لا يختلف اثنان حول الدور الذي تلعبه فرنسا في تخريب ليبيا وفي دفن طموح الشعب الأزوادي، فهي من ساهم في إسقاط بعض الملكيات منذ عام 1952 انقلاب جمال عبد الناصر الذي أنجب عدة انقلابات في العراق عام 1958 وحرب اليمن ثم انقلاب معمر القذافي عام 1969 الذي رعاه جمال عبد الناصر ونصب زعيمه القذافي أمينا للقومية العربية وبعده انقلاب حافظ الأسد عام 1970 الذي أسماه الحركة التصحيحية وفرضت باريس على الوطن العربي أنظمة عسكرية مستبدة تتاجر بالقضية الفلسطينية؛ لارتكاب جرائم بحق شعوبها وأن الدول التي يتهمها الشعب بزعزعة استقرار البلاد لا تعدو كونها أدوات فرنسية.
و تعيش ليبيا أزمات أمنية منها ما يحدث من احتكاك بين بعض مكونات المجتمع مثلما يجري في بنغازي من توترات، وكذا في إقليم فزان جنوب ليبيا بين الطوارق والفزازنة وقبلها مع الزنتان والغدامسية، ومما لا يعرفه الكثيرون أن مشروع الثورة الفرنسية يرتكز على محاربة الملكيات و الإمارات القبلية التقليدية، ومن ضحاياه الأسرة الملكية السنوسية الليبية والزعماء التقليديين الطوارق المتحالفين معها.
وكان إقليم فزان قد اختار عام 1951 الانضمام للمملكة الليبية بمبادرة من قادته الأمراء التقليديين الطوارق ومن القبائل العربية ليصبح جزءا من دولة محورية تمثل حلقة وصل بين المشرق والمغرب الكبير وليكون سندا لأشقائه الثائرين ضد فرنسا ” أزواد واير والهغار” وقد أقام الملك إدريس السنوسي أفضل الروابط مع الأمراء والسلاطين الطوارق التقليديين في أزواد واير والهغار بحكم العلاقات والروابط التاريخية بين الحركة السنوسية والطوارق حاكمين ومحكومين، ورسخت الأسرة السنوسية احترام الطوارق في نفوس أتباعها في إقليم برقة حتى أصبح جزءا من الموروث الشعبي.
وقد استضاف الملك السنوسي الأمير محمد علي الأنصاري أمير طوارق تمبكتو ومنحه صفة مستشار ملكي ومنح أمراء طوارق الهغار وايير واغدز صفة الوجهاء وأعطى حق الجنسية الليبية لكل طارقي يعيش في ليبيا مهما كانت أصوله ومنابته على أساس أن فزان إقليم طارقي وصارت السلطات في عهده تتعامل مع اللباس الطارقي الدراعة والعمامة اللثام للرجال والملاحف للنساء كوثيقة مرور لا يسأل طارقي في ليبيا عن هويته؛ لأنه جزء من الهوية الحضارية الليبية؛ ولأنه ليبي أينما كان وأن الطوارق عمق ليبيا البشري في أفريقيا والعمود الفقري لسياساتها الخارجية.
وقد كلفت باريس جمال عبد الناصر بالعمل ضد الطوارق فقامت مخابراته باستثمار انبهار الشعوب العربية به بعد ما عرف بتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي وحدثت قمة في تونس عام 1958 تقرر فيها ضم أزواد وايير لمالي والنيجر والسماح لمن يرفض ذلك بالهجرة إلى الهغار ليصبح جزائريا او لفزان ليصبح ليبيا وقد حضر القمة قادة غرب إفريقيا وجبهة التحرير الجزائرية وجمال عبد الناصر ومندوب عن الحركة الوطنية المغربية بقيادة علال الفاسي إضافة للحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس.
وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970 أسندت مهمة تطويق الطوارق لجنرالات الجزائر والقذافي، فقام هواري بومدين باتخاذ سياسات إقصائية تقضي بعدم تولي الطوارق مواقع سيادية في الجزائر، وفي عهد الشاذلي بن جديد كان الطوارق يرمون كالقمامة إلى الحدود مع مالي والنيجر، ولم يشعر الطوارق في الجزائر بأي نوع من المواطنة إلا في عهد الرئيس اليمين زروال ثم جاء بو تفليقة فأعطاهم الجنسية والتمدرس وكل حقوق المواطنة.
بينما انتهج القذافي أسلوب أخر وهو حرمان الطوارق من الجنسية الليبية ومنحهم وثائق سخرية “بطاقة عائد” وزج بهم في فيالق ومعسكرات للارتزاق، وأصبح يرسلهم إلى حروب لاناقة لهم فيها ولاجمل مثل حرب تشاد التي كان الهدف منها إخراج الجيش الوطني الليبي من المعادلة، وإنشاء كتائب ومغاوير لحراسة نظامه وأسرته وقبيلته كما أرسلهم الى جنوب لبنان إبان مذابح صبرا وشاتيلا للتخلص منهم، وزرعت مخابراته الخصومات والتحاسد بين الطوارق .
