اهتمت الصحف المصرية الصادرة الأسبوع الماضي بالقضية الصحراوية وتاريخها واستشراف مستقبلها، مشيدة بالعلاقة الأبدية بين الشعبين الصحراوي والمصري.
وقد أجرى عدة صحافة مصريين مقابلات مع قيادة "البوليزاريو" و سفراء ودبلوماسيين عن القضية الصحراوية وتداعياتها ومساراتها التاريخية، بالإضافة إلى تحقيقات عن حياة الشعب الصحراوي ومخيماته الوادعة في ولاية تيندوف الجزائرية.
صحيفة "المصري اليوم" كتبت تحت عنوان : "أمين عام جبهة «البوليساريو»: متفائلون بالسيسي"
قالت الصحيفة:
محمد عبدالعزيز هو الأمين العام لجبهة «البوليساريو» منذ عام 1976 وهو رئيس دولة جمهورية الصحراء الغربية والتى يعترف بها الاتحاد الأفريقى منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، وبالتالى فإنه بروتوكولياً من أقدم الرؤساء الأفارقة، ولذلك فإنه كان في منتصف الصف الأول في الصورة التذكارية للقمة الأفريقية المنعقدة في غينيا الاستوائية قبل أسبوعين، بينما كان الرئيس السيسى في جانب الصورة. الرجل كان مقرراً أن نلتقيه في مكتبه البسيط في مخيمات الصحراويين بمنطقة «تندوف» لكن منظمى رحلتنا ــ أبلغونا أن الرجل سيلتقى بنا بمقر إقامتنا وذلك قبل الموعد المحدد بيوم لظروف سفره إلى غينيا.. توقعت أنا وعدد من زملائى أن يأتى بملابس رسمية «بدلة وكرفتة»، خاصة أن الصورة الرسمية التي فرضت نفسها على أعيننا طوال الرحلة كانت له على هذا الوضع وإلى جانبه علم الجمهورية.. لكننا في المساء وفى الموعد المحدد، جاء الرجل في مقر إقامتنا المتواضع للغاية بقميص أبيض وبنطلون أسود لا ينم عن أي ثراء ولا تكلف.. وفى قدميه «شبشب» بسيط من المنتشرة في الأسواق الشعبية لدينا.
جهزنا أسئلة صعبة.. سألته أنا شخصياً عن مستقبل المقاومة المسلحة الصحراوية في ظل المتغيرات الدولية الحالية، خاصة مع سقوط داعميه الرئيسيين مثل القذافى والاتحاد السوفييتى وخفوت كوبا.. وماذا لو غيرت الجزائر قناعتها فيما يتعلق بـ«الصحراء» وتدخل الغرب والعرب معاً لإجراء مصالحة بين الجزائر والمغرب. لم يغضب الرجل.. لم يعاتبنا كمصريين ــ وكعرب بوجه عام ــ مثلما فعل كثير من المسؤولين في «الصحراء» بتجاهلنا قضيتهم سياسياً وإنسانياً.. وكذلك تغييب مأساتهم عن الرأى العام. استمع منا أكثر مما استمعنا إليه في حوار امتد لـ 3 ساعات، لكنه كان حريصاً على أن يوجه عدداً من الرسائل إلى القيادة المصرية بشكل خاص.. وإلى المسؤولين العرب بشكل عام.
قال: «متفائل بالتغيرات التي حدثت في القاهرة وأتمنى بعثاً جديداً للدور المصرى.. وأن يساهم في استعادة شعب الصحراء لحقوقه».. وأضاف: لا نريد شيئاً على حساب المغرب، نريد الخير لهم.. نريد أن نبنى المستقبل معهم في ظل حسن النية والاعتراف بحقوقنا.. نتطلع إلى علاقة بين مصر و«الصحراء» ليست على حساب المغرب وأن تكون لنا سفارة في القاهرة وأن يذهب مواطنونا للجامعات المصرية وأن يأتى مدرسون مصريون لتعليم أولادنا. نريد علاقة طيبة مع الجيش المصرى.. وقال «معظم الدول الأفريقية أعلامنا ترفرف في عواصمها، وفى الوقت نفسه علاقاتها طبيعية بالمغرب.
ولخص رؤيته حول هذا الوضع بقوله «من غير الطبيعى أن يقفل المغرب أبواب مصر أمامنا، وقال: «مستمرون في الطرق على الأبواب العربية.. في بعض الأوقات لم يكن من السهل التعاطى مع مصر، لكننا الآن متفائلون خيراً بالسيسى.. وعلى الجميع في القاهرة تذكر دورهم في تصفية الاستعمار في العالم، خاصة في أفريقيا.. ونحن حالياً نقاوم الاستعمار وعن الوضع على «الجبهة» قال: نحن في فترة هدنة والحرب لم تنته.. لم نلق السلاح وقد نعود للحرب إذا لم يتم تنفيذ الاستحقاقات التي أقرتها الأمم المتحدة ويراقبها الاتحاد الأفريقى الآن.. وقال: «المغرب دخل في صراع مرير مع مبعوث الأمم المتحدثة لـ«الصحراء» حيث يرفض استقباله لتحريك الملف والاتفاق على إجراء الاستفتاء الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1990 ليختار من خلاله الشعب الصحراوى بين أمرين، إما الاستقلال أو الانضمام إلى المملكة المغربية.
وشرح عبدالعزيز طبيعة المقاومة السلمية المتواجدة داخل أراضى «الصحراء» في المنطقة التي تسيطر عليها المغرب، وقال: «لدينا في الأرض المحتلة هناك انتفاضة حقيقية وشاملة وهى تشبه الانتفاضة الفلسطينية، لكن دون حجارة»، ونوه إلى الجدار العازل الذي بنته المغرب بطول أرض الصحراء لتفصل بين المنطقة التي تسيطر عليها وباقى الأرض الخاضعة لـ«البوليساريو» وقال: «هو حزام للذل والعار.. بنوه داخل دولتنا.. لكن المواطنين الصحراويين ابتداء من 8 نوفمبر 2010 خرجوا ولازالوا في مظاهرات حاشدة للمطالبة بحق تقرير المصير». وأضاف: «لم يتحملوها رغم سلميتها.. وتم اعتقال العشرات وحكم على النشاط بالسجن المؤبد».
ورداً على سؤال حول موقف الجزائر منهم وماهية خياراتهم لقضية «الصحراء» في المستقبل: هم برهنوا في كل الأوقات على أن قضيتنا هي قضيتهم لا مصالح وراءها.. المغرب وحلفاؤها راهنوا من قبل على وفاة هوارى بومدين.. وجاء من بعده عدة رؤساء ولم تتغير المواقف.. بل العكس هو ما يحدث حالياً.. الجزائر تتلقى الثناء والشكر مع المجتمع الدولى لمساعدتها في حل القضية الإنسانية لـ«الصحراء» باستضافتنا على أراضيهم.
