وقد طلب مني أيضا المدعو ....و الذي كان متواجدا في "باغرام" أن يحقق معي هو أيضا لكن هذا الأخير كان في منتهى البساطة معي وقد كان يعلن دائما في حضوري أن قانون ... يمنعهم من أن يحققوا مع أجانب خارج بلدانهم.
وطوال محادثته معي التي استمرت طويلا لم يتوقف في أي لحظة عن طلبه المتواصل بضرورة أن أتعاون معهم لكي اجبن النقل إلى كوبا وهنا لا بد من التأكيد على أن التعاون معهم لم يكن بالفكرة القريبة إلي إطلاقا، خصوصا وأن الفرق بين التعاون معهم والبقاء في باغرام لم يكن بالشاسع بالنسبة لي، لأختم حديثي له بالقول إنني للأسف الشديد لا يمكن أن أغير من الأمر شيئا.
في الجهة المقابلة كنت أرى أحد المحققين الخبيثين الذين ألفتهم كثيرا ولم يكن يحترمني الاحترام اللائق والمطلوب إلا انه على الأقل كان يحدثني وهو يأخذ بعين الاعتبار مستواي التعليمي.
طلبت من .... أن يدخل في غرفة المعتقلين ليرى بأم عينيه الآثار الموجعة التي يحدثها الشباك الحديدي على أجسادهم وهناك أعطى ... موافقته.
في باغرام كان المحققون يفعلون ما يشاؤون بنا، كانت الخدمات رديئة في باغرام إلى حد بعيد، وكان ... يمنحني بين الفينة والأخرى شرابا كنت أحس بطعمه في سويداء قلبي خصوصا وأنه يمثل انقطاعا مع الوجبات التي ألفته باردة بقطعة صغيرة من الخبز حيث كنت أتقاسمها بشكل سري مع معتقلين آخرين مما جعل المشروب المنوح يأخذ قيمة مضافة بالنسبة لي لأنه العلامة الفارقة في نمط الغذاء الذي اعتدته.
ذات مساء، أدخل علي ... محققين عسكريين جاءا من أجل أن يسألاني عن "مؤامرة العام 2000"، حيث كانا يتحدثان بلغة عربية مكسرة إلى ابعد الحدود إلا أن الذي فاجأني هو حجم العداء الذي كانا يحملانه لي وأنا الذي لم أر وجهيهما في حياتي ، وقد منعاني طيلة المحادثة من الجلوس وكانت لغة التهديد هي اللغة المستعلمة معي منذ دخولهما وطيلة الحوار الذي جمعني بهما.
بعدها دخل علي ... والذي فهمت من لهجته أنه يكن الكثير من الكراهية للعسكريين الذي كان معي والذي همس لي بالقول إنه حين أقررت أن أتعاون فإنه علي أن أتعاون معه هو فالعسكريين الذين كانا معي لا يمثلان أي قيمة مضافة.
كان لدي الاحساس ـ يضيف ولد صلاحي في هذا الجزء من مذكراته ـ أنني وضعت في مزاد علني وأن الوكالة التي تقدم العرض الأكثر إغراء هي التي ستحتفظ بي.
كنا لا نحترم التعليمات التي كانت توجه إلينا بخصوص عدم الحديث فيما بيننا خصوصا فيما يتعلق بالسجناء المتجاورين، وفيما يعلق بي شخصيا فقد كان لدي جاران، أحدهما كان مراهقا أفغانيا تم اعتقاله وهو في طريقه إلى الإمارات حيث كان يعمل وهذا الذي يفسر لكنته الخليجية حينما يحاول الحديث بالعربية، وكان شخصا موغلا في الطيبوبة وروح المزاح حيث كان يضحكني وأنا الذي كنت أظن أنني نسيت وجود شيء يسمى الضحك منذ ما يربو على تسعة أشهر.
كانت قصة جاري مبكية ككل القصص التي أراها في معقلي فبعد أن قضى فترة إجازة مع أسرته في أفغانستان توجه إلى إيران حيث أخذ الطائرة إلى الإمارات لكن هذه الرحلة ليست من الرحلات التي كتب الله لها السلامة حيث احتجزت من طرف الأمريكيين وتم اعتقال جميع ركاب الطائرة.
حين كنا نسرق الحديث فيما بيننا كنا نغطي رؤوسنا من أجل أن نوهم الحراس بأننا نغط في النوم العميق، حيث كنا نتحدث حتى تفيض منا آخر قطرة في كأس الطاقة الذي لم يجد فرصته في الامتلاء منذ أن وجدنا أنفسنا في هذا الوضع، وفي خضم أحاديثنا تلك علمت من جيراني أننا في قاعدة "باغرام" في أفغانستان وأبلغتهم أنا أيضا بقرار نقلنا إلى كوبا وهو القرار الذي لم يقتنعوا به.
ترجمة: صحيفة الفجر