الكصري وهو يرى هضاب "تكانت":
عادو ابـــانولو رُوص افــَّـام *** اكدَ تگــانت متَّــــحـــدين
يـَـنْـبَاو ؤيغــباو افـلـغـمام *** ؤهوم زاد الْ مشيوفيـــن
يطــراْلُ ش يغلب لفـــهامْ *** گــولانُ كون إلِّ فالْحـــين
مايبگ شوقْ ادرسْ ماكام *** ؤُ لايبگ فالعينين اخـْـزِينْ
ؤلايبگ منــــظوم افلكلام (***) مَ جاو اوزانُــو منظـــومين
هذا ولد الكصري تكانت أما أبناء شنقيط فمن بينهم من لم يزرها في حياته قط لكنه يرى غيوم الجبال تنبئ أن وراءها حكاية ما من عصور الزمن الغابر الثمين..
كان وقت الأصيل والشمس بدأت تنحني غربا ونحن باتجاهنا شرقا بحثا عن مدينة تختفي لكن عشاقها سوف يقتحمون ذلك الجبل الطويل الشاهق، إنها أطول طريق في الجبال على أرض موريتانيا من شرقها إلى غربها، كانت "كدية ولد أبنو" الشاهقة منذ آلاف السنين تستعد لاستقبالنا نحن الزوار، كدية ولد أبنو التي تستقبل كل قادم إلى شنقيط تحكي قرونا من الزمن شهدت على قوافل العيس تغدو وتشرق مرة تحمل طلاب العلم ومرات تحمل قوافل الملح من آدرار إلى بقية أجزاء موريتانيا..
تسلقنا الجبل العالي في سيارة رباعية الدفع كنا نسير مع الطريق الحلزوني نسير إلى ذؤابة الجبل ننظر يمينا ويسارا نقترب من الهاوية ثم نتجاوز، وفي طريق ولد أبنو تبدو المشاهد مختلفة: صور تذكارية لقوافل السياح إلى المدينة، نباتات من صنع الخالق فوق الجبل الوردي، سيارات تتراءى على مد الأفق للجانب الآخر من الكدية في مكان تخاف عندما تحدث نفسك أنك ستصله، لكنك تعود إلى المتعة عندما تشعر ببرد الكدية الذي يداعب الأعضاء من كل الجهات، ثم وصلنا إلى شنقيط..
مئذنة المنارة..
وقفنا في مساء انخفضت درجة حرارته إلى 5 مئوية تبدو هذه المئذنة شامخة شموخ الجبال لم تتأثر بعاديات الزمن لا تستطيع السيول ولا السوافي تحريكها وقفنا إلى جنبها ساءلنها عن ستة قرون مرت.. كيف مرت؟ ومن هو أول مؤذن يرفع الأذان عليها وكم جلس في ظلها من الطلاب والعلماء؟ وكم غسل عند ساريتها من لوح؟ ساءلت هذه المنارة وساءلتها مرات علها تجيبني .. وقفت حائرا أمام المئذنة والتاريخ يبوح إلي بقرون من عظام الرجال..
مختار بابتاح ـ مدينة شنقيط التاريخية