أثار تحقيق نشرته قناة "فوكس نيوز" الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني يوم الاثنين الماضي، سخرية الموريتانيين بعد حديث القناة عن وجود معسكرات تدريب تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام في موريتانيا.
التحقيق الذي تحدثت فيه من وصفتها القناة بـ"الخبيرة في الإرهاب" أورد جملة من المعلومات المغلوطة عن موريتانيا وعلاقتها بالتنظيمات الجهادية، من أبرزها أن الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع الذي أطيح به في انقلاب عسكري عام 2005 ويقيم منذ ذلك الوقت في دولة قطر، هو زعيم جماعة بوكو حرام منذ عام 2011.
وأوردت الخبيرة التي تدعى فريان خان، تصريحات لولد الطائع يعترف فيها بالعلاقة الخفية بين جماعة بوكو حرام وموريتانيا، وأن مقاتلي الحركة تدربوا في موريتانيا وأن الأخيرة هي من صدّر بوكو حرام إلى نيجيريا، ناقلة المعلومات عن من وصفتها بمصادر على الأرض في موريتانيا من دون أن تكشف عن طبيعتها.
[خريطة بالإقمار الصناعية أوردها التحقيق]
خريطة بالإقمار الصناعية أوردها التحقيق
سفر للتدريب..
وتقول خان في التحقيق الذي أثار استغراب عدد كبير من الموريتانيين إن "الوضع في موريتانيا عبارة عن علبة بارود، وقليلون من يتحدثون عن ذلك"؛ مشيرة إلى أن 80 متدرباً تم اكتتابهم من الولايات المتحدة وكندا وعدة بلدان أوروبية من ضمنها فرنسا، يتدربون في أحد المعسكرات في موريتانيا.
وأوضحت الخبيرة التي أعطتها القناة صفة المديرة الناشرة للأبحاث المتعلقة بالإرهاب وخبيرة مقيمة في فلوريدا، أن تعداد سكان موريتانيا يبلغ 3 ملايين نسمة يقطن معظمها بالقرب من الشاطئ حيث تتركز التجمعات السكنية، وتخلو المناطق الصحراوية من السكان حيث تقام معسكرات التدريب بعيداً عن مناطق الكثافة السكانية.
وقالت خان إن موريتانيا "ليست وجهة مفضلة للسفر"، قبل أن تضيف: "السبب الوحيد الذي يدفع للسفر من أحد البلدان الغربية باتجاه موريتانيا هو الاستفادة من التكوين في مجال الإرهاب"، على حد تعبيرها.
لعل من أكثر المعلومات الغريبة التي أعطتها "الخبيرة" في تحقيق القناة الأمريكية، هو أن قرية معط مولان في الجنوب الموريتاني، يقع فيها أحد أهم معسكرات تدريب الجهاديين، ويوجد فيها مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية وبوكو حرام والقاعدة.
وتحدثت الخبيرة عن حصولها على مقاطع فيديو وصور ووثائق تثبت أن مسجد قرية معط مولان يعد واحداً من أبرز مراكز التدريب في موريتانيا، حيث توجد جنسيات غربية مختلفة.
ومما أثار استغراب الموريتانيين حول المصادر التي اعتمدت عليها الخبيرة في معلوماتها المغلوطة، هو أن قرية معط مولان تعد واحداً من أهم مراكز الصوفية في جنوب موريتانيا، وقد اشتهر عن الطرق الصوفية عداءها مع التنظيمات الجهادية التي تتخذ من الفكر السلفي مرجعية فكرية لما تقوم به من أعمال.
[صورة من مسجد معط مولان نشرت رفقة التحقيق]
صورة من مسجد معط مولان نشرت رفقة التحقيق
بعيداً عن الرادار..
الخبيرة تملك واحداً من مراكز البحوث الإلكترونية المختصة في متابعة قضايا الإرهاب، تأسس قبل أربع سنوات فقط، يعرف باختصار (TRAC)، سبق أن تطرق لمخاوف الدول الغربية من عودة المقاتلين ذوي الجنسيات الغربية من سوريا والعراق، وأجرى إحصاء لعدة آلاف من هؤلاء المقاتلين.
في هذا السياق قالت خان إن "هنالك قلق غربي من عودة المقاتلين من سوريا والعراق، ولكن المقاتلين الذين يتدربون في موريتانيا يعودون إلى بلدانهم من دون أن تلتقطهم الرادارات"، في إشارة إلى عدم الاهتمام بما يجري في الساحة الموريتانية.
ومن أغرب ما أوردته الخبيرة في تصريحات هو حديثها عن أحداث السجن المدني الأخيرة بنواكشوط، والتي انتهت بالإفراج عن سجناء سلفيين أكملوا محكوميتهم في السجن؛ حيث أشارت خان إلى أن من بينهم القيادي السابق في القاعدة والرجل المقرب من أسامة بن لادن أبو حفص الموريتاني.
ومن المعروف أن أبو حفص عاد إلى موريتانيا منذ عدة سنوات قادماً من إيران، ولم يسبق أن دخل السجن في موريتانيا، وقد أنهى صلاته بالقاعدة منذ عملية 11 سبتمبر وغادر أفغانستان باتجاه إيران، وفق ما أكده في تصريحات صحفية عديدة.
ولكن الخبيرة الأمريكية لم تتوقف عند هذا الحد حيث أشارت إلى أن من بين المفرج عنهم قادة التيار السلفي الجهادي في موريتانيا الخديم ولد السمان وسيدي ولد سيدينا وآخرين، وهؤلاء ما زالوا في السجن ويواجهون أحكاماً بالإعدام.
[الخبيرة التي تحدثت أثناء التحقيق]
الخبيرة التي تحدثت أثناء التحقيق
ردود الفعل..
الموريتانيون على مواقع التواصل الاجتماعي تناقلوا التحقيق على نطاق واسع، وكان حساب على الفيسبوك تحت اسم "محبو ولد سيدي يحيى" من أول الذين أثاروا الموضوع حين كتب: "نشر موقع (فوكس انيوز) مقال عن موريتانيا ورد فيه الكثير من المغالطات والمعلومات الخاطئة".
وضرب :محبو ولد سيدي يحيى" أمثلة على مغالطات التحقيق بكون ولد الطائع زعيماً لبوكو حرام، و"نشر صورة لمسجد معط مولان كدليل علي وجود أجانب ومحاولة ربط الأمر بجماعات متشددة"، بالإضافة إلى حديث التحقيق عن "وجود 7000 مسجد و1000 مدرسة (محظرة) في موريتانيا، وبأن رقابة الدولة على هذه الأماكن محدودة".
من جهة أخرى دعا أحد المدونين الموريتانيين الحكومة إلى التحرك من أجل مقاضاة القناة التي نشرت مغالطات تشوه صورة البلد في الخارج، وقال: "يجب على الدولة أن ترفع قضية ضد القناة، على غرار البرلماني الفرنسي، وإن كانت الحالة الأولي هي لشخص واحد، أما الثانية فهي سمعة بلد بكامله ومصالحه"، في إشارة إلى نويل مامير الذي اتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتجارة المخدرات قبل أن يعتذر بعد رفع دعوى قضائية ضده.
منقول من صحراء ميديا