هو العلامة أحمدو بن محمدو بن أحمدو بن المختار بن أحمذي الحسني اليوسفي وأمه زينب بنت الشيخ محمدو بن حبيب الله بن أغربط المتعلقية الحسنية.
ولد سنة 1290 -1874 عند أخواله بقرية بوتويشطية، لأبوين متبحرين في العلوم حيث يمثل والده الشيخ محمدو ولد أحمذية أحد القمم السامقة في سماء العلم والورع في منطقة العقل والجنوب الموريتاني عموما. أما أمه فهي بنت الشيخ محمدو ولد حبيب الله العالم المعروف وأخت أبنائه العلماء التسعة.
تلقى الفتى أحمدو معارف الشريعة الأولى في بيت والده وعلى يده وأخواله، قبل أن يرسله والده إلى العالم الكبير الشيخ أبو بكر ولد فتى الشقروي ليدرس عليه القرآن الكريم.
حتى أجازه في قرائتي ورش ونافع، فعاد إلى أسرته والقرآن ملء جنانه وهجيري لسانه الدائمة.
ثم بدأ دراسة المتون الصغرى لدى المحظرة الموريتانية حيث درس الأخضري وابن عاشر والألفية والمقصور والممدود لابن مالك، وشعر الشعراء الجاهليين الستة، ومقصورة ابن دريد، وجيمية وقافية العجاج، وقد وضع شرحا مختصرا على هاتين الأرجوزتين، وكانت دراسته لهذه المتون قبل إكماله سن الخامسة عشرة من عمره.
ثم ارتحل بعد ذلك لطلب العلم رفقه شقيقه العلامة القاضي محمد عبد الله، فحطا رحالهما أولا لدى العلامة الحارث بن الأمين الشقروي، فدرسا عليه المنطق والبيان، ثم انطلقا بعد ذلك إلى العلامة محمذن بن محنض بابا الديماني فأعادا عنده دراسة المنطق والبيان من جديد.
ثم ارتحلا إلى يحيى بن أحمدو فال التندغي، فدرسا عليه مختصر الشيخ خليل، ثم عادا إلى موطنهما وكان عمر الشيخ أحمدو حينها 18 سنة لا أكثر.
عاد الشيخ أحمدو إلى موطنه مع بداية دخول المستعمر، فتاقت نفسه إلى الجهاد والشهادة، فالتحق رفقة بعض أشقائه بالشيخ ماء العينين قبل أن يعود أدراجه بعد سنتين من تلك الرحلة، وذلك بعد أن ألح والده عليهم في العودة.
وبعد عودته تولى جزء كبيرا من محظرة والده المورودة، قبل أن يصبح هو شيخ المحظرة عقب والده الشيخ محمدو، لكنه لم يلبث أن شد الرحال مرة أخرى إلى المحظرة وإلى سيبويه العصر محمد عال بن معي الألفغي حيث أعاد دراسة الألفية بطرة ابن بونه، ثم أتبعه بدراسة روض الحرون على طرة ابن بونه، للعلامة معي.
ولما عاد من محظرة معي وبعده من محظرة يحظيه ولد عبد الودود بدأ أيضا يدرس الطلاب ويفتي ويحل المشكلات في حيه، قبل أن يواجه أزمة في التعرف على بحر أبيات قرأها في تفسير الطبري، فشد الرحال إلى محظرة الشيخ سيدي محمد بن داداه الأبيري، ليتوج مساره العلمي بدراسة العروض.
نفس تواقة للنور ..
وبعد أن أكمل دراسة المحظرية تاقت نفسه إلى النهل من معين التصوف، خصوصا وهو يملك نفسا شفافة وقلبا تواق الشغاف إلى النور وعينا رقيقة متى تمرها الموعظة تستهل دموعها الغزار.
فتوجه إلى الشيخ محمد مولود ولد الشيخ أمي الحسني المعروف بالأطرش، وصحبه لمدة شهر كتب له فيها مصحف بقراءة ورش، وأجازه شيخه في الطريقة القادرية.
ثم توجه بعد ذلك إلى الشيخ المحفوظ بن الشيخ القاضي الأجيجبي، ففاجأه الشيخ بالقول إما أن تجيزني أو أجيزك، فأجازه الشيخ المحفوظ.
وعاد إلى بلاده ليجد رسالة من الشيخ أحمدو بمب الخديم السنغالي يطالبه فيها بأن يقدم عليه سريعا، فقدم عليه ومدحه بقصيدة مطلعها:
أيا خديمُ خديمَ المصطفى نزلي
لما نزلت هنا الغفران للزلل
فجعل الشيخ أحمدو الخديم ينظر إليه ويبستم ويقول: أحمد أحمد.
وخلال هذه الزيارة شرح الشيخ أحمدو سبب زيارته إلى الشيخ الخديم فقال:
إذا كان قصد الناس قطع المفاوز
إلى الشيخ يوما لابتغاء الجوائز
فحسبي وحظي أن أفوز بنظرة
إلى وجه مرضي إلى الله فائز
وقد عاد الشيخ أحمدو بمب مرة أخرى إلى السنغال ساعيا لدراسة التصوف على الشيخ الخديم، لكن هذا الأخير رفض بقطع وقال له: لقد جمعت ما في هذا القطر من التصوف فلا تتعب نفسك بطلب ما لا يوجد"
فأنشأ ولد أحمذية يقول:
فقل من له النفوس تسلم
يوجد في البلاد أو منعدم
فشيخك الذي فيه لا ترتاب
حديث خير الخلق والكتاب
يلقنان كل خير فاقبل
تلقين خير مرسل ومرسل
محظرته وطلابه ..
