يعيش العالم بأسره في هذه الآونة تحت وطأة إرهاصات الموجة الثالثة من كوفيد 19، والتي يبدو أنها لا تقل شأنا عن سابقتيها (الأولى والثانية)، بل إنها تبدو أشد خطرا وأعظم فتكا وأوسع انتشارا بفعل ظهور سلالات جديدة متحورة ومعقدة من هذا الفيروس.والواقع أن كوفيد 19 ليس مزحة ولا نكتة ولا خيالا أو وهما، بل هو وباء قاتل مميت وفتاك عصف بالعالم بأجمعه، قويه وضعيفه، غنيه وفقيره، متقدمه ومتخلفه.
لقد جعلت تداعيات الموجة الثالثة من كوفيد 19 العالم بأكمله يدخل في دوامة جديدة من المنازلة الشرسة لهذا الوباء العالمي والتصدي العملي لتحدياته وإكراها ته، من خلال الدفع بالجميع للتقيد الصارم، النسقي، والمنتظم بالإجراءات الاحترازية، من ارتداء الكمامة، والتباعد الاجتماعي، وغسل الأيدي بالماء والصابون، وتفادي ولوج التجمعات البشرية ذات الكثافة، والحد من الحركة، إلا في حدود الضرورة، إضافة إلى تعميم أخذ اللقاح، مع أولوية إتاحته مرحليا، للمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة.
وبما أن عالم اليوم ليس سوى قرية كونية متصلة مترابطة ومتفاعلة لايكاد يصيب بعض جوانبها من أمر إلا طالها بأسرها، فقد شهدت الفترة الأخيرة تزايدا ملحوظا، مضطردا، تصاعديا ومقلقا في الإصابات ببلادنا، الأمر الذي جعل السلطات العليا تبادر بإطلاق حملة وطنية للتحسيس والتعبئة الاجتماعية الشاملة لرفع مستوى الوعي لدى المواطنين بخطورة الوضع، إضافة لاتخاذ جملة من التدابير للحد من تغلغل الجائحة والرفع من كفاءة التكفل بضحاياها.
والواقع أن الظروف الاستثنائية التي قد تمر بها المجتمعات البشرية من قبيل الكوارث والجوائح والأزمات تتطلب ترتيبات وإجراءات خاصة سبيلا لتهيئة أسباب مواجهتها ومجابهتها والحد من تأثيراتها وانعكاساتها. ويكون الأمر أكبر أهمية وأكثر إلحاحا وأعظم وجاهة إذا ما كانت تهدد الأمن والاستقرار، بل الوجود، كما هو الحال مع جائحة كوفيد 19. ويأتي في مقدم تلك الترتيبات والمتطلبات لم الشمل، ورص الصفوف، وإفشاء السلام، وتنمية الانسجام والتناغم، وترقية الوئام، وتجذ ير أواصر المحبة والإخاء، وتعزيز التعاون والتساند والتكامل، وإثراء التكافل الاجتماعي.
وعلى كل حال ينبغي لعامة الناس، على وجه العموم ، وخاصتهم، على وجه الخصوص، استشعار المسؤولية الشرعية والأدبية والمعنوية، واستحضار روح المواطنة سبيلا للانخراط الحيوي والواعي في هذه الديناميكية الوطنية الهادفة لحماية شعبنا من خطر وضرر الموجة الثالثة من هذه الآفة العالمية غير المسبوقة في تاريخ البشرية. خاصة وأننا نواجه تحديات حقيقية في سبيل بلوغ ذلك، تعود في الأساس لتدني مستوى الوعي الصحي والمدني لدى السواد الأعظم من المواطنين، مما انعكس سلبا على درجة التقيد بالإجراءات الاحترازية والإقبال على أخذ اللقاح. ولا سبيل لرفع تلك التحديات وتذليل تلك الصعوبات إلا بتوحيد الجهود وتكاتفها وتناغمها وتكاملها، في جو من الأريحية والايجابية، وبعيدا عن التأزيم والشحن والـتأجيج ،والانتهازية والبراكماتية الفجة، والاستغلال غير الأخلاقي بمختلف صوره وأنماطه وألوانه ، لأن المقام مقام نكران للذات، وبذل، وتضحية وعطاء.