هاجم حزب الاتحاد من الجمهورية الحاكم في موريتانيا ما سماها الوثيقة الصادرة عن حزب اتحاد قوى التقدم حول الأوضاع العامة فى البلد، معتبرا أنها "غارقة فى لجج الضياع والارتباك واهتزاز المواقف وتشتت الأفكار"، وفق تعبير الحزب.
وأضاف الحزب الحاكم في بيان وزعه أمس الأربعاء، أن "بعض القوى السياسية المعزولة كلما ضاق عليها الخناق طفقت تصدر المناشير تلو المناشير، والوثائق تلو الوثائق، واصفة الأوضاع العامة للبلاد بما شاء الله أن تصفها به من سوء، لا صلة له بالواقع".
وفند البيان وصف الحالة الاقتصادية للبلد بالمنهارة وقال إن "الرؤى والمشاريع الإستراتيجية الرامية إلى كسب رهانات التنمية في موريتانيا، والتي اعتمدها فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز خلال مأموريته الأولى، وسهرت حكوماته على تطبيقها، مكنت الاقتصاد الموريتاني من الصمود في وجه مختلف الأزمات الدولية التي تهاوت بفعلها دول"، وفق نص البيان.
وأضاف بيان الحزب الحاكم أن وصف الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) بالجسم الاقتصادي الأجنبي هو "تحريض مقصود لا يشكل قطعا سعيا في مسارات التعقل والحكمة للبحث عن حلول إيجابية تكفل للعمال حقوقهم وتحمي لهم أصولها ورأس مالها المتمثل في الشركة نفسها كمؤسسة وطنية تعيلهم ويخدمونها".
وانتقد الحزب "الصورة السوداوية" التي قدمتها "الوثيقة التقدمية" لمختلف النواحي الأخرى التعليمية والسياسية والاجتماعية.
وخلص البيان إلى أن "الأسلوب الذي اتبعته "الوثيقة التقدمية" في استقراء مستقبل البلاد، هو أسلوب يعطينا فرصة كشف عدم تماسك وإقناع باديين للعيان في هذا الطرح".
وكان حزب اتحاد قوى التقدم المعارض أصدر الأسبوع الماضي بيانا شخص فيه الوضعية العامة لبلد وخلص إلى وصفها بالمتأزمة من جميع النواحي.
نص الوثيقة
كلما ضاق الخناق السياسي عليها وغرقت في لجج الضياع والارتباك وأهتزاز المواقف وتشتت الأفكار، طفقت بعض القوى السياسية المعزولة تصدر المناشير تلو المناشير، والوثائق تلو الوثائق، واصفة الأوضاع العامة للبلاد بما شاء الله أن تصفها به من سوء، لا صلة له بالواقع غير إحساس هذه القوى السياسية بضرورة لفت انتباه الرأي العام إلى أنها لم تزل تشغل حيزا من الخارطة السياسية ولو بالتمني؛
فها هو اتحاد قوى التقدم يطالعنا بوثيقة إنشائية في شكلها ومتحاملة في مضمونها على الأوضاع العامة للبلاد واصفة إياها بالمتأزمة دون أن تكلف نفسها عناء تقديم دلائل موضوعية على ما تسميه بـ"الأزمة العميقة"؛
أولا : على المستوى الاقتصادي :
إن الرؤى والمشاريع الإستراتيجية الرامية إلى كسب رهانات التنمية في موريتانيا، والتي اعتمدها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز خلال مأموريته الأولى، وسهرت حكوماته على تطبيقها، مكنت الاقتصاد الموريتاني من الصمود في وجه مختلف الأزمات الدولية التي تهاوت بفعلها دول استفادت ولعقود من طفرة الموارد وتدفق السيولة؛
فقد اعتمد مشروع التغيير البناء، على تنوع موارد الاقتصاد الوطني، من خلال التركيز على قطاعات كانت معفية من المساهمة في إثراء الإنتاج القومي، بعد أن حرر الموارد من بطش سوء التسيير والنهب الممنهج للثروات الطبيعية وارتهان الذمة المالية للدولة.
وتجسد نجاح هذا الخيار الإستراتيجي،في تحقيق 6.7 بالمائة كنسبة للنمو عام 2012 خالية من عائدات الصناعات الاستخراجية، وبفضل عائدات قطاعي الزراعة والأشغال العمومية، وما ترتب عن ذلك من تطوير في أداء قطاع الخدمات بفضل تحقيق الإنجازات العملاقة وفي ظرف قياسي في مجال البنى التحتية، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال الاستثمارات الهائلة في مجال الزراعة.
فالاقتصاد الموريتاني أصبح في منأى عن التأثير المباشر لانخفاض أسعار الموارد الطبيعية عبر العالم، كما أكد خبراء صندوق النقد الدولي في تقرير صادر شهر مارس الجاري 2015 ، حيث يتوقع تحقيق 5.5 بالمائة كنسبة نمو في العام الجاري الذي عرفت بدايته هبوطا مفزعا لأسعار المواد الأولية، و نسبة 6.8 بالمائة للعام 2016 ، مع العودة إلى نسبة 5 بالمائة من النمو في العام 2017، والصعود كسابقة في تاريخ اقتصاد البلد، من خلال تحقيق 8 بالمائة، ثم 8.4 بالمائة من النمو في العامين 2018/2019.