وكانت فرنسا تطلب من القذافي تحريك التمرد في مالي والنيجر كلما حاول أي من النظامين الإفريقيين التقرب لأمريكا او الاتحاد السوفيتي وعندما تسقط النظام الذي خرج من بيت طاعتها كما حدث مع موسى تراوري تبرم اتفاق مذل لصالح مالي، ويتم تصفية المعارضين للاتفاق كما حدث مع مانو دياك، وقد حمت و صانت فرنسا نظام القذافي ومكنته من تسلم معارضيه وإعدامهم والتخلص منهم؛ لأن النظام الجماهيري وكتابه الأخضر يخدم أهدافها في إفريقيا.
وبعد ثورة 17 فبراير كان لفرنسا إستراتيجية خاصة في ليبيا وهي تمزيق الدولة الليبية؛ لأنها لن تجد نظاما يخدم مصالحها التخريبية مثل القذافي، فالمعارضة الليبية منذ 2005 طلبوا من الغرب تسهيل انقلاب على القذافي كما حدث مع موسى تراوري يقوده ضباط مثل عبد الفتاح يونس والدخول في مرحلة انتقالية، ثم انتخابات حرة ونزيهة وعودة المعارضين من الخارج ليقودوا عملية سياسية ليبية منبثقة عن إرادة وطنية ليبية ودستور يكتبه أبناء ليبيا، لكن باريس اختارت حرب أهلية دموية باهظة التكلفة بين الثوار و كتائب القذافي وقصف للناتو ومليشيات وهرج ومرج تجعل الحليم حيران.
و قد صممت فرنسا على أن يقود معسكر الثوار أزلام القذافي مثل ذراعه الاستثماري محمود جبريل وصاحب دموع التماسيح عبد الرحمن شلغم ورجال سيف القذافي أمثال علي الصلابي وسليمان دوغة، وقامت فرنسا بالتآمر ضد الطوارق وإلصاق تهم الارتزاق بهم وتأليب الغدامسيين والزنتان والفزازنة ضدهم رغم نضال الطوارق والامازيغ ضد القذافي حيث لعب ساستهم في الخارج دور محوري في تخلي الغرب عن القذافي عندما طلبوا من اللوبيات المؤيدة لقضية الطوارق في الغرب سحب البساط من تحت أقدام القذافي، كما طلبوا من الأكراد حشد الدعم للمجلس الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل لكن النتيجة كانت جزاء سنمار فقد أصبح الطوارق ضحية للمؤامرة الفرنسية، وتعرضوا لحملات تحريض واستهداف على الهوية في بعض المناطق، وقامت لجنة النزاهة بإبطال عضوية العديد من ممثليهم في المؤتمر الوطني مثل اجتثاث البعث.
وفي أزواد قامت فرنسا بدفن حلم الشعب في الاستقلال عندما قامت بالتعاون مع بعض دول الجوار بفبركة علاقة وهمية بين الطوارق والقاعدة، واستخدموا قادة أزواديين لهم باع طويل في بيع القضية الوطنية لتحقيق ذلك لتتدخل فرنسا عسكريا بحجة الحيلولة دون قيام دولة القاعدة في الساحل، ويحمل البعض قطر وزر أخطائهم في المنطقة.
تبقى الحقيقة أن الدوحة دولة صغيرة رهنت نفسها لمشاريع القوى الكبرى وليس لها سياسة خارجية واضحة المعالم، وهي تنفذ المخطط الفرنسي داخل ليبيا وفي أزواد ومتى تم ردع فرنسا يختفي الدور القطري الذي يعتبر ذيل للسياسة الفرنسية، وأن باريس هي من أمرت الدوحة بفتح منظومتها الإعلامية لرجال سيف القذافي وأزلام أبيه؛ ليصبحوا أبطال ثورة 17 فبراير ونجومها ومنحهم طائرات خاصة يجوبون بها العالم على حساب الثوار الحقيقيين، ويتسلقوا على أكتاف مكونات أخرى أكثر فعالية مقارعة النظام السابق، كما أن باريس منعت الطوارق من الحضور إعلاميا في المشهد الليبي خلال الثورة تاركة أدواتها في ليبيا يرسمون صورا نمطية مزيفة عنهم ويجب على عقلاء ليبيا إصلاح ذات البين وتصحيح مسار الثورة نحو بناء ليبيا الأصالة والمعاصرة دون إقصاء او تمييز و بناء وطن يتسع لكل أبنائه كما كان في عهد الملك إدريس السنوسي.
* رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي