خواطر من ليل الصحراء المدلهم / مختار بابتاح

سبت, 2015-03-21 02:20

الصحراء ..ليل مدلهم موحش  يختلف عن ليلكم المضيء بالمصابيح معشر ساكني المدينة، ليلنا في هذه الصحراء  يبتعد عن ليل مدينتكم تلك والمسافة بين الليلين أكبر من مسافة السماء المزينة بالنجوم المتلألئة بسهول الأرض الممتدة إلى نهاية الرؤية،.هو ليل الصحراء المفتوحة يمر عليك فلا تسمع إلا همسات لا تدري أين هي ولا تستطيع حواسك تحديدها، الليل صامت فلا يتكلم ولا يقطع صمته سوى ذلك الهمس هل هو حفيف النبات وأعشاب الصحاري، تسمع مع ذلك الحفيف أصوات حمر  مستفرة في غابات بعيدة يسكنها بوم ينعب كلما حاولت سِنة نوم !!.

الصحراء في الليل هي الهدوء أو لا يكون .. هي سكينة الكون لكنها ترتبط ارتباطا غامضا بالخشونة والشجاعة وكل أنواع الفروسة .. أبت صحراؤنا الكبرى إلا أن تخرج من رحمها رجالا أشداء لا يعرفون إلا لغة الحرب والسلاح ولعلعة الرصاص، لقد قذفت تلك الصحراء من لهيبها قوما أشداء فكانوا أبناء بررة لها هم كالصواعق كما الأم في وقت الهجير، هم رضعوا من لبانها الشدة ولم يعودوا يطلبون إلا الحرية والحرية فقط وكل ينشد تلك الحرية بطريقته.

أجل .. لقد عشت مع مقاتلي "أزواد" ومقاتلي الصحراء الكبرى عموما بمختلف توجهاتهم وأهدافهم وقضيت معهم عدة ليال حربية، عشت معهم .. صدقوني..  ضاحكت من يقبل الضحك وهم القلة المازحين، وجالست بعض الملاحقين، واسترقت النظر من فجوات  اقنعة المقنعين.

إنها ليالي أقصها عليكم ربما بطريقة خشنة فلا تنتظروا مني جمالا في الأسلوب، فما أنا بالأديب الرومانسي المتأمل لجمال البحر وآلائه  وزبد موجه إذ يتكسر على حبات رمل الشاطئ..

فأنا القادم للتو من صحراء "أزواد" لم يعد لدي ذوق إن كان في الأصل موجودا لأنني بصراحة بت ليالي في الظلمات فقدت فيها الإحساس إن كان ثمة إحساس.. كلما أعرفه أنني سأصف لكم الأمر بخشونته فاعذروني إن أنا أسأت عن غير قصد والتمسوا مني حسن النية سأحدثكم حديثا تطبعه البداوة والسطحية ومخالفة الذوق على طريقة الشاعر الصحراوي علي بن الجهم حين يخاطب الأمير مادحا:

"أنت كالكلب في حفاظـك للـود         و كالتيس في قراع الخطوب" !!

انتظروا مني بعض الخواطر من تلك الصحراء الساخنة ومقاتليها، ومن صحرائنا الكبرى التي طفتُ فيها شرقا وغربا..  انتظروا حروفا متطايرة مبعثرة جدا يستمع صاحبها أحيانا إلى لعلعة الرصاص فترتجف أناملها ولا يكاد يبين..

اقرأ أيضا