وتناول عبدالعزيز في حديثه مسيرته في الكفاح المسلح منذ الاستعمار الإسبانى، ثم مع المغرب أسسنا «البوليساريو» في 1973.. وفرضنا على الإسبان الانسحاب بعد 3 سنوات، ثم أرغمنا المغرب على الدخول في مفاوضات مصيرية معنا، ولولا وفاة الملك الحسن الثانى في 1999 لكانت الأمور أفضل من الآن!
وخلال جولتنا في المتحف الوطنى بـ«تندوف» لفت نظرنا صورة قديمة تجمع «عبدالعزيز» مع الفريق سعدالدين الشاذلى.. سألناه عنها فقال: في هذه الفترة كان الشاذلى يقيم بشكل دائم في الجزائر وجاء لزيارتنا هنا في «تندوف» خلال هجومنا على القوات المغربية المحتلة لـ«الصحراء» في الفترة ما بين 1978 و1983، وكنا نطلق عليه هجوم «هوارى بومدين».
وأضاف: أطلعت الفريق على مسار الحرب، وشاهد الأسرى والغنائم، وأتذكر أننى أخذته في جولة بالسيارة داخل معسكراتنا وكان متأثراً بعدة أشياء، أهمها أنه في هذه الصحراء القاحلة ننجح في شن حرب عصابات على جيش نظامى قوى، وكيف يتحكم المقاتل الصحراوى في الأرض، كما بدا متأثراً للغاية من موقف المغرب وكان يتساءل: لماذا يلجأ جيش عربى لاحتلال بلد آخر وإيذاء شعبه وجيشه؟!.
وسألنا عبدالعزيز، عن نصيحة عسكرية محددة قدمها إليه الشاذلى فقال: كان يخاف علينا من الطيران.. ونصحنى باستخدام أسلحة الدفاع الجوى.. وقد نفذنا نصيحته بالفعل.
وفي موضوع آخر من نفس الصحيفة كتبت في تحيق صحفي بعنوان :
مصر وقضية «الصحراء»: عبدالناصر غير موقفه.. والسادات أوفد نائبه مبارك
كتب الصحفي محمد السيد صالح:
"لا تعترف القاهرة بـ«جمهورية الصحراء الغربية»، وهى أقرب لتبنى الرؤية المغربية في القضية شأنها في ذلك شأن كل الدول العربية باستثناء الجزائر، لكن علاقة مصر بقضية «الصحراء» شهدت محطات مهمة، بدأت بموقف مبدئى للرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان يتبنى موقف المغرب بأن موريتانيا أرض مغربية وهو ما جعل القيادة الموريتانية في ذلك الوقت تستاء منه ومن الخط القومى والعربى بشكل عام، لكن موقفه تغير إلى حد ما مع التصاقه بقضية استقلال الجزائر فيما بعد. وربطت الرئيس الراحل أنور السادات علاقات متميزة بالرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين والذى قدم لمصر الكثير في حرب 73 لكنه في الوقت نفسه جمعته علاقات دافئة بملك المغرب الراحل الحسن الثانى والتى ظهر أثرها جلياً في التجهيز السرى لزيارة السادات للقدس عام 1977. فيما انضمت الجزائر في هذا التوقيت وبقوة إلى جبهة الرفض العربى للسلام مع إسرائيل حيث كانت أحد الأضلاع الثلاثة القوية والمناوئة للسادات بينما كان الضلعان الآخران متمثلين في صدام حسين «العراق» وحافظ الأسد «سوريا».
ورغم هذا الجفاء فإن السادات تدخل أكثر من مرة في التهدئة بين المغرب والجزائر خلال مواجهاتهما وحروبهما الممتدة والتى كانت قضية «الصحراء» عنواناً رئيسياً فيها. وفى نوفمبر 1977 وبينما كانت جبهة «تندوف» مشتعلة بين الطرفين، أوفد السادات نائبه حسنى مبارك في أول مهامه الخارجية للوساطة بين الطرفين. في حوار مبارك الشهير مع عماد الدين أديب ــ قبيل الانتخابات الرئاسية في 2005 وجه أديب إليه السؤال التالى: «فى أقل من سبعة إلى ثمانية أشهر من تعيينك نائباً أرسلك السادات في مهمة بالغة الصعوبة وهى مهمة خارجية بالغة التعقيد بين الجزائر والمغرب، في ظل توتر العلاقات بينهما وحدوث مصادمات ومشاحنات على الحدود ووجود أزمة في «البوليساريو».. وذهبت على رأس وفد ضم الدكتور أسامة الباز وعزالدين مختار واستمرت المهمة 18 يوماً، ورد مبارك: هو كلفنى فلم أكن أقوله له لا. وبعد أن أعطى لى تلخيصاً عن المشكلة والنظامين وقال لى حاول بكل الطرق تحل المشكلة معهم ذهبت إلى الجزائر وقابلت الرئيس الراحل بومدين الذي حاول انتقاد مصر.. فقلت له مصر قدمت لك الكثير. ويشرح مبارك كيف أنه ذهب لمقابلة الملك الحسن بالمغرب ونجح في النهاية في إنهاء حصار جنود الدولتين على الجبهة.
مبارك لم يغير الموقف المصرى من قضية «الصحراء» عندما جاء إلى الحكم في 1981 لكنهم هنا في «تندوف» يسجلون أنه استقبل محمد عبدالعزيز الأمين العام لجبهة البوليساريو رئيس الجمهورية في 1994 على هامش القمة الأفريقية وذلك بتوصية من عمرو موسى وزير الخارجية في ذلك الوقت. لكن الأوضاع تبدلت «فحينما شارك عبدالعزيز في القمة الأفريقية بشرم الشيخ عام 2009 باعتبار «الصحراء» عضواً في الاتحاد الأفريقى لم يتم استقباله رسمياً كبقية الرؤساء الأفارقة.. بل إن المسؤولين المصريين رفضوا جلوسه في العشاء الرسمى المخصص للزعماء المشاركين».
ويركز كثير من المسؤولين الصحراويين على أنهم يشاركون في عديد من اللجان المنبثقة عن الاتحاد الأفريقى إلى جوار المسؤولين المصريين.. بل إن رئيس المخابرات الصحراوية إبراهيم محمد محمود أكد لنا أنه قدم تقريراً شاملاً عن تطورات قضيتهم إلى مسؤولين أمنيين مصريين وذلك قبل شهور معدودة في أحد الاجتماعات التي جرت في أديس أبابا."
«ثلاثية الحياة»: حلم العودة وطبول الحرب وحكم المرأة
ونفس الكاتب قال في سطور أخرى عن "حلم العودة ووطبول الحرب وحكم المرأ’"
"رصدت هنا في «تندوف» 3 عوامل رئيسية تتحكم في أسلوب حياة الصحراويين ورؤيتهم للمستقبل، الأول: مآسى الحرب والتهجير وذكريات المفقودين والشهداء، الثانى: الانخراط في الجيش حالياً والاستعداد لعودة الحرب، والثالث: قوة المرأة ودورها المركزى في إدارة المجتمع.. وأبدأ بالعامل الأخير..
