على جناح السرعة قفزت إلى رحلي مع قفزة البعير في حركة خاطفة لا يدركها البصر، انطلقت بعد أن تهيأت ظروف الرحلة الطويلة في الصحراء المترامية، وكالعادة انطلق الجمل بسرعة البرق وسط تمايل في سيره فهو لا يستقيم أبدا يقطع خطوات نحو اليمين وخطوات نحو اليسار.
هيا .. لقد بدأت رحلة البحث عن إبل الأصهار، الجمل يسير بسرعة متناقصة، أرى الأشجار والكثبان الرملية تهتز وتتراقص على وقع سير بعيري، أناطح رياح الصبا التي تهب من عبق "شمامه" و"بحر السنغال" حاملة معها بشائر غيث قد تأخر عن وقته المعتاد، وأرى في الأفق البعيد مزَيْنات تظل مساحات واسعة من الأرض ثم تتحرك بسرعة إلى مكان آخر لتظله، أحاول بسرعة الجمل أن أسير في القطع المظللة من الأرض.
أسير وأسير في هذه الربى والتلال وسط جو هادئ تماما من الحياة، الكون هادئ هدوء الصحراء، أسير مع الغيوم السيارة، لكأني أسابقها في سيرها هواء طلق لطيف، مزن سيارة وظلال jتحرك ثم jعود، ورياح مشبعة برائحة العبق، ورقصات الجمل، إنه الجمال يشدني إلى أن أنشد في مقام "لبياظ"
ريحتْ لحْشيشْ ابْتَلْ تَلْ ... من ذو لمْزُونْ الْبانُ
ريحتْ لحْشيشْ إلابْتَلْ ..... ييتفكدْ حَدْ أوْطانُ
لكصيِّرْ لَوّلْ هَلْ تََلْ ... اعْليَ مان عنْدْ بَلْ
أهْلِ واعْليَ زادْ هَلْ .... لكْصَيِّرْ تََلْ التالي
والحَكْنِ ذاكْ ابْلا جْمَلَ ... بيَ كدّمتْ اجمال..
بينما أنا أحدو بعيري ويزيد من سرعته ورقصاته الجميلة إذ كشفت منطقة فارغة من كثيب رملي طويل عن خيام بيض متناثرة كحبات السبحة المقطوعة، تتراقص الخيام على وقع سير البعير، وتقترب مني ثم تكبر، لا بد أن أتوجه إلى هذا الحي لا بد أن فيهم من يعرف خبرا عن الإبل وضوالها، مباشرة قرعت البعير، عندما اقتربت، أمعنت النظر في خيمة سوداء توجهت إليها ولما اقتربت وجدت فيها فتيات صغيرات في السن كبيرات في الجسم يلتحف معظمهن ب"درّاعات" سود ويدور بأعناقهن إطار أبيض، أنصاف الرؤوس الخلفية محلوقة تماما، بينما ترتدي ثلاث منهن الملحفة وهن نصف منقبات فلا يبين منهن إلا إحدى العنينين، وهن جميعا يجلسن أمام أقداح من اللبن، سلمت عليهن فلم يرددن السلام وسلمت ثانية ففررن من الخيمة وهن يقهقهن ويتمعنّ في، بعد لحظات قدمت صاحبة الخيمة وقالت لي بالصنهاجية "تاكْشْكنّونْ" ومعناها: كيف حالكم رددت لها السلام وسألتها عن رعاة الإبل في القرية فقالت تفضل سيصل في هذا المساء أنخت بعيري عند تلك الخيمة.
وعند هذه الخيمة بت ليلة من ليالي الريف سأتحدث عن هذا المبيت وما صاحبه من قصص ممتعة في الحلقة القادمة.
مختار بابتاح