مرة أخرى، يعود الحديث المتفاءل عن حوار جديد بين النظام والمعارضة الموريتانية، بعد سنوات من التشنج السياسي والشد والجذب الذي وصل أقصى درجاته قبل نحو سنتين حينما انطلقت أصوات معارضة تطالب برحيل الرئيس عزيز، وتشكك في شرعيته...
الحديث الجديد عن فتح أبواب الحوار بين السلطة والمعارضة، وعن وجود قنوات تواصل بين الطرفين تناقش الآليات والتفاصيل المتعلقة بهذا الحوار المرتقب، أعاد الأمل من جديد وجعل الموريتانيين يتنفسون الصعداء، في أن الأزمة السياسية الخانقة ستبدأ في التلاشي، خصوصا أن الموريتانيين ليس لديهم ترف التعايش مع الأزمات السياسية، فالوضع الاقتصادي الهش لأغلب الفئات المجتمعية، والتواجد في منطقة مملوءة ببراميل التوتر القابلة للاشتعال في أي لحظة كلها أمور تجعل الوضع صعبا بما فيه الكفاية..
ولإن كانت بشارات الحوار المرتقب قد بدأت تترى، رغم الشياطين الكثيرة الكامنة في التفاصيل، إلا أن الكثير من المحللين ورموز النخبة الموريتانيين، لا يرون في هذا الحوار السياسي المرتقب رغم أهميته، الحوار الجوهري المطلوب في موريتانيا في هذه اللحظة الوجودية الحاسمة من تاريخ البلد، الذي تتناهشه صراعات طبقية وعرقية وفئوية عميقة، وتكاد رياح الفوض الإقليمية والإرهاب أن تذروه في مهب العدم....
إن الحوار الجوهري والحقيقي، الذي يجب أن نتطلع إليه كموريتانيين، في هذا الظرف التاريخي العسر، لا يجب أن يكون مجرد حوار سياسي شكلي يتعاطى فيه النظام والمعارضة بمنطق البائع والمشتري، ويتم فيه عقد الصفقات السياسية التي تكتفي بأن تضع آليات توزيع المناصب وتبادل الأدوار، وإنما يجب أن يكون حوار وجوديا يعيد البحث بشكل معمق في سؤال الهوية ومآلات الكيان الموريتاني، وحدود الانتماء، وآليات التقاسم العادل للثروة بشقيها المادي والمعنوي الممثل في التراتبية المجتمعية، بما يضمن العبور الآمن نحو المستقبل بعيدا عن التشجنات العرقية والاجتماعية والفئوية التي تبرز بين الفينة والأخرى، والتي أصبحت تتجه في الآونة الأخيرة إلى أن تأخذ أشكالا وتعبيرات عنفية قد تؤدي، لا سمح الله، إلى تداعيات خطيرة على كيان المجتمع والدولة معا..
إن مسألة الانتماء والهوية، يجب أن تكون هي النقطة الأكثر إلحاحية والإشكالية الأهم لنتحاور حولها، بحيث نضمن أن موريتانيا التي نريد هي موريتانيا للجميع، وأن هذا "الجميع" أيضا يرى في "موريتانيته" الانتماء الجامع، بعيدا عن عرقه وفئته وقبيلته وجهته، ولا شك أن هذا الموضوع، رغم أهمية حسمه، ليس بالصعوبة التي يتصورها البعض، خصوصا في ظل وجود رابط هوياتي جامع لنا كموريتانيين، ألا وهو الدين الإسلامي، وذلك، لعمري، مكسب استراتيجي مهم، يجعل مهمتنا في تحديد الانتماء وتشكيل الهوية مهمة سهلة وميسورة، إذا حسنت النيات، وتلاقحت الأفكار، ودخلت نخبنا وفعاليتنا المجتمعية في حالة حوار وتفكير جماعي مخلص، يبحث عما يجمع لا مايفرق، ويضع الوطن أولوية ومظلة تسع الجميع..
إن أي حوار سياسي، مهما وضع له من ضمانات وآليات، سيكون عبثيا وذا نتائج وقتية، مالم يسبقه حوار مجتمعي شامل يعيد وضع التصورات ويجيب على الأسئلة الوطنية الكبرى، ويضع الخطوط العريضة لبناء وطني ومجتمعي يسع الجميع، ويؤمن الجميع بأهميته، ويجعلونه أولوية تتلاشى أمام مصالحه الكبرى، كل المصالح والغايات الشخصية والعرقية والفئوية الضيقة...
محمد سعدنا ولد الطالب
*نقلا عن "رأي اليوم" اللندنية