لا بد لنا من الإعتراف أن الطبقة المهمشة في المجتمع الموريتاني وأغلبهم من العمال ذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن ممارسة عمل يوفر لهم قسطا من الراحة وأملا في الغد، هم المؤهلون نفسانيا وإجرائيا للعمل الثوري.وهم القادرون في ذات السياق الثوري، على الوقوف بوجه الحركة الرأسمالية.
فلو حاولنا تقصي التاريخ الثوري للحراك العمالي لوجدنا أن جميع المكتسبات الإجتماعية التي تحققت في أي دولة من دول العالم كان للحراك العمالي دور الريادة والسببية في حدوثها، في حين أن الطبقة المترفة والغنية تمتلك رؤوس الأموال وتبث ثروتها في المصانع والمناجم والشركات، فهي الرقيبة عليها المتحكمة في شؤون تسييرها وإدارتها، ولكن لو نظرنا من ناحية أخرى فسنجد أن العمال أقرب من الطبقة المترفة إلى أموالهم؛ لكون العمال هم من يباشر العمل وهم من يسيطر عليه واقعيا ..
وللحراك العمالي جوهريته في نمذجة مجتمع جديد بنظام إقتصادي مخالف لسابقه الرأسمالي ، فهو لا يبحث أو لا يجعل من العملية الربحية غائية في ديمومته، بل يسعى جاهدا وبمختلف الطرائق لتلبية الحاجات الملحة والضرورية للإنسان غاضا النظر عن جميع النواحي التمايزية الطبقية والوظيفية والجندرية .
فمن هنا يكون لفلسفة الحركة العمالية دور هام في المحافظة على ما تبقى من الإنسان والمساهمة في استقراره السلوكي والعقلي ، والتشجيع على دمقرطة الدولة ، وقولبة النظام الإقتصادي بما يتوافق مع الصالح المجتمعي ، ونبذ عولمة السوق والشركات متعددة الجنسيات ، وتحسين الحالة الإقتصادية وضخ الأموال في السوق الوطني بهدف التأسيس لقالب قانوني جماعي يراقب ويسهل للحركة الإقتصادية في الدولة ويسمح لكاميرات السلطة الرابعة بجزء من المراقبة وللأقلام بحيز واسع من النقد ولمنظمات المجتمع المدني بمارسة دورها التوعوي والتثقيفي .
من هنا بإمكاننا أن ننظر للحراك العمالي الموريتاني (إضراب عمال أسنيم) بكثير من الحيطة والحذر وفي ذات الوقت بكثير من الأمل والطموح..
فهو مشابه لأحداث الثورة المجرية المجيدة عام 1956 حيث نظم الحراك العمالي انتفاضته الضد النظام السياسي استاليني وفي موريتانيا أنتفض الحراك العمالي ضد الطبقة الإقطاعية ومدراء الأفرع في الشركة
وقد أندلعت الثورة المجرية بسبب نظام الحكم المأزوم المشابه في كثير من حيثياته لنظام الموريتاني العسكري، القائم على مبدء لبرلة السوق وعولمة الإنتاج ، والعائد من تلك العمليات يدخل خزينة المؤسسة العسكرية لتقوم هي بدورها بمقاسمته ومناصفته بين أفرادها .
ولو ظلت الحكومة العسكرية على ماهي عليه من ظلم وجبروت وفساد، غاضة الطرف عن الإصلاحات مكتفية بالإستبداد ونهب الثروات .. لا تعمل على التخطيط الإقتصادي إلا إذا كان ريعه لجيوب طغمة العسكر، أما توزيع الثروة على المواطنين، فلا يكون إلا في مواسم إنتخابية بغرض الحشد والتجمهر وشراء الأصوات والذمم ..
إذن، أساس النظام العسكري في موريتانيا قائم على قاعدة مخزية وهي : إذلال وحرمان الجماهير العمالية وإبقاء الطبقة الكادحة في المجتمع على حالها دون أي محاولة لنهوض بها أو التغيير من واقعها .
لذلك فمن الطبيعي أن تحرم هذه الفئات العمالية في الشركة الوطنية لصناعة والمناجم (سنيم) من حقوقها لينهش الفقر فيها طول مسيرتها العملية، بالإضافة؛ لإنعدام الحقوق الإقتصادية والصحية والسياسية وأي علائم دالة على هذا الواقع المزري لن تكون بغير ثورة.
من خلال ما قدمت له فارطا فلا مجال لأن يساورنا الشك في أن الحكومة العسكرية في موريتانيا ونظامها الإقتصادي يغطان في أزمة طويلة ، وأن المجتمع الموريتاني سيشهد مناخا متقلبا من تحولات سياسية واقتصادية حقيقية .
وأن الحراك العمالي بمختلف أشكاله وأيديولوجياته هو المعول عليه في معركة بقاء الدولة المدنية وآلياتها التنفيذية والإصلاحية ، فالحركات الإحتجاجية للعمال هي أول بوادر التغيير وآفاق ذلك هو وصول هذه الصيحات إلى الجماهير العريضة من المواطنين الموريتانيين الذين يكتوون بالظلم والحيف، فتكون الثورة حينئذ ثورة عمالية بطابع مجتمعي ، ذى جسد ثوري واحد.
وأنا أكتب هذه السطور، يتفطر قلبي حرقة على المواطن الذي يغط في نومه العميق ، وعلى أطفال أزويرات في ذاك الوطن اليتيم يتنشقون ويبتسمون في وجه "غاز الرادون" و" الأسبستوسيز المسبب للسرطان".
دون أي حماية لطفولة من قبل دولة الجنرالات. لكن، الأطفال بطبيعتهم البريئة والقاصرة غيرُ آبهين بتقلبات الحكم ونواميس الأممم المتحدة وهرم ماسلو للإحتياجات الإنسانية والعقد الإجتماعي عند هيجل .
لولي محنض أحمد ، قسم الإعلام والشؤون الدولية ، جامعة قطر