هل انطلق سباق استراتيجي من نوع خاص بين مصر وتركيا على الفوز بثقة منطقة الخليج وحفظ امنها..هل يريد الأتراك اختبار عبارة الرئيس السيسي الشهيرة "مسافة السكة" ..هل يتكرر توقيع بروتوكولات تعاون عسكري كتلك التي وقعت بين قطر وتركيا مع دول عربية أخرى...أسئلة تأتي إجابتها في تصريح برات جونكار، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي.
الواقع يقول إن هناك مصالحَ مشتركة وراء العلاقات التركية القطرية، فيمكن لقطر أن تستفيد من وجود قوة إقليمية كبرى مثل تركيا كحليف استراتيجي طويل الأمد، أما الأتراك فإنهم سيستفيدون من وجود شريك عربي في المنطقة يضخ الودائع بالدولار ولا يجد غضاضة في دعم التمدد التركي، ولديه أداة إعلامية شديد القوة ولها إسهام كبير في تشكيل تصورات العرب عن السياسة وعن العالم.
وأشار جونكار إلى أنّ تركيا "توترت علاقاتها مؤخرًا مع عدد من الدول الخليجية بسبب الخلاف بشأن الموقف من مصر، إلا أنّها عقدت العديد من التفاهمات والاتفاقيات في مجالات التعاون العسكري، والصناعات الدفاعية، والتدريب والتأهيل العسكري، مع معظم دول الخليج، ومن الممكن أن تشهد الأيام المقبلة توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مماثلة مع دول الخليج الأخرى
تميم وأردوغان
وفي سبتمبر الماضي وأثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعاصمة القطرية الدوحة، أعلن مسؤولون أتراك وقطريون اتفاقًا بشأن تأسيس المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، وفي ديسمبر تم التوقيع على الاتفاقية التي تم التصريح حينها بأن من شأنها أن "تعزز التعاون الثنائي بين البلدين على أعلى مستوى، لاسيما في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والاستثمارية، إضافة لمجالات الطاقة والأمن والعلوم والتكنولوجيا".
التعاون العسكري
حصلت اتفاقية التعاون العسكري على اهتمام خاص بين العديد من دوائر المتابعين للمشهد التركي، فمن شأن تلك الاتفاقية أن تعزز من تنسيق المواقف بين الدوحة وأنقرة بشأن عدد من القضايا المصيرية في المنطقة، الآنية منها مثل التعامل مع التهديد الذي يمثله تنظيم داعش في العراق، والاستراتيجية منها والمتعلقة بالتعاون بين البلدين في مجالات التصنيع العسكري والتدريب وغيرها ،ورغم أن حكومة العدالة والتنمية قامت بتوقيع اتفاقيات مشابهة مع عدد من دول المنطقة مثل العراق، إلا أن التقارب القطري التركي يُنظر إليه بشكل مختلف.
يذكر أن كلاً من قطر وتركيا تتبنيان موقفًا مشتركًا حيال العديد من قضايا المنطقة، فالجانب القطري كان يتفق حتى وقت قريب مع أنقرة بشأن ثورة 30 يونيو لكن ضغوطا خليجية مورست ساهمت في تخفيف حدة الموقف القطري تجاه مصر، كما يتشارك الطرفان الرؤى حول القضية الفلسطينية والحق الطبيعي في مقاومة الاحتلال، وهو ما تعارضه قوى إقليمية بأشكال مختلفة من بينها حكومات القاهرة والرياض وأبوظبي.
طلب الغاز
وبحسب تقرير مركز ستراتفور الاستخباراتي في يناير 2013، فإن العامل أو الرابط الأكثر وضوحًا في التقارب القطري التركي هو الطاقة؛ فتركيا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الروسي، في حين أن إيران كمورد للغاز، لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير، تنامي استهلاك الطاقة في تركيا يمنعها من الهرب من قبضة روسيا، لكنه يؤدي بتركيا أيضًا إلى التفكير في تنويع إمداداتها من الطاقة.
على سبيل المثال، قام الجانب التركي خلال زيارة أردوغان إلى الدوحة بتوقيع اتفاقية تقضي باستيراد 1.2 مليار متر مكعب من الغاز القطري المسال في تسع دفعات خلال عامي 2014 و2015.
الأجندات القطرية والتركية، من ناحية أخرى، طموحة جداً فيما يخص السياسة الخارجية، تركيا تسعى لاستعادة نفوذها في المجال العثماني السابق، في حين تسعى قطر بمرونة للحفاظ على وجودها بين العمالقة على حدودها، إيران والسعودية، وأن نقاشًا حول التمدد التركي والقطري في أفريقيا والبلقان كان من بين النقاشات التي حصلت على حيز من أحاديث الجانبين فيما يخص التعاون السياسي، كما أن لدى الأتراك موطئ قدم بالفعل في العديد من العواصم الأفريقية، كما أنهم يعتبرون دول البلقان هي الامتداد الطبيعي لبلادهم، وهو ما تدعمه الرواية التركية للتاريخ وطبيعة الجغرافيا على الجانب الغربي من بحر إيجة.
