أخيرا قررت أن أحزم سُفْرتي وأنيخ بعيري وأشد رحلي وأعبر هذه الصحاري القاحلة التي ألفتُها وتعشقتها ، وترحلت فيها شرقا وغربا منذ نعومة أظافري.
اليوم عزمت أن أخوض بحور الرمال التي تمتد وتمتد حتى تصل "شمامه" فـ"بحر السنغال" وعزمت من الآن ـ ولن أتردد بإذن الله ـ أن أسير في القيظ كما يسير البداة ، وأتتبع الركبان و "العزبان" أسائلهم عن إبل أصهاري التي تاهت منذ سنين في هذه البيداء، غير أن الأمل يرافقني خاصة عندما أتذكر حكمة بدوية مفادها أن "العِـيس سيعثر عليها ولو بعد حين، وتحن إلى صاحبها كما يحن إليها" وأذكر أن على ناقة الأصهار وسم يميزها عن باقي الإبل وهو (0) على الرجل اليسرى و (د) في أعلى الرقبة، كما أن في العيس جملا أبترا سأميزه لا محالة عند أول نظرة.
وقبل السفر سأملي شكوتي الجلدية بالماء البارد، وأجعل في سفرتي ما تسير من زاد المسافر الصحراوي: سفرة جلدية مخصصة للشاي الورقي "اشْكاره" و"ساقان" من السكر الحجري القادم من بلاد "جنوب البحر" السنغال، ومدّان من الدخن وبريق معدني وكأس من الزجاج وعلبة من أعواد الثقاب.
سأنطلق هذا الزوال وبالتحديد عندما ترمض الفصلان، ويصير ظل بعيري نصف قامته تقريبا، وسأعبر من منطقة "العْقْل" جنوبي بلاد الملثمين، باتجاه سهل شمامه الواسع المحاذي لضفة النهر الشمالية، وفي طريقي سأمر بمنطقة "آدْكورْ".
وفي هذه المسافة سوف أعيش مع بعيري أيام الهجير وأنواء العصر، وليالي الخريف الممطرة، وفي طريقي سأتسلى بحُداء أحدوه على وقع سير الجمل ورقصاته الهادئة، فأنا المغني، وهو الراقص.
سأواصل ليالي بأيامي حتى أصل سهل "آفطوط" وهنالك ـ كما يحدثني الركبان ـ تبدأ قصة أخرى فصحراء "آفطوط" هي صحراء جرداء يتيه فيها الراكب ويضل فيها الخرِّيت ولا بد من السير فيها ليلا حتى أهتدي بالنجوم السماوية والمطالع الليلية، وفي النهار أقيم في تلك السهول أستظل بشجر الدوم المتناثر، وأقيد بعيري ثم أقيل وأقيم الشاي بعد أن أشبع من الدخن..
وهكذا سأواصل رحلتي حتى أصل إلى ملاعب صباي، وأطلالي ومعاهدي الدرّس بين "شمامه" و"العقل" وهنالك سأتحدث عن أيام عشتها في البادية الموريتانية قبل أن تقودني رحلة البحث عن إبل الأصهار إلى أطلال أخرى.
مختار بابتاح