بهذه الكلمات دخلت على حاكم مقاطعة العيون مقدما بطاقة تعريفي الوطنية بصفتي مواطن بسيط يرغب في التسجيل ضمن قائمة الراغبين في مقابلة فخامة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئيس الفقراء وهو في جولة لتفقد أحوال المواطنين والإطلاع عليها عن قرب.
ابتسم الحاكم وهو مذهول بسبب الطريقة التي تكلمت بها وقدمت بها نفسي حيث قلت له ملوحا ببطاقة تعريفي الوطنية أنني مواطن موريتاني ليس لدي أي قبيلة أو أي جهة أو مجموعة سياسية غير بطاقة تعريفي الوطنية لتشفع لي في التسجيل في قائمة من سيحظون بلقاء رئيس الجمهورية، استمع لي جيدا وقدم اعتذاره معللا عدم استجابته لطلبي بأن الرئيس حسب ما لديه من تعليمات أن اللقاء مخصص للمجموعات السياسية أو القبلية او النقابات وإن لم أكن ضمن هذه الفئات فلن يستطيع مساعدتي بشيء لم يخفي الحاكم اعجابه الشديد وتهنئته لي على الشجاعة والإصرار والعصامية التي أبديتها في توصيل رسالتي وصوتي، قلت وأنا أغادر مكتب السيد الحاكم أنني سأعتبر رسالتي وصلت.
في حين يردد في الأوساط القريبة من الولاية أن قائمة من سيلتقون بالرئيس في مدينة العيون تجاوز 400 شخص.
لقد تربيت على أنه ليس لدي أب ولا أم ولا قبيلة غير الدولة الموريتانية، ولكن الآن بعد تجربتي هذه أقول بصراحة أن الدروس النظرية التي تلقيت من معلمتي الأولى والدتي العزيزة تصطدم الآن مع الدروس التطبيقية التي تعلمت من محاولتي هذه بإسقاط الدروس النظرية على الحياة الواقعية لأصطدم بجدار إسمنتي من التراكمات التي ظلت تترسب طيلة عمر الدولة الموريتانية منذ الاستقلال وحتى اللحظة، فهل يا ترى هي عقليات الأجيال السابقة تلقفتها الأجيال اللاحقة وعضت عليها بالنواجذ أم أن ما نراه ونسمعه ونتلقاه من توجيهات تربوية من والدينا ومن المدرسة ليس هو ما يطبق على أرض الواقع بحيث أنه يتوجب على من يريد أن يكون إنسانا سويا في هذه الدنيا أن يعلم أن الناس يعيشون انفصام ما بين ما نتعلمه ونتربى عليه وما نطبقه في حياتنا اليومية والعملية وفي تسيير الشأن العام.
مما شجعني على السعي وراء لقاء رئيس الجمهورية هو ما سمعته من كلامه في المناسبات المختلفة عن رغبته في الاستماع لصوت المواطنين ولا أنسى خطاب التنصيب في المأمورية الأولى عقب نجاح الرئيس في انتخابات 2009 ذلك الخطاب التاريخي الذي أعرب فيه عن قربه من الفقراء وعن إحساسه بآلامهم وآمالهم وهو ما جعلني منذ ذلك الوقت أبحث وأدق كل الأبواب سعيا وراء لقاء فخامته، لم أكن أفوت أي خطاب له إلا كنت أمام التلفزيون أستمع باهتمام وأستبشر خيرا، عندما قررت الزواج تعمدت أن يكون بتاريخ : 06-06-2013 كتبت لبعض القائمين على المواقع بأنني بوصفي مواطن معجب بالرئيس وأحبه وأحترمه وأقدره وأعتبره أبا لي أوجه له دعوة لحضور حفل زواجي، ربما كنت حينها أعيش خارج الزمن لم ينتبه لتلك الرسالة أي موقع وربما اعتبروني حينها مجنونا، وفي الحقيقة معهم حق.
استبشرت خيرا بلقاء الشباب والرئيس أمليت الاستمارة إلا أن الحظ لم يحالفني...