النفوذ والمال
وأوجد القطريون لأنفسهم نفوذًا عبر المساعدات والمشروعات الاستثمارية في أفريقيا، فالقارة السمراء باتت تحوز قرابة 76.5% من المساعدات والمعونات الإنسانية والتنموية المقدمة من دولة قطر التي تقدر بـ5.4 مليار ريال قطري، سواء عبر حكوماتها أو الجمعيات الخيرية التابعة لها إلى دول العالم، خلال عامي 2010 - 2011، وفقًا لتقرير رسمي للخارجية القطرية، لكن كيف سيتعاون الطرفان في هذا المجال.. فقطر لديها الكثير من المال لإنفاقه، والكثير من إمدادات الطاقة لتوفرها، لكنها تجد صعوبة في ترجمة هذه الموارد إلى نفوذ فعلي، خصوصًا أن سياستها الخارجية - بالتعريف - تنحي جيرانها الكبار في السعودية أو الإمارات.
من ناحية أخرى تسعى الإمارات إلى تحجيم الدور التركي في دول البلقان وتستخدم علاقاتها وإستراتيجيات الاستثمار في صربيا لإحباط المنافس التركي، ومنعه من تثبيت موطئ قدم راسخ ونشر نفوذه في منطقة البلقان ويمكن المال القطري جنبًا إلى جنب مع المصالح التركية والخبرة بأمور البلقان، سيوفر فرصا استثمارية و سياسية لطرفي الاتفاق، فمن ناحية، ستوسع الدوحة من محافظها الاستثمارية خارج حدودها، وفي أرض متعطشة للاستثمارات، كما أنها ستقلل من خطر التهديد الإماراتي لتركيا في المنطقة.
من ناحية أخرى فإن تركيا تحتاج إلى بسط نفوذها الإقليمي والدولي، التواجد التركي في القرن الأفريقي سيسهم في تحجيم المارد الإيراني الذي يتمطى بذراعين أحدهما في اليمن والآخر في العراق وسوريا، قطر كذلك تحتاج إلى الخبرة التركية في أفريقيا لتنويع مواردها، وهو ما تحتاجه تركيا أيضا بشكل جزئي، وكدولة مستوردة للغذاء (إذ تنتج قطر حوالي 10٪ فقط من احتياجات سكانها من الغذاء) فإن أفريقيا تمثل منصة للاستثمار الزراعي الذي قد يعالج أزمة دولة صغيرة بحجم قطر.
التخلص من الماضي
السياسة الخارجية التركية التي وُصفت بتعبير رئيس وزرائها بأنها سياسة "تصفير المشاكل"، وتسعى من خلالها تركيا لأن تكون لاعبًا فاعلاً وليس وسيطًا فحسب، تتماشى مع السياسة القطرية في أفريقيا أيضًا حيث بدأت قطر في التمدد ولعب دور الوساطة في النزاعات الأفريقية (دارفور، إريتريا وجيبوتي 2010، السودان وجنوب السودان) وحتى بسط نفوذها في موريتانيا ودول غرب أفريقيا.
لكن النفوذ القطري في تلك المناطق يُنحّي القوى الإقليمية، والتي تختلف سياساتها جذريًا مع سياسات الدوحة؛ لذلك فإن وجود الظهير التركي سيدعم موقف الدوحة، بما يوفره من ضمانة وجود لاعب قوي في الساحة، لا يقل نفوذًا (إن لم يكن يزيد في بعض الأحيان) عن نفوذ دول بحجم مصر وليبيا أو الجزائر، بيد أن تلك الدول لا تمثل محورًا مشترك المصالح، ونظرة تلك القوى للدور التركي القطري المتصاعد في أفريقيا لن تكون موحدة على الإطلاق.
الجزائر التي تتفق مع قطر في حل أزمات ليبيا ومالي، لن ترى الوجود القطري التركي في أفريقيا كما تراه مصر التي تدعم أحد الأطراف الليبية وتدعم التدخل العسكري؛ ما سيؤدي إلى المزيد من التوتر في البلاد التي تتشارك حدودًا هائلة مع جارتها الجزائر.
إن الصوت الرسمي في اسطنبول يريد الا يربط الاتفاق القطري التركي بالتفاهم المبرم بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول تدريب وتجهيز المعارضة السورية، أو بنشاطات القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، والتي مقرها قطر فقد سبق أن اجتمع اللواء الركن حمد بن علي العطية، وزير الدولة القطرية لشؤون الدفاع مع الفريق أول خلوصي أكار، قائد القوات البرية التركية بالعاصمة القطرية الدوحة، ووقع وزير الدفاع التركي عصمت يلماز، ونظيره القطري اتفاقية للتعاون العسكري ضمن مراسم توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
ويتوقع البعض أن يزيد هذا الاتفاق من حالة التوتر القائمة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى والتي توترت علاقاتها مع تركيا في الفترة الأخيرة بسبب الاختلاف حول الكثير من السياسات الخارجية في المنطقة.