«المجتمع الصحراوى في الصحراء الغربية، يتميز بكونه مجتمعاً أموياً وليس «بطركياً» (تقصد بطريركياً) أي أبوى.. أي أن المرأة هي المسيطرة بشكل عام في الأسرة، فهى التي تقوم بالأدوار الرئيسية فيه مثل: تزويج ابنتها، تقرير أمور متعلقة بمصير الأسرة، إضافة إلى استقبال الضيوف في غياب الرجل عن الخيمة، ويتركز دور الرجل في الأسرة الصحراوية حول كونه دورا بروتوكوليا لا أكثر» ما بين القوسين نقلته بالكامل من كتاب لباحثة صحراوية هي الدكتورة نازك صالح بعنوان «المرأة الصحراوية ودورها في المجتمع المدنى» حيث وجدته تلخيصاً وافياً ودقيقاً لما شاهدناه على مدار أسبوع هنا في الصحراء، المرأة تتحدث إلينا مرفوعة الرأس، عيناها في أعيننا، نادراً وفى مخيم واحد فقط، أبلغونا أن القيادات النسائية في المكان لا تفضل السلام بالأيدى شاهدنا عرضاً راقصاً لصحراويات اختلط فيه الأداء الفولكلورى للراقصات مع جرأة في الأداء واستعراض مهارات الجسد.
عشنا تجارب ثلاث سيدات ناجحات للغاية في أعمالهن: الأولى هي خديجة حمدى وزيرة الثقافة عضو الأمانة العامة للبوليساريو وهى أيضاً زوجة رئيس «جمهورية الصحراء» محمد عبدالعزيز والتى قالت لنا في لقاء بمكتبها «أنا وجيلى الصحراويات قدمنا إلى هنا في بداية شبابنا.. تحملنا نحن النساء المسؤولية كاملة.. فكل الرجال على الجبهة.. البعض عاد مع الإعلان عن وقف إطلاق النار والبعض استشهد أو تم أسره ــ غالبية النساء ــ وكذلك الرجال ــ كانوا أميين، فإسبانيا على مدار قرن كامل لم تعلم النساء.. وجيلنا تحمل المسؤولية في التعليم بعد أن حصل على شهادات من الجزائر وكوبا وليبيا.. وعدد من الدول التي تعترف بالصحراء. وبالإضافة إلى عرضها المتميز لمعاناة الأطفال والنساء ومطالبتها بدعم عربى إنسانى، تعمقنا مع السيدة خديجة في ظاهرتين مرتبطتين بشكل خاص بالمرأة الصحراوية، الأولى وهى استقبالها للضيوف الغرباء في صحبة عائلتها حتى مع غياب الزوج والأولاد.. تقول: «النساء هنا قادرات على صيانة كرامتهن ولا يتعرضن للعنف بشتى أنواعه.. والضيف في الغالب يكون من مكان بعيد وقد قضى وقتاً طويلاً في حر الصحراء وليس من شيم الصحراويين تركه في خارج الخيمة لأنه لا سبيل آخر أمامه». أما الظاهرة الثانية، فهى عدم اعتبار الطلاق عملاً معيباً اجتماعياً ولا ينتقص من مكانة المرأة أو أهلها، وشرحت لنا كيف أن أهل المرأة المطلقة حديثاً يقيمون لها حفلاً كبيراً يدعى إليه جميع الأصدقاء والمعارف من النساء والرجال.. وفيه ترتدى المطلقة أجمل ما لديها وتقوم الناس بتزيينها وكأنها عروس جديدة.. وتحرص باقى النساء في الحفل على ألا تكون أجمل منها في هيبتها وزينتها.. وتقوم النساء في الحفل بالغناء وترديد الأهازيج.. والحفل إعلان عن أن هذه المرأة حرة، ودعوة للراغبين بالزواج منها أو التقدم لخطبتها، وتقول خديجة: «فى أحيان كثيرة يكون الرجال على علم بأن واحداً بعينه يريد الزواج من صاحبة الحفل، ولذلك من العيب المزايدة عليه.. وعلى هذا الشاب أن يمسك بسكين أو خنجر ويغرسه في قلب الدف الذي تطرق عليه النساء كدلالة على رغبته في الزواج من هذه السيدة».
السيدة الثانية التي التقيناها هي وزير التربية والتعليم على غداء بمقر إقامتنا وبعد أن شرحت لنا النظام التعليمى هنا وكيف أن اللغة العربية هي الأساس في التعامل مع الطلاب إضافة إلى دراسة اللغات الأجنبية خاصة الإسبانية والإنجليزية، وكيف يسافر معظم التلاميذ لقضاء فصل دراسى صيفى في أوروبا خاصة إسبانيا، أعادت شرح ظاهرة حفلات الطلاق وأهميتها في المجتمع الصحراوى وقالت «كثير من الرجال هنا يفضلون المرأة ذات الخبرة التي عايشت وتدربت على صعوبات الحياة الصحراوية.. ولذلك فإن المطلقات هنا حظوظهن أكبر.. وسألناها هل أقيمت لك شخصياً حفلة طلاق من قبل، فابتسمت ونظرت إلى أحد السياسيين المتواجدين معها وقالت: هل طلقت مرتين من قبل أو ثلاث، وأضافت «نعم أقيم لى حفلتا طلاق وأنا سعيدة بهذا التقليد».
السيدة الثالثة التي التقيناها في مقر عملها هي عزة بوبى والية ولاية باجدور دخلنا عليها وسط اجتماع تنظيمى يضم العديد من النساء والرجال هم مسؤولو القطاعات المختلفة في الولاية قالت إنه «اجتماع لجنة جمهورية للولاية» وهدفه تقييم برنامج الأسبوع الصحى، وأضافت «نحن في فصل الصيف ونحرص على تهوية المنازل ونظافتها وجمع القمامة وكذلك المواد منتهية الصلاحية من المتاجر، والولاية بسيطة للغاية ونظيفة، المميز فيها أنها الأقرب إلى تجمع المصالح الحكومية والذى يضم مكاتب الرئيس والبرلمان والتليفزيون وهيئات الإغاثة». وقالت بوبى أنا والية منتخبة.. النساء هنا أثبتن أنهن على قدر المسؤولية في الإدارة.. ولايتنا بلا جرائم ولا أوبئة كما يحدث في مخيمات اللاجئين في العالم.. ولدينا مساواة نطبقها بدقة. وأشارت إلى منزل بسيط ليس ببعيد عن مقر إدارة الولاية وقالت «هذا منزل رئيس الدولة وهو بلا حراسة وبلا أي تمييز ولا أفضلية عن باقى البيوت».
