تصعيد جزائري .. تهدئة مغربية.. حياد موريتاني.. إلى أين تتجه الأوضاع المتوترة في الشمال؟؟

أحد, 2021-11-07 17:28

الشروق ميديا ـ نواكشوط : في شتاء ساخن تستقبله المنطقة منذ عقود، وفي خضم حرب باردة تتصاعد وربما تتجه إلى السخونة بين الجارتين الشماليتين المغرب والجزائر، تبقى منطقة الصحراء مفتوحة على كل الاحتمالات، بدأت الحرب الباردة منذ إعلان وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامره يوم 24 أغسطس الماضي خلال مؤتمر صحفي قطع العلاقات مع المملكة المغربية من جانب واحد متجاهلا خطاب الملك المغربي بمناسبة عيد العرش والذي حمل كثيرا من لغة المودة تجاه الجزائر،  وبرر العمامرة القرار بما وصفه ب"الأعمال العدائية" من طرف الجارة المغربية متهما إياها بالوقوف وراء حرائق القبائل ودعم حركات تصنفها الجزائر بالإرهابية.

لم تكتف الجزائر بإطلاق تلك الحرب الكلامية ضد جارتها المغرب، بل فرضت حظرا جويا على الطيران المغربي ثم بعد ذلك توقيف تصدير الغاز عن طريق المغرب وهي خطوة تصعيدية لم تصلها العلاقات المتوترة بين قطر والإمارات رغم حدية تلك التصريحات المتبادلة بين البلدين، وتتوالى الأحداث ليصل الأمر بالجزائر إلى تهام المغرب بمقتل ثلاثة مواطنين جزائريين بالقرب من الحدود الموريتانية وهو ما نفته مصادر مغربية واعتبرته حادثة انفجار لغم في الأراضي العازلة.

وسواء كانت الرواية الجزائرية حقيقية أو مفتعلة كما يقول بعض المراقبين المغاربين إلا أن لغة التهديد الجزائري واستخدامها مصطلح "العقاب" تنذر بأن المنطقة الملغومة أصلا تتجه إلى انفجار عدة ألغام من نوع آخر.

 

الجزائر ولغة التصعيد ..

الجزائر بلد المليون شهيد ما يزال يعيش على مجد ثورته وما تزال فرنسا عدوه اللدود نتذكر قبل أسابيع الأزمة الدبلوماسية التي وقعت بين تبون وماكرون، هذه الأزمة يمكن ربطها بما يجري من أحداث في المنطقة، خاصة أن محور (باريس ـ الرباط ـ داكار) محور يتصارع على كافة الأصعدة مع محور (الجزائر ـ الرابوني) منذ ما يقارب نصف قرن.

هذا المحور الأخير يبدو أنه يحن إلى لغة التصعيد منذ أحداث "الكركرات" أكتوبر 2020 ويلوح المحور إن لم يكن بدأ بالفعل بحرب  في المنطقة قد تسبب كارثة كبرى لكن ربما في رهانات الجزائر أنها ستعيد ورقة الصحراء الغربية إلى الواجهة بعد أن كادت الأحداث تتجاوزها بعد عام من قضية معبر "الكركرات" ،  فضلا عن كون الحرب الجديدة ستقوي من الجبهة الداخلية الجزائرية التي تختلف أطرافها السياسية على كل شيء إلا الوطن والحوزة الترابية والدفاع عن الأرض المستباحة من عدو خارجي.

حنين الإعلام الجزائري إلى تاريخ الأمير الثائر عبد القادر عبد القادر وصمود بن باديس وكلمات مفدي زكرياء وثورتهم المجيدة ضد المستعمر الفرنسي، ثم الثأر ل "شهداء حرب الرمال" ضد القوات المغربية أمور مجتمعة تنذر بأن لغة التهديد ب"العقاب" قد تترجم إلى أفعال ملموسة في حرب مرتقبة.

الحرب المتوقعة ضد المغرب قد لا تكون مباشرة وإنما تعمد الجزائر إلى مزيد من الدعم العسكري للجبهة الوطنية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهي جاهزة للعب الدور خاصة أنها أعلنت وعلى لسان زعيمها إبراهيم غالي عن نهاية وقف إطلاق النار ومع ذلك لم تتجاوز حربها مئات البلاغات العسكرية، فيكون السيناريو أن الجبهة المطالبة بتحرير أرض الصحراء تكون وقود الحرب المحتملة وفي صقور الجبهة من الاستعداد والمغامرة ما يجعلهم مستعدين لخوض حرب جديدة على غرار الحرب الصحراوية السابقة.

هذا السيناريو سيرفع الحرج عن الجزائر ويجعلها مجرد داعم كما كانت خلال حرب 16 عاما بين الجبهة والمغرب.

 

المعرب وسياسية ضيط النفس ..