ألقى الشيخ أحمدو عصا الترحال عند أهله في لعقل وتوسعت محظرته وتوالى طلاب العلوم من كل فئة وكانت محظرة ولد أحمذية محظرة تطبيقية لعلوم القرآن حيث كان طلابه يتنافسون في كتابة المصاحف وكتب هو بيمينه ثلاثة وعشرين مصحفا من بينها واحد بقراءة قالون والبقية بقراءة ورش.
وكان للشيخ أحمدو علاقات طيبة مع علماء عصره، فمدحه الشيخ محمدو النانه بن المعلى وأثنى على علمه، كما اشترط العلامة سيدي محمد ولد داداه لقبول القضاء في بوتلميت أن يراجع الشيخ أحمدو ولد أحمذيه أحكامه كل شهر، وهكذا ظل ولد أحمذية يسافر كل شهر إلى بوتلميت لقراءة أحكام القاضي سيدي محمد وهو أحد مشايخه كما سبقت الإشارة.
ومن أبرز تلاميذ الشيخ أحمد:
- تلميذه المحب العلامة الشيخ بداه ولد البوصيري
- الشيخ المحفوظ بن الشيخ أحمدو بن محمذن فال
- الشيخ محمد عبد الرحمن ولد فتى
- الشيخ محمد ولد محمد المختار المجلسي
- الشيخ الحبيب بن نعمة اليوسفي
- وعدد كبير من أبناء إخوته وأقاربه العلماء الأفذاذ.
آثاره العلمية ..
ترك ولد أحمذية آثارا علمية كبيرة من أبرزها:
- تفسيره الكبير مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله وهو نظم في حوالي 9 آلاف بيت من الرجز السهل الجميل الراقص، نظم فيه عددا من كتب التفسير المشهورة.
- منبع الإفادة في شرح الرسالة
- شرح على الكفاف لمحمد مولود بن أحمد فال
- شرح حد النكاح لابن عرفة
- فتاوى في التصوف
- رسالة في حق التلاميذ على مجموعته
كما ترك في اللغة آثارا مهمة من أبرزها:
- شرح قصيدة لبيد (إن تقوى ربنا خير نفل)
- شرح معلقة لبيد (عفت الديار محلها فمقامها)
- شرح ميمية حميد بن ثور (ألا هيما مما لقيت وهيما)
- شرح شواهد الطبري
وفاته ..
أسلم الشيخ أحمدو ولد أحمذية الروح إلى باريها متخففا من أعباء الدنيا متحملا للآخرة بخير أزوادها، وذلك في 1968 في بلدة سند بمقاطعة الركيز، ودفن عند مقبرة الفرش ببلدة انيطة قرب والديه وإخوته.
وقد رثاه العلماء والشعراء بمراث جليلة ومن بين من رثوه:
- العلامة محمد النانه بن المعلى بقصيدة مطلعها:
من المستريحين الموفق أحمد
إلى رحمة الرحمن والعود أحمد
كما رثاه شقيقه محمد محمود بن أحمذية بقصيدة منها:
توقع في حياتك ما تلاقي
إذا الراقي انثنى ودنت حلاق
وزادا غير باق بع بباق
فما شيء سوى الباقي بباق
شجاه الذكر فاحترق احتراقا
وألحد بالنشيج والاحتراق
لو أن الدين ذو عين تراه
لجادت لحده بدم مراق
الداعية الناسك ..
يعرف عن ولد أحمذية عمقه الروحي ورسوخ قدمه في علوم التزكية، ويكفيك للحديث عن مكانته تلك العبارات الممجدة التي كان يطلقها الشيخ بداه ولد البوصيري في أغلب دروسه عندما يتحدث عن شيخه ولد أحمذية.
ويذكر بعض طلاب الشيخ بداه أنه حدثهم يوما فقال:
رأيت الشيخ أحمدو ولد أحمذية مرة وكنت أعرض عليه القرآن، فجعل يركض بين كثيبين حتى يصعد على رأس الكثيب وينحدر حتى يصعد على الآخر وهو يكرر قول الله تعالى: "يوفك عنه من أفك"، ويبكي.
وذات ليلة رأى ولد أحمذية في منامه أن مصحفه الخاص لا يحتوى عبارة "وأصحاب الشمال" فاستيقظ فزعا، وفتح مصحفه، فإذا العبارة موجودة، ثم نام مرة أخرى فرأى نفس الرؤيا، ففزع من جديد، وفتش المصحف، فرأى نفس العبارة، ثم تكرر المشهد للمرة الثالثة، فترك الأمر ونام.
ثم في الصباح ورد على الحي الشيخ محمدو بن حبيب الرحمان، فسلم على الشيخ أحمدو ولد أحمذيه ضاحكا وقال له: أصحاب الشمال لم يكتبوا عليك حرفا منذ بلغت، فقال ولد أحمذية: هذا يسر إن صح ولا يغر.
وقد أولى ولد أحمذية اهتماما خاصا بعلاج أمراض المجتمع السائدة، فترك في ذلك منظومات سائرة من بينها نظم المنكرات الشنيعة وفيه يقول:
حمدا لمن أنزل ماء الدين
فسالت القلوب بالمعين
فاحتمل الزبدَ سيل مفعم
فأبصر الناس وهم كانوا عموا
هذا وإن الدين في الزمان ذا
عليه أصبح الهوى مستحوذا
قد غاض ماء الدين والهوى ربا
على الهدى وبلغ السيل الزبى
وعمت الأهواء لكن أعمت
وأعمت البدع لما عمت
والناس كل الناس أضحوا مسلمين
للبدع الدين فيا للمسلمين
رحم الله ولد أحمذية.
نقلا عن وكالة أنباء لكوارب