والجيش هنا هو المؤسسة الأهم على الإطلاق.. حيث كل الناس من صغار وكبار، رجال ونساء في خدمته مع وصولنا هنا.. وجلوسنا مع عدد كبير من المسؤولين الغالبية العظمى منهم شاركت في مواجهات حربية مع المغرب، ومع تراكم معلومات ضخم لدينا عن حروبهم وإنجازاتهم على الجبهة بالقياس بعددهم المحدود 20 ألف عسكرى فقط في أحدث الإحصائيات ــ كنا نعتقد أن إنجازاتهم تأتى من هجمات شنوها على طريقة الميليشيات كما هو حال مقاومة حزب الله مع إسرائيل، وأن هناك مبالغات في حديثهم عن غنائم الحرب التي استولوا عليها من المغرب، إلا أن واقعتين غيرتا هذا المفهوم لدينا، الأولى هي زيارتنا للمتحف الوطنى هناك.. والذى لمسنا فيه وللوهلة الأولى اهتماماً وتميزاً عن باقى المؤسسات التي زرنا.. توثيق للتاريخ النضالى منذ بداية الاحتلال الإسبانى، وثائق صحراوية.. أسلحة قديمة استخدمت في مقاومة الاحتلال لكن الأهم هو الصالات الضخمة التي تعرض الأسلحة أوروبية الصنع التي استولوا عليها وبعضها حديث ومتطور للغاية.
الأمر الثانى هو مشاركتنا في عرض عسكرى دعانا إليه وزير الدفاع محمد لمين البوهالى.. وأتيح لنا المرور على القوات والمعدات من سيارة مكشوفة.. وغير هذا الأمر من مفهومنا عن القوات، جيش حقيقى ومعدات متطورة معظمها من الكتلة الشرقية ويبدو أنها مساعدات جزائرية وحجمها يضاهى تسليح فرقة مصرية ولكن تختلط فيها المدرعات بالمدفعية بالدفاع الجوى.
لفت نظرى وجود أعداد ضخمة من العسكريين ــ زيهم واحد تقريباً ولم أستطع التمييز بين رتبهم.. ولكن كلما كانت سيارة الدفع الرباعى التي نستقلها تقترب من نهاية العرض كنت ألاحظ أن العمر السنى للجنود يرتفع وأن هيئاتهم العسكرية أقل انضباطاً من بداية الطابور.. وبعد اجتماعنا مع وزير الدفاع لما يزيد على الساعة وخلال مغادرتنا المكان.. كان غالبية هؤلاء العسكريين قد خلعوا رداءهم الميرى لتظهر ملابسهم التقليدية وليعودوا كمدنيين «هم في جيش الصحراء.. حاربوا من قبل.. لكنهم في الاحتياط الآن.. معظم الرجال جنود عند الحاجة» هكذا قال لى مسؤول عسكرى في طريق العودة.
معتقل سابق في المغرب، أو شقيق الشهيد أو ابنة البطل ــ تعبيرات تكررت على مسامعنا هنا على مدار أسبوع ــ تكرر على مسامعنا أيضاً: سجلنا 638 حالة اختفاء قسرى في السجون والمعتقلات المغربية.. اعترفوا فقط بوفاة 351 منهم.
وقضية المفقودين تركت أثراً بالغاً هنا في الوجدان العام، لمحت ذلك في دواوين الشعر والقصص والروايات الصحراوية التي أهدتنا إياها نانا الرشيد مديرة رامتان للنشر ومنسقة رحلتنا للصحراء. كل العناوين والإهداءات وخواتيم الكتب تتحدث عن «التغريبة» «مرئيات الرجال» و«مرافئ الرمل» و«عالم الشهداء» و«الهجوم الثالث» و«ما حدث في اللجوء».
تصحيح
نشرت «المصرى اليوم» عن طريق الخطأ على «يوتيوب» فيديو بعنوان «حفلات الطلاق لدى بدو الجزائر» وهو عنوان خاطى وتم تصويبه إلى: «أغرب عادات الصحراء الغربية»، لذا لزم الاعتذار والتنويه.
------------------
أما صحيفة "اليوم السابع" المصرية فقد كتبت في تحقيق صحفي بعنوان
«الجمهورية العربية الصحراوية» حكاية دولة على الورق فى المخيم «1».. جبهة البوليساريو أعلنتها دولة مستقلة عام 1976 واختارت مخيمات اللاجئين بتندوف أرضا مؤقتة للحكم"
رسالة صحراء الجزائر: يوسف أيوب
"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.. اسم ربما لا يسمع عنه الكثيرون، لكنها فعلياً موجودة على الورق وعضو بالاتحاد الأفريقى، وحينما تذهب إلى مخيم صغير بمدينة «تندوف» جنوب الجزائر ستجد أمامك دولة لها رئيس وحكومة وشرطة وجيش، لكنهم لا يقيمون على أراضيهم، وإنما فى مخيمات للاجئين. دولة على الورق وفى المخيمات، هو الانطباع الذى خرجت منه بعد أربعة أيام قضيتها فى مخيمات اللاجئين الصحراويين بمدينة تندوف الجزائرية، فلأول مرة يترك شعب أرضه ويقيم دولة فى المخيمات.. هم يبررون ذلك بأن المغرب احتلت أرضهم، فى حين تقول المغرب إن الصحراء الكبرى هى جزء من أراضيها، وأن البوليساريو أو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب أنشأت دولة وهمية، وأن الجزائر هى من تقف خلف الصحراويين لأهداف اقتصادية وسياسية.
دولة فى المخيم أو وهمية كما تسميها المغرب، إلا أن الواقع أن هناك أزمة إنسانية يعيشها قرابة المائتى ألف لاجئ، التقت بهم «اليوم السابع»، واستمعت إليهم، وأعطت للمغرب باعتبارها الطرف الثانى فى القضية حق الرد.
فى منطقة صحراوية بجنوب الجزائر تبعد حوالى ألفى كيلو متر عن العاصمة، هناك مدينة اسمها «تندوف»، وعلى أطرافها يعيش قرابة المائتى ألف إنسان، هم لاجئو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التى أعلن تأسيسها فى 27 فبراير 1976 على يد جبهة البوليساريو.. الأراضى جزائرية، والدولة صحراوية، معادلة صعبة حاولت «اليوم السابع» فك طلاسمها من خلال زيارة ميدانية شملت خمس ولايات أسسها الصحراويون على أطراف «تندوف»، أخذت ذات الأسماء للولايات الواقعة تحت السيطرة المغربية، فى الأراضى التى يعتبرها الصحراويون محتلة فى حين تعتبرها الجزائر جزءاً من أراضيها.
قصة الصحراء ودولتهم من القضايا الشائكة فى المغرب العربى، منذ أن ضمتها المغرب عام 1975 بعد انسحاب المستعمر الإسبانى، وتسببت فى توتر شديد بين المغرب والجزائر، خاصة أن جبهة بوليساريو، المدعومة من الجزائر، تطالب باستقلال المنطقة، وشكلت الأمم المتحدة بعثة قبل أكثر من 20 عاما قبل استفتاء متوقع على المستقبل السياسى للصحراء المغربية لم يمكن إجراؤه على الإطلاق.
وانسحب المغرب عام 1984 من منظمة الوحدة الأفريقية، التى حل الاتحاد الأفريقى محلها، بعدما اعترفت المنظمة بعضوية ما يسمى «الجمهورية الديمقراطية العربية الصحراوية»، التى أعلنتها البوليساريو، وربط المغرب منذ ذلك الحين عودته إلى الاتحاد الأفريقى بتعديل بند أساسى حول شروط العضوية فى الاتحاد، وهو التعديل نفسه الذى سيؤدى إلى تعليق عضوية منظمة البوليساريو فى الاتحاد، ويفتح الطريق أمام عودة المغرب.
وتنتشر فى الصحراء المغربية بعثة الأمم المتحدة منذ 1991 تحت مسمى «المينورسو»، حيث تشرف بشكل أساسى على وقف إطلاق النار فى هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التى تحكمها الرباط.
فى «تندوف» منحت الجزائر الأرض للصحراويين بشكل مؤقت لكى يقيموا عليها ويمارسوا سلطاتهم، حتى تحولت المخيمات إلى النموذج الوحيد فى العالم الذى تمارس فيه حكومة سلطتها، وبها رئيس للدولة وسلطات قضائية وشرطة وجيش، وهى مخيمات اللاجئين الوحيدة التى تستقبل فيها الحكومة المعونات الخارجية لتتولى توزيعها على سكان المخيمات دون أى تدخل مباشر أو غير مباشر من جانب الجهات المانحة.
«اليوم السابع» رصدت عن قرب ومن أرض الواقع كيف يعيش مواطنون عرب هذه الحياة، وكيف حولوا حياة اللجوء إلى حياة منظمة ومنسقة.. نعم تفتقد فى غالبتيها للخدمات، لكنهم قرروا استغلال كل ما يملكونه من إمكانيات ضعيفة وقليلة ليبعثوا برسالة لأشقائهم العرب وللعالم بأنهم قبلوا التحدى، وأنهم لم يملوا من العيش خارج أراضيهم، لأنهم يؤمنون بأنه يوما ما سيتركون الأراضى الجزائرية ويعودون إلى ديارهم.
بداية الرحلة كانت من مطار هوارى بو مدين بالعاصمة الجزائر، وقتها كان هناك وفد إعلامى مصرى يستعد للطيران مرة أخرى إلى «تندوف»، وكان فى مخيلتنا أن تندوف ستكون محطتنا للعبور إلى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التى تلقينا الدعوة لزيارتها، وحينما انطلقت الطائرة من الجزائر استغرقت الرحلة ساعتين وعشر دقائق تقريبا، وما أن وصلنا إلى مطار تندوف كان فى انتظارنا مستقبلينا، نانا الرشيد، ناشطة صحراوية، ومحمد الشيخ عضو جبهة البوليساريو ورئيس اتحاد العمال، وحينما خرجنا من المطار كان فى انتظارنا سيارات مجهزة للسير فى الصحراء وعلى الرمال والصخور، ورغم طول الرحلة من القاهرة للجزائر ثم إلى تندوف، ووصولنا مساء فى حوالى العاشرة، إلا أن الأعين كانت مستيقظة ومنتبهة لترصد هذه البلدة، وانطلقت السيارات الثلاثة التى حملت الوفد المصرى وسارت خلف بعضها وكان أمامها قوات تأمين جزائرية علمنا بعدها أنها تتواجد لمرافقة الوفود الأجنبية لتأمينها، خاصة بعدما اختطفت جماعة التوحيد والجهاد الإرهابية ثلاثة من العاملين فى منظمات الإغاثة الدولية بالمخيمات.
سارت السيارات الثلاث قرابة العشرين دقيقة، وبعد أن وصلنا إلى كمين أمنى تنحت قوة التأمين الجزائرية جانبا وكان فى انتظارنا سيارتا تأمين أخريين توليتا تأميننا، وحينما سألنا عن السبب قال لنا محمد الشيخ إن السلطات الجزائرية تترك لنا تأمين منطقة المخيمات التى تبدأ من بعد هذا الكمين، وكأنها حدود فاصلة بين دولة الجزائر والمخيمات، رغم أن الأراضى واحدة وتابعة لدولة واحدة لكن هذه الدولة وهى الجزائر أرادت أن تعطى للصحراويين حرية وسلطة القيام بكل شىء بالمخيمات.
انطلقت السيارات الثلاث وأمامها سيارة تأمين تابعة للحكومة الصحراوية، وخلفها سيارة أخرى، وبدأنا نرى المخيمات الصحراوية، فهى عبارة عن خيام أو مبانٍ بدائية، وطرق فى غالبها غير ممهدة، وبعد فترة سير اقتربت من عشر دقائق فور أن تسلمتنا قوة التأمين الصحراوية انحنت السيارات إلى منطقة دروب صحراوية، متخذة طريقها إلى دار الضيافة، أو السكن الذى سنمكث فيه لأربعة أيام.
بعد يوم شاق ومتعب لم يكن أمام الوفد إلا الخلود للنوم، حتى وإن كانت ظروف النوم غير مهيأة، لكن بداية الإحساس بمعاناة البعض أن تعيش معهم، تعيش مع من ولدوا وتزوجوا وزوجوا أبناءهم وهم ما زالوا فى المخيمات.. تعيش مع من فرقهم القتال.
الثقافة.. بداية الحفاظ على التراث الصحراوى
لم يكن غريبا أن تكتشف تمتع الصحراويين بثقافة عالية، فغالبيتهم يتحدثون الفرنسية والإسبانية والعربية بجانب لهجتهم الحسينية، ومنهم من اشتهر فى الأدب ومن هؤلاء، خديجة حمدى، الروائية ووزيرة الثقافة وعضو الأمانة الوطنية للبوليساريو وزوجة الرئيس محمد عبدالعزيز، التى قالت «كل حياتنا مضت فى هذه البقعة من الأراضى الجزائرية، ورغم ذلك ليس أمامنا أى رغبة أخرى سوى الدولة الصحراوية المستقلة».
حديث خديجة عن الثقافة الصحراوية طويل ويكشف تاريخ وحضارة الصحراويين، فهى تقول «الثقافة دائماً فى آخر السلم للأسف، ونحن حاولنا إنشاء مراكز ثقافية لكى نحافظ على تراثنا بمساعدات منظمات دولية، ولدينا مشروع مهم جداً وهو مشروع حفظ الذاكرة الشفاهية الذى بدأنا العمل به منذ ثلاث سنوات، بمجهود حوالى عشرين شابا وشابة، فمن خلال المشروع نسجل السيرة والأدب الحسانى من خلال لقاءات مع الكبار لسؤالهم عن صيغ الزواج، والحياة، والشعر القديم، وشعر الثورة، وتوثيق تاريخ الصحراويين، وعاداتهم، ومورثاتهم الثقافية، والتاريخية».
الثقافة هناك لا تعتمد على التراث الصحراوى، فهناك أكبر مهرجان لمخيمات اللاجئين يقام كل عام، ويحضره شركات إنتاج أجنبية، وممثلون كبار، اسمه المهرجان العالمى للسينما بالصحراء الغربية، وعقد هذا العام خلال الفترة من 29 أبريل إلى 4 مايو 2014، والعام المقبل سيتم تنظيمه فى ذات التوقيت، وهذا العام كانت جنوب أفريقيا ضيف شرف المهرجان، وتم تكريم نيلسون مانديلا، والعام المقبل ستكون أنجولا ضيف الشرف، وبالإضافة إلى ذلك يتم تنظيم مهرجان للفنانين التشكيليين من بلدان مختلفة، وينظم فى أكتوبر من كل عام.
المرأة حامية التجربة
من الأدب إلى النساء تحدثت خديجة حمدى فقالت «من حمت التجربة هنا النساء، فهناك جيل من النساء الصحراويين خرجنا من الصحراء بدون تأهيل، لأن إسبانيا المستعمرة لم توفر أى فرصة للتعليم للإناث أو الذكور، ومن تعلم تعلم بطرق أخرى، وهذا الجيل من النساء تحمل المسؤولية فى ظل عدم وجود الرجال الذين اختاروا طريق النضال ضد المستعمر الإسبانى، فنظمنا الإدارة الوطنية والإعانات الإنسانية، وكان على النساء التعلم من خلال أقسام محو الأمية وتسيير الأمور الإدارية، وفى هذه الأثناء وتحديدا 1976 تم إرسال الشبان للتعلم فى الجزائر ودول أخرى مثل كوبا، وفور عودتهم تولوا تعليم أمهاتهم، وكانت عملية مستمرة من محو للأمية إلى التثقيف الشعبى».
اللافت فى زيارة مخيمات اللاجئين الصحراويين أن الخيام ليست كثيرة، وأن الاعتماد بشكل أساسى على مبانى الدور الواحد، وحينما سألت وزيرة الثقافة عن ذلك قالت «الخيمة جزء من وجداننا وتراثنا، وحتى من يبنى بيتا يقوم بوضع الخيمة أمام البيت»، مشيرة إلى وضع مأساوى يعانى منه سكان الولايات الواقعة تحت السيطرة المغربية، قائلة إن «المغرب منعت الخيمة فى الأراضى المحتلة بقرار من وزارة الداخلية المغربية، لذلك تجد فى مظاهرات النساء يرفعن خيمة صغيرة».
خديجة حمدى المتزوجة من الرئيس فى 20 أغسطس 1980 ولها منه 4 أولاد وبنتان، ختمت حديثها بقولها «نحن نؤسس الدولة ونحاول أن ننظم للمواطنين حياتهم، فنحن شعب فقير ليس لأننا فقراء، ولكن لأن الصحراء الغربية غنية جداً بالفوسفات، والثروة السمكية، لكن فرض علينا الفقر، ونعيش الآن على الإعانات الجزائرية والدولية، ومهما يكون هذا الدعم فهو لا يكفى، خاصة مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية».
فى المخيمات تجسيد لولايات الصحراء الخمس، ومن بينها ولاية العيون التى تعد فى الأساس عاصمة للدولة الصحراوية، وفور وصولنا إلى الولاية استقبلنا محمد محمد سالم، والى الولاية، وبعد ترحيبه الشديد قدم شرحا وافيا عن تاريخ الولاية، وبالطبع هو لا يتحدث عن ولاية العيون الأصلية الموجودة تحت السيطرة المغربية، وإنما يتحدث عن الولاية التى أنشأوها فى المخيمات على ذات التقسيم المعمول به فى الولاية الأصلية، وقال إن هذه الولاية من أقدم الولايات، حيث تأسست فى 28 نوفمبر عام 1976، وبها ست دوائر، و24 بلدية، وتسع مدارس، وسبع دور تربية، وستة مستوصفات، ومستشفى جهوى، ويسكنها قرابة الخمسين ألفا.
وتأكيدا لما قالته وزيرة الثقافة حول دور المرأة الصحراوية، قال والى العيون إن أغلب الوظائف الإدارية فى الولاية تقوم بها المرأة لأن غالبية %80 من الرجال هم مقاتلون، لذلك فإن المرأة الصحراوية لعبت دورا إيجابيا جداً، حاولى %80 من العاملين فى التعليم والصحة من النساء، ويؤكد ذلك أيضا أن عزة بوبى هى والى ولاية بجدور.
الطاقة الشمسية
الوالى تحدث معنا عن طرق الإنتاج فى الولاية وقال إن «الإنتاج يتطلب أشياء نفتقدها مثل التكوين المهنى، فضلا عن المواد الأولية، والكهرباء الناقصة، فهذه العوامل تؤثر على الإنتاج، ولدينا قدر من المزارع فى سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتى، خاصة فى الخضار»، لكنه أشار إلى أن الولاية تغلبت على أزمة الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية التى تراها منتشرة فى شوارع الولاية، حيث تستخدم فى الإنارة داخل الخيام والمنازل.
فى الولاية قمنا بزيارة مستشفى يستقبل المرضى، وهو مجهز بتجهيزات بسيطة وفرتها منظمات إعانة دولية، ومنها انطلقنا إلى محطة مياه الشرب، حيث تتولى الولاية توزيع المياه على السكان وفق حصص تأخذ فى الاعتبار عدد أفراد كل أسرة، لكن الوالى أكد لنا أنه رغم محدودية مياه الشر فى الولاية فإنه لا يوجد صحراوى يبيت عطشان، ومنها ذهبنا إلى مركز حرفى صغير للسيراميك والمشغولات اليدوية، ومن بعده زرنا المركز الثقافى لولاية العيون، وشاهدنا عرضا للرقصات التقليدية أدتها فرقة العيون، وكان لافتا لى شخصيا أن عددا من أعضاء الفرقة كانت لديهم رغبة فى أن يعرضوا فنونهم فى القاهرة، خاصة أن لديهم تراثا فنيا يستحق الإشادة، وسيتعلق به المصريون فور أن يروه"
-------------------------------------------------------------------------------------------
ودائما مع صحيفة "اليوم السابع" التي نسبت إلى سفير المغرب في القاهرة تصريحات يقول فيه " النزاع مغربى جزائرى والتاريخ لا يوجد به مكان للكيان الصحراوى.. محمد سعد العلمى: نحن نتألم لأن ما يحدث فى هذه المخيمات وضع مفتعل لخلق نزاع لم يكن موجودا فى أى وقت كان"
فى 27 فبراير 1976 أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب المعروفة باسم البوليساريو، قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وأعلنت فى بيان تأسيس جمهوريتهم.
انتهى البيان لكن لم تنته المشكلة أو القضية، بل إنها بدأت، فالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التى تقع شمال غرب أفريقيا، على ساحل المحيط الأطلسى، ويحدها من الشمال المملكة المغربية ومن الشمال الشرقى الجزائر ومن الشرق والجنوب موريتانيا، لازالت محل خلاف ونزاع وصل إلى الأمم المتحدة التى أرسلت بعثة إلى الأراضى الصحراوية لعلها تصل إلى حل، لكن الحل لم يأت بعد، فالصحراويون يعتبرون أن هذه الأرض ملك لهم وهى دولتهم، أما المغرب فإنها ترى الجمهورية الصحراوية هى جمهورية وهمية، وأن الخلاف ما هو إلا نزاع مغربى جزائرى.
فى المخيمات التقيت غالبية المسؤولين عن الجمهورية الصحراوية التى تحظى بعضوية الاتحاد الأفريقى ونالت اعترافا من عدد من الدول أبرزها الجزائر وموريتانيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا ودول لاتينية، وبعد العودة إلى القاهرة كان واجبا الاستماع لرأى المغرب فى القضية، خاصة أنه الطرف الأبرز فى الأزمة، فذهبت إلى محمد سعد العلمى سفير المغرب لدى مصر الذى بدأ حديثه بسؤال، هل من رأيتهم فى مخيمات تندوف هم فعلا سكان المخيمات ممن يرجعون فى أصولهم إلى قبائل الساقية الحمراء ووادى الذهب، أم أنهم ينتمون لأصول ترجع لمنطقة الساحل من موريتانيا ومالى؟، واستكمل حديثه بقوله «إذا كانوا فعلا هم لاجئون فهناك قانون دولى لحماية اللاجئين، فلماذا ترفض الجزائر ومن فى المخيمات أن تتدخل المندوبية السامية لشؤون اللاجئين لإحصاء المتواجدين فى هذه المخيمات، والتعرف على عددهم وانتمائهم، خاصة أن هذه هى المنطقة الوحيدة فى العالم التى لا تعرف المفوضية أى معلومة عنها».
لم يكتف العلمى بذلك وإنما أضاف «هم يستغلون المخيمات للحصول على دعم سياسى ومادى ومعنوى، وهناك فضائح فى الاتجار بالمعونات من جانب قادة البوليساريو»، موضحا «نحن فى المغرب نتألم لأن ما يحدث فى هذه المخيمات هو وضع مفتعل من أجل خلق نزاع لم يكن موجودا فى أى وقت كان، فالدولة المغربية استمرت كدولة مستقلة إلى بداية القرن العشرين حينما خضع المغرب للحماية الفرنسية عام 1912، والاحتلال الإسبانى فى أجزاء من أقاليمه، مما أدى إلى تمزيق المغرب وحدوده لدوره الأساسى فى حماية الإسلام، وأنه ظل صامدا فى وجه الغزوات إلى أن انتهى الأمر بفرض الحماية عليه، وقبل ذلك كان المغرب يمتد ليشمل حكمه شمال أفريقيا والأندلس، وحتى فى فترات تقلص الحكم المغربى فإن حدوده كانت معروفة وواضحة بوثائق ومعاهدات دولية».
وأكد العلمى على وجود وثائق تضبط الحدود بين المغرب والجزائر منذ العثمانيين، ولم يكن هناك كيان آخر بينهم، فى إشارة إلى الجمهورية الصحراوية.
وأشار سفير المغرب لدى القاهرة أنه «كانت هناك تدخلات للمغرب لدى الأمم المتحدة، لأن المغرب نقل القضية من منظمة الوحدة الأفريقية التى أخذت موقفا غير مبرر من القضية بقبول جمهورية وهمية دون أن يتم حق تقرير المصير، وهذا هو سبب انسحاب المغرب من المنظمة لوجود تآمر كانت تقف وراءه الجزائر، فالمغرب هو الذى سعى لرفع القضية للأمم المتحدة وكانت هناك قرارات لإجراء استفتاء حق تقرير المصير، لكن بعثة الأمم المتحدة لم تتمكن من إجرائه لعدة أسباب، منها صعوبة التعرف على هوية من ينبغى أن يصوتوا فى الاستفتاء، فكل طرف تمسك برأيه إلى أن وصلت الأمم المتحدة لقناعة بصعوبة إجراء الاستفتاء، وقالت إنه لابد من حل سياسى للمشكلة، وهنا تجاوبت المغرب مع الأمم المتحدة وتقدمت فى عام 2007 بمبادرة من الملك حظيت بتأييد كل القوى السياسية المغربية على أساس أنها الحل لحفظ كرامة الجزائر فى الأزمة، وهذه المبادرة تعطى لساكنى الصحراء صلاحيات واسعة، واقترح الملك فى عام 2007 مبادرة الحكم الذاتى فى الأقاليم المغربية الجنوبية، بما فيها إقليم الصحراء، ومنذ اقتراحها على مجلس الأمن وحتى اليوم، يصدر مجلس الأمن سنويا قرارا باعتبار المبادرة جدية، وأنها يمكن أن تكون حلا سلميا للمشكلة بموافقة الأطراف، لكن البوليساريو حتى الآن لم تقدم أى حل سياسى».
وأكد العلمى على أن المغرب مقتنع بأن النزاع فى الأساس مغربى جزائرى، مضيفا «نحن نؤمن دائما بأن الكيانات الصغرى لم يعد فى إمكانها أن تصمد، وعلى المغرب والجزائر وبقية دول المغرب العربى أن يتحدوا فى كيان واحد وهو اتحاد المغرب العربى».
ودلل العلمى على فكرة أن النزاع مغربى جزائرى بقوله الجزائر فى بداية السبعينيات بنت استراتيجية جهنمية، لما كان لديها من طموحات بعد الاستقلال أنها ستتولى الصناعة الثقيلة فى المغرب العربى، وأن تتولى المغرب الفلاحة، وتكون تونس مسؤولة عن الخدمات، لذلك كانت البداية الجزائرية الخاطئة القائمة على رؤية الهيمنة والقيادة، وبنت الجزائر أطروحاتها على ثلاث فرضيات، الأولى: أن النظام الملكى فى المغرب ضعيف وأنه لن يصمد أمام الجزائر، والثانية: أنها توجهت إلى إسبانيا للتحالف معها باعتبار أن إسبانيا هى النظام الحاكم فى بداية السبعينيات لمنطقة الصحراء، وتوطدت العلاقة بالفعل بين النظام الجزائرى ونظام الجنرال فرانكو، وفى الثالثة: حاولت الجزائر أن تبنى وتعمق من الخلاف المغربى الموريتانى وعملت على توسيعه، وهو ما كشف عنه الرئيس الموريتانى السابق ولد داده الذى قال فى مذكراته إن بو مدين احتجزه وهدده لكى يكون معاديا للمغرب.
وأضاف سفير المغرب « لكن فى 1975 وبعد عرض القضية على محكمة العدل الدولية، وأدلت برأى استشارى بأن هناك روابط بين المغرب والصحراء، ثم حدثت تطورات أخرى فتم الإعلان عن المسيرة الخضراء التى قادها ملك المغرب الحسن الخامس، وهذه المسيرة خلقت حماسا قويا داخل المغرب، وأعادت للنظام شعبيته وأصبحت القضية الصحراوية قضية توحدت حولها المغرب، كما أنه فى نوفمبر 1975 توفى فرانكو وتولى خوان كارلوس الحكم فى إسبانيا فسقطت ورقة ثانية من يد الجزائر، كما أن المغرب لجأ للاتفاق مع موريتانيا حتى يقطع الطريق الأخير أمام الجزائر».
وفي صحيفة اليوم السابع: الأحد، 13 يوليو 2014 - 13:08
«عجباً» كلمة خرجت بتلقائية من فم مواطن صحراوى اسمه بشارى سعيد، أول ما علم بوجود وفد مصرى يزور مركز ضحايا الحرب والألغام، فهو كما قال يحب مصر، لكنه يتعجب لأنه لم ير مصريا وحيدا زار مخيمات الصحراويين منذ أربعين عاماً.
بشارى الذى يقيم فى مركز ضحايا الحرب والألغام منذ إصابته بلغم نهاية 1981، وأصيب بشلل نصفى بالجزء السفلى حينما كان يقاتل، بعد أن تعجب لوجودنا عاد وقال: «مصر وصلت إلينا»، مستطرداً حديثه وهو جالس على سرير مرضه وأمامه التليفزيون «أنا أتابع كل ما يحدث فى مصر، وكنت سعيدا عندما أطاح المصريون بمرسى، أنا لم أخف على مصر لأن شعبها مثقف».
ما قاله بشارى بتلقائية عن ارتباطه بمصر وحبه لها يكاد يكون هو المشترك الثانى بين الصحراويين، بعد المشترك الأول وهو تتوقهم للاستقلال وعودتهم لأراضيهم، وظهر ذلك جلياً حينما زارنا محمد عبدالعزيز رئيس الجمهورية الصحراوية.
عبدالعزيز أضاف: «نتطلع أن يكون لانبعاث دور مصر إسهام فى أن يستعيد الصحراويون حقوقهم، ونحن لسنا أنانيين ولا نريد شيئا على حساب المغرب، وإنما نحمل للمغرب كل التقدير والحب كشعب، ونريد أن نبنى مستقبلا مع المغرب كما مع موريتانيا والجزائر، لكن فى ظل الاحترام المتبادل والسلم وحسن النية، ومصر لها علاقات مع دول المنطقة ويمكن أن تلعب دورا، ونتطلع لأن يكون لها علاقات مع الجمهورية الصحراوية، لأنه من الممكن أن تلعب دورا جيدا حينما يكون لها علاقات جيدة مع الشعبين، ونتطلع إلى اليوم الذى يكون لنا سفارة فى القاهرة وأن يذهب طلابنا للدراسة فى مصر، وأن يدرس الأساتذة المصريون الكثيرون للطلبة والتلاميذ الصحراويين سواء اليوم أو بعد الاستقلال، كما نتطلع لعلاقة جيدة مع الجيش المصرى وأن يستفيد الضباط الصحراويون من الخبرة المصرية، وأن مصر العظيمة والكبيرة تأخذ بيدنا لأننا ما زلنا طفلا صغيرا فى مرحلة تعلم المشى والكلام».
وأكمل الرئيس الصحراوى رسالته إلى مصر بقوله: «مصر أخدت بيد كثيرين عربياً وأفريقياً ونرى أن هذا حقنا تجاه مصر ونطالب به، وهذا ليس عداء للمغرب، فكثير من البلدان لها علاقات جيدة مع المغرب ومعنا مثل الجزائر، ونيجيريا وجنوب أفريقيا فهناك سفارة للمغرب وللجمهورية، وكذلك كينيا والمكسيك وفنزويلا وكثير من بلدان العالم، لذلك ما نراه بالنسبة لنا غير مقنع أن يحتكر المغرب وحده علاقته بمصر، وأن يغلق أبوابنا مع مصر لأننا لنا حق فى مصر الدولة الكبيرة العربية التى أثرت كل الشعوب العربية والأفريقية واستفادوا منها».
وتحدث محمد عبدالعزيز عن علاقته بالفريق الراحل سعد الدين الشاذلى، وقال: «زارنا الفريق الشاذلى فى فبراير 1979، زارنا فى وقت كان الجيش المغربى يشن هجوما علينا وقت أن كنا نحتفل بالذكرى الرابعة لإنشاء الدولة، زارنا فى المخيمات، وخلال هذه الأيام انتهينا من عمليات كبيرة ورأى غنائم كبيرة جداً وأعداداً مهمة من الأسرى المغاربة، ووقتها تأثر الشاذلى بثلاثة عناصر هى كيف فى هذه الصحارى لا يوجد بها مياه ولا غابات ولا جبال تستطيع إقامة حرب عصابات أمام عدو لديه طيران، والثانى كيف استطاع المقاتل الصحراوى أن يتحكم فى الأرض، ويتحرك بالسيارات دون أن يحتاج لدليل، وكان يتساءل: لماذا المغرب لا يتعامل بطريقة أخرى مع ملف الصحراء الغربية دون الزج بجيش عربى ضد شعب عربى؟ وقبل أن ينهى زيارته نصحنى وقال إنه يخاف من شىء واحد وهو الطيران، وقال: فكر فى كيفية الوقاية من الطيران والأسلحة المضادة للطيران».
من الرئيس إلى زوجته خديجة حمدى، وزيرة الثقافة وعضو الأمانة الوطنية للبوليساريو، التى قالت «مشتاقين لمصر وشعبها وتابعنا فى الظروف الأخيرة الأحداث التى عاشتها مصر بشكل كامل لأنه بالنسبة لنا فإن مصر يجب ألا تسقط لأنها مهمة لنا مهما كان التباعد والجفاء الذى فرضته السياسة، زرت مصر فى 87 و89 وكانت بوابة خير، وخرجت بانطباعات سياسية عن عظمة مصر وشعبها، لأن شعبها مؤهل جداً، وقد توسمنا خيرا بالتغيرات التى حدثت بمصر أن تؤدى لانفتاح سياسى وإعلامى مصرى على القضية الصحراوية».
أما عبدالقادر طالب عمر، الوزير الأول، ورئيس الحكومة الصحراوية فقال: «إن مصر تاريخ وعلاقات، هى بلد محورى فى الشرق الأوسط والعرب، وأعتز بأى اتصال بإخواننا فى مصر ