لم يكن "الشًيْهَبْ" حمارا عاديا فقد كان أليفا اكثر من أي حمار آخر!! حتى صار اقرب دائما "مما تتخيل". اشتهر في الحي بالفطنة و "الذكاء". فكان ينصب الكمائن للمتاع القادم ليلا عن طريق سيارات النقل, ثم يختفي في سرعة البرق عند الحاجة إليه. له قصص شهيرة, ليس أقلها تلك المساجلات الأدبية الرائعة التي كان له الشرف في كونه دائما هو طرفها المحوري و الرئيس.
بعد ان قضى "الشًيْهَبْ" عمرا مديدا حافلا بالإنجازات و بالإخفاقات طبعا, شاء القدر ان يكتب له الفراق إلى الأبد مع قريته التي ألفها و ألفته. غادر "الشًيْهَبْ" بلنوار (في لعكل) "مكلفا بمهمة" في مزارع الركيز ليستعين بخبرته بعض "المزارعين الجدد" آنذاك.
اثناء هذا السفر حاول "الشًيْهَبْ" مرارا و تكرارا التسلل عائدا إلى وطنه لكن كل محاولاته تلك باءت بالفشل, و حين علم بذالك الشاعر إسماعيل ولد احمد عالم أراد ان يسجل هذا الموقف النبيل لهذا الحمار الأصيل في القطعة التالية:
رحلت و قد يخشى الرحيل المـفارقُ === إذا كان في الأحــباب حب مـوافــقُ
أقــــمت هنا ردْحــا من الدهر صابــرا === و لم يـــدر إلا الله مـــــا أنا ذائـــــقُ
اروح و أغــــــــدو صامـــدا مــتـربــصا === كأني إلى اسمى المــقاصد تائــقُ
فكم ذقت طعم الموت من وقع ضربة === تـمَــزًع منها الجــلدُ و الحـبل خانقُ
و كم جبتُ بالأثقال دربا على الطوى === و إن عــزً في حمل الثـقال المرافقُ
فــعند اشتداد الخطب غــوث مبجـل === و عند إلتــماس الحـق لص و سارقُ
و لكنــني بالصبـــر دوًنــت حــيلـتي === ففي الصبر تبدو في خفاها الحقائقُ
ستذكرني الأقــوام و العـام مُــمحل === و قد طــوًقـتْ شــم الحمير البوائِـقُ
و تذكرني الأقوام لو بات في العـرى === و اصبــح مخـــتوما و ان قــلً دانِـــقُ
انا "الشًيْهَبْ المـعـهود دأبا بحلــمه === فما أنا مــن أمـــر و إن جـلً حانــــقُ
فــها قــد مضى عهد التـواصل بيننا === كــأن نصـــيب العـــمـــر منه دقـائـقُ
و ها أنا و الأحــزان تدنـــوا ببـعدكم === أســــير مـــــع المقـــدور فــالله رازقُ
من صفحة الشاعر المختار ولد مقام