لم تثنيني السخرية من فكرة سعي وراء لقاء الرئيس ولم أهتم لها وما زلت ماضي في سعي بكل الطرق على أمل اللقاء به.
وعندما تعبت من البحث والسعي لمقابلة الرئيس فكرت بأن أعمل شيء يلخص معاناتي وينقل رسالتي هذه المرة عن طريق شريط سينمائي ونجحت في ذلك حين سنحت لي الفرصة في مهرجان انواكشوط الدولي للفيلم القصير تقدمت بسيناريو لفيلم وثائقي قصير يتحدث عن شبكات الصيد المنتشرة عبر الإنترنت لتجنيد الشباب وظاهرة الذئب المنفرد وهو موضوع سبق وأن نشرت حوله تحقيق صحفيا منشور على بعض المواقع تطرقت فيه للاستيراتيجية المتبعة لدى القاعدة وهو نفسه مشروع تخرجي الذي أستعد لنقاشه هذه الأيام.
فكرة الفيلم خلاصتها هي معاناتي الأسرية اجتماعيا بالأخص وزادتها معاناتي السياسية رغم أنني ما زلت بمقتبل عمري كشاب طموحه جامح لتتخللها مغامراتي التي غايتها الاستقرار ليكون الحظ معاكسا لي فتصنع مني باحثا عن أي شيء يغير حياتي فتلتقطني بعض الجهات مستغلة طموحي ووضعي الاجتماعي ويأسي فأميل إليها شكلا لا مضمونا لحين وهنا يدخل ولوجي للانترنت ومغامراتي والعملية النضالية حيث تتقاذفني أمواج الصراعات بشتى أشكالها والأهم لب القصد أن نقول:أن من حق البسطاء أن تناطح أحلامهم السحاب من هنا تنطلق أحداث القصة ضمن مراحل معينة، متاهة:نحاول من خلاله أن نتحدث عن المسكوت عنه."متاهة" ينقل تجربة شاب مهووس بالإنترنت رمته الأقدار في مفترق طرق:الفقر والمعاناة والتهميش فيحاول البعض استغلاله.
من الأهداف الفيلم تعرية وكشف شبكات الصيد المنتشرة على شبكة الإنترنت والتي تمتهن وتحترف تجنيد الشباب للجماعات المتطرفة وتشرف عليها دوائر وضباط استخبارات عالمية.
و رسالة متاهة في العمق هي أن أبين أهمية دور التربية والتوجيه وأهمية وجود الأب في حياة أي شاب فبغيابه يكون أكثر عرضة لمثل هذه الأشياء، هذا العمل الذي أتقدم به إليكم يحمل تجربة إنسانية لا زلت و أسرتي نتذكر بكل ألم تفاصيلها المريرة...، الفيلم ليس لتشويه من اختاروا خط "الجهاد" لكنه تجربة لإنسان بسيط له الحق في أن يختار طريقه كأي إنسان فأنا مجرد شاب على باب الله ينشد السلام والمحبة وليس ملاكا ولا شيطانا أحترم للجميع آراؤهم وأناشد الجميع أن يتحملوا ويتقبلوا رأي وهو أن أكون "أنا" كما أحب وكما أريد أن أكون...
لا كما يرغب الآخرون وهذا طبعا لا يعني أنهم هم على خطأ لكن ليسمح لي الجميع فقط بأن أكون ضمن المحايدين فقد اجتهدت رأي وحددت أولوياتي ومن أبرزها أن أرعى والدتي وأسرتي وأطور من نفسي وسط ذلك كله كنت دوما مشبع بشحنة وطنية كان لها الدور الكبير بخروج هذا العمل هذه الشحنة تلقيتها من معلمتي الأولى :والدتي ومربيتي.
متاهة ليس مجرد عنوان، بل هو عنوان لتجربة العشرات من الشباب الموريتاني مع شبكات التجنيد لصالح الجماعات المتطرفة، تلك التجارب التي إذا ما أتيحت الفرصة والظروف مستقبلا لي سأحاول أجسدها عبر مختلف الأدوات السينمائية والتلفزيونية والفنية...
محمد سيد أحمد