وبفضل التسيير المحكم لموارد ومقدرات الدولة الموريتانية تمكنت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" من تمويل مشروع عملاق بغطاء مالي بلغ مليار دولار آمريكي لعصرنة الشركة وزيادة طاقتها الإنتاجية، لتتبوأ المكانة اللائقة على مستوى السوق العالمي، وتأمينها من الانعكاسات المباشرة لهبوط أسعار الحديد ، حيث مكن كذلك من بذل مجهودات كبيرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في مجال زيادة أجور العمال وتحسين نظام المعاش، و الاكتتاب و مكافآت الإنتاج، إضافة إلى دعم أسعار المواد الغذائية لصالح العمال وأسرهم، وخدمات الماء والكهرباء، وتشييد سكن إجتماعي للعمال، وتعميم الغطاء الصحي على العمال وأسرهم.
ولا يكابر أحد اليوم في أن الموريتانيين لا زالوا يتذكرون الدور التاريخي الذي لعبه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، في انتشال شركة "اسنيم" من بيع محتوم، كانت إجراءاته العملية قد بلغت مرحلة متقدمة، بعد شراء ذمم المسؤولين المباشرين عن هذه الخيانة الوطنية، والذين يحاولون الآن لعب دور الواعظ والمهتم بوضعية العمال، الذين طحنتهم حكوماتهم أيامها بالاستغلال الممنهج والفاقة وتدني الأجور والتسريح الجماعي؛
لقد وفقت شركة "اسنيم" رغم الظرفية الدولية الصعبة في تحقيق أهدافها في التنمية، والتحسين بصفة دائمة من وضعية عمالها ، وتفادي أكبر قدر ممكن من انعكاسات الوضعية العالمية لأسعار الحديد.
وإن تراجع الأسعار على مستوى السوق الدولية لخامات الحديد، ليس بحاجة إلى توضيح كونه شكل مانعا موضوعيا من اتخاذ إجراءات جزافية غير مدروسة لزيادة الرواتب مرة خامسة دون أخذ الوضعية المالية للشركة في عين الاعتبار، فالمصلحة تقتضي أولا صيانة الموجود بدل طلب المفقود، خاصة في ظل تحكم السوق الدولية في أسعار الحديد هبوطا وصعودا على رأي الوثيقة "التقدمية"؛
ـ أما حديث الوثيقة عن قطاع الصيد وافتراضها أن إنتاجنا من الثروات البحرية يعاني من مشكلة التسويق وعزوف المستوردين عن شراء السمك الموريتاني، فهذه مسألة لا أساس لها عقلا ، وما هي إلا من قبيل تشويه الحقائق، وإلا فما هو تفسير منتجي "الوثيقة التقدمية" لعزوف الحكومة رغم الإغراءات والضغوط الأوروبية المتواصلة عن توقيع اتفاقية جديدة لا تفي بمصالح البلاد وصيانة ثروتها البحرية وتسييرها بما يخدم مصالح البلاد والعباد..؟ ثم إن أزمة التسويق التي لا وجود لها إلا في هذه الوثيقة أمر مستغرب، خاصة أن إقبال الشركاء الدوليين بما فيهم الشركاء الأوربيون على منتجات الصيد الموريتاني يدحض تلك الادعاءات، كما أن سير قطاع الصيد في ظروف اعتيادية واعتماد آلاف الأسر الموريتانية عليه في حياتها اليومية ينفي ما ذهبت إليه التحليلات والأحكام المطلقة التي وردت في هذه الوثيقة، مع أن تأثر هذا القطاع بالمعطيات الاقتصادية الوطنية والدولية سلبا وإيجابا أمر طبيعي ومعتاد؛
ثم إن الأهم عند الدولة هو فرض سيادتها علي مياهها و حماية ما تبقي من ثروتها السمكية من نهب الأساطيل الأجنبية و هذا ما حصل بالفعل.
لقد كان حجم استفادة الدولة الموريتانية سنويا من الغرامات و المداخيل المترتبة عن مخالفة نظم الصيد البحري لم يكن أكثر من 400 مليون أوقية سنويا، يضمن منذ 2009 لخزينة الدولة ما لا يقل عن 9 مليارات أوقية، كعائدات سنوية من الغرامات التي تفرض على مخالفي نظم الصيد من الأجانب؛
هذه الصرامة والشفافية في تسيير وتدبير الثروة البحرية، مكنت من إصلاح القطاع وتحريره من وصاية شبه محكمة للمفسدين وشركائهم في نهب ثروات الأمة الموريتانية ونجاحه في حماية الثروة السمكية ومضاعفة عدد العمال الموريتانيين فيها من 18% إلى أكثر من 60%، إضافة إلى إرساء منطق وآليات التفاوض الفعلي والمتكافئ مع جميع الشركاء بما يضمن للخزينة العامة مداخيل تناسب ثراء الشواطئ الموريتانية وجودة منتجاتها وتزايد الطلب عليها في الأسواق العالمية.