المغرب ومنذ إعلان العمامرة قطع العلاقات ما تزال تلتزم بسياسة ضبط النفس وتتردد مواقفه بين التجاهل والبيانات المهدئة للأوضاع. فقد سبق خطوة قطع العلاقات خطاب ملك المغرب الذي وصف بالودي تجاه دولة الجزائر كما سبقه عرض المغرب مساعدات طائرات إطفاء لحرائق الغابات قبل أشهر قليلة.

وحسب كل البيانات الرسمية وغير الرسمية المغربية التي جاءت بعد قطع العلاقات فإن تصعيد الجزائر لن يستفزها ولن يجرها إلى حرب في المنطقة، وهو قرار وصفه بعض المراقبين بالذكاء السياسي، فالدولة التي تشهد نهضة اقتصادية كبرى على كافة الأصعدة، ويعيش شعبها رفاها يعدم في كل الشعوب المغاربية لن تدير الأزمة بعواطف، ولا تريد أن تنشغل عن مسيرة البناء، وخاصة بناء المدن الصحراوية التي يفصل بينها وبين سكان المخيمات سنوات ضوئية عدة كما يشهد بذلك من زاروا جنوبي المغرب والجزائر.

هذا بالإضافة إلى أن الرهان المغربي على سياسة ضبط الأعصاب سوف يجلب أكبر عدد من المتعاطفين الإقليميين والدوليين إن أطلقت الرصاصة الأولى على أراضيها، وستحمِل المسؤولية لمحور (الجزائر ـ الرابوني) الذي يدق طبول الحرب منذ شهور وربما أعلنها قبل عام.

 

موريتانيا ودخان المعركة المحتملة..

موريتانيا الجارة الجنوبية لدولتي الصراع المحتدم لن تسلم من دخان حرب تقرع طبولها، فالحرب حتما إن وقعت ستكون على الحدود، وسيضطر مقاتلو البوليزاريو إلى دخول الأراضي الموريتانية كما كانوا يفعلون في السلم، فالشريط الذي تسميه جبهة البوليزاريو "الشريط المحرّر" يتسع ويضيف في مناطق عدة حتى يكون الجدار المغربي ملاصقا أحيانا للأراضي الموريتانية، وهذا يشكل تحديا كبيرا لموريتانيا التي ستعمل على حماية حدودها وتضطر إلى منع المقاتلين الصحراويين من التنقل بين نواحيهم العسكرية السبع.  

سوف يقوم الجيش الموريتاني بتعزيزات عسكرية قوية على الحدود الشمالية تحسبا لأي تسلل محتمل ولإبعاد المعركة عن أراضيه، وبالتأكيد لن تقبل موريتانيا أن تجر إلى حرب جديدة حتى لو حاولت بعض الأطراف تقوية محورها بها. ويثبت التاريخ إن 16 عاما من الحرب بين المغرب والبوليزاريو ظلت موريتانيا على الحياد التام بين الأطراف المقاتلة، نتحدث هنا عن تاريخ الثمانينات قبل أن يتطور الجيش الموريتاني ويخوض معارك يحمي بها موريتانيا من عدة هجمات إرهابية على الحدود مع مالي.

 

والحل في تحكيم لغة العقل ..

مهما يكن فإن خيار الحرب خيار صعب للجميع حتى الجزائر التي تتجه بلغة التصعيد وتتحدث عن "عقاب" تعرف أن ثمن الحرب كبير ماديا وبشريا عليها حتى لو حقق بعض المكاسب السياسية وقوى الجبهة الداخلية، والمغرب تلتزم بسياسة ضبط النفس رغم امتلاكها لأسلحة متطورة وطيارات مسيرة لكنها تعرف أن الحرب عائق أمام الازدهار، جبهة البوليزاريو ذات 300 بلاغ عسكري تعرف هي الأخرى أن الرهان على الحرب في ظل الوضعية الدولية والإقليمية لن يأتي بنتائج إيجابية.

موريتانيا أمامها الفرصة التاريخية لقيادة وساطة بين الأطراف المتنازعة فعلاقاتها جيدة ومتوازنة مع الجزائر والمغرب والبوليزاريو فعليها أن تبحث عن حل يعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية ويحفظ لكل طرف ماء وجهه، تبدأ الوساطة الموريتانية التي أعلن عنها بإطلاق حوار غير مباشر بين الأطراف على أرضية لا غالب ولا مغلوب.

كما أن بعثة المينروسو الأممية مطالبة بالبحث عن حل جذري وواقعي للقضية الصحراوية يرضي جميع الأطراف المتصارعة وينهي ماساة الشعب الصحراوي المتواجد في المخيمات منذ أزيد من أربعة عقود، آن لهذه القضية أن تنتهي ويطوى الملف اللغم وهو الملف الذي يعقد الشرخ بين المغرب والجزائر منذ خمسين عاما.

اقرأ أيضا