القرار الفريد من نوعه لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، باعتماد وزارة الشؤون الإسلامية كوزارة من وزارات السيادة الخمس ، في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، من خلال مرسوم رئاسي صادر يوم أمس ، يجسد الهوية الحقيقية لهذا البلد ومكانته البارزة في العالم الإسلامي ، واعتزازه الأصيل بثوابته الدينية الخمس وقيمه الإنسانية السمحة في بلاد شنقيط أرض المنارة والرباط ، التي سارت بذكرها الركبان شرقا وغربا ، وامتدت من هنا جسورا بلا حدود تهدي بالتي هي اقوم سراجا وهاجا علما واخلاقا وأدبا ملأ الدنيا وشغل الناس حتى قبل نشاة كيان الدولة الوطنية الحديثة بعقود عدة من الزمن .
إن هذه المبادرة الفريدة من نوعها لأول رئيس في العالم الإسلامي ، يضع وزارة الشؤون الإسلامية في مقدمة السلم البروتوكولي لأجهزة الحكومة الرسمية ، تعطي انطباعا حسنا وايجابيا ، عن حقيقة موريتانيا العظيمة ، ومفهوم السيادة المتميز عند قائدها الأعلى ، وهو الاستناد اولا وأخيرا لمرجعية لا تبديل فيها ولا تغيير ، الا وهي هذا الإسلام العظيم ، الذي يشكل الوجدان المشترك لركب الشناقطة قديما وحديثا الذين قال باسمهم العلامة المختار ولد بون الجكني :
ونحن ركب من الأشراف منتظم
أجل ذا العصر قدرا دون ادنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
يها نبين دين الله تبيانا
لا تبنى الدول والحضارات بالمادة والثروات الطبيعية ، وإلا لما كانت الحروب والنزاعات والدمار في تاريخ الكثير من الدول العظمى والصغيرة ، ولكنها تبنى اولا بالأفكار الخلاقة واستغلال الخصائص الثقافية المشكلة بأبعاد مختلفة لنسيجها التاريخي والنفسي والاجتماعي ، كقاعدة لتعزيز الجبهة الداخلية للمجتمع ، وتوطيد الوحدة والانسجام بين مكوناته، بناء على ما جاء من عند الله رحمة للعالمين ، لا فرق فيه بين غني او فقير ولا ابيض على اسود إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وتلك هي الصورة الناصعة لنا نحن الموريتانيين بين الأمس واليوم ، التي فتحنا بها القلوب قبل الدروب في القارة الإفريقية وفي محيطنا العربي والإسلامي الواسع ، سفراء محبة وإخاء وسلام بلا غلو في الدين ولا تطرف او تشدد ، من كل حافظ لكتاب الله يتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا ، وكل فقيه وعالم نحرير ، شهدت له منابر الحرمين الشريفين قبل القاصي والداني ، وكل مشكاة صوفية صافية الزلال زهدا وتواضعا وتربية للقلوب والأرواح كانت ولا تزال ظلال خير وبركة وايثار، وإذا شئتم ان نزيد فمن خلال خلال كل جهبذ أديب وشاعر مفلق يبذ في النوادي والمحافل بجميل القوافي وفصاحة الضاد سحر بيان وتبيين في الاولين والآخرين .
لقد رفع رئيس الجمهورية فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، من معنويات شعبه المسلم ومنسوب فخاره الكبير الذي لا غبار عليه من خلال هذه الخطوة التاريخية غير المسبوقة عربيا واسلاميا ، والتي لا يجب أن ننظر إليها فقط من زاويتها الرمزية البروتوكولية، التي جعلت من وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي وزارة سيادة في هذا البلد الأمين إلى جانب وزارات العدل والداخلية والخارجية والدفاع ، وإنما من جانب آخر أيضا وهي ان هذه اللفتة الكريمة من رئيس شجاع لا يخاف في الله لومة لائم هي مصالحة وطنية كبرى مع الذات وأكبر صمام امان للوحدة الوطنية ، وسد منيع وحصن حصين لكيان موريتانيا أرض الرجال في وجه كل دعوات التفرقة والكراهية والفئوية الاجتماعية والعرقية ، وتحديات العولمة والقيم الاستهلاكية و الاستلاب الحضاري الوافد اليوم في زمن الاهتزاز القيمي الشامل والفراغ الروحي الشديد ، الذي ما فتئت تكرسه يوما بعد يوم قشور الثقافات الأخرى ، وبعض المخرجات الهزيلة لمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد الموجه من الآخر نحو العالم الإسلامي .
يستحق علينا رئيس الجمهورية كامل التهنئة والتقدير على ما قام به يوم أمس من إعلان هذا القرار الموفق ، فقد لامس الشعور الفردي والجماعي لموريتانيا الماضي والحاضر والمستقبل ، وهو منعطف يؤكد أنه قائد حقيقي من صميم مبادئ وثقافة هذا الشعب :
الذي زاره عقبة المجاهد قدما
حاملا دين افضل النسمات
كما قال شاعر الجمهورية أحمدو ولد عبد القادر
وينضاف هذا القرار المبارك الذي لن يضر صاحبه ما فعله بعد اليوم ، إلى مكارمه الروحية والدينية بالغة الدلالة خلال أقل من سنتين من عهدته الطيبة الآمنة المستقرة، وليست جائزة رئيس الجمهورية لحفظ ودراسة المتون المحظرية ، التي أعلن عنها وتم الاحتفال بتنظيمها لأول مرة منذ استقلال البلاد ، إلا واحدة من أبرز محطات هذا القائد الفذ محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أثبت بهذه الخطوات الملموسة أنه رئيس بلد إسلامي عظيم بدينه وقيمه وعلمائه وإشعاعه الروحي والديني والثقافي الممتد منذ عهد المرابطين حتى اليوم .
وإذا كان الأزهر الشريف هو رمز من رموز السيادة الدينية الشاهدة في مصر وقاهرة المعز ، فإن المحظرة الشنقيطية الأصيلة ، ومشكاة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي في موريتانيا الآن هي أيضا علامة كبرى من علامات السيادة الأولى في هذا الصقع من بلاد العرب والمسلمين ، فيه رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، طموحهم الوثاب بناء المنارات الحضارية الشاهدة ، وكسب الثروة الحقيقية التي تنفع الناس وتمكث في الأرض ويصلح بها الإنسان والعمران في كل زمان ومكان .
شكرا فخامة الرئيس وهنيئا لكم أولا بهذا المرسوم ، الذي سيرسم دائما لوحة موريتانيا الصادقة التي تسر الناظرين ، موريتانيا الدين والقيم والألواح ، موريتانيا التسامح الذي يدب في جميع الأرواح .
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
صدق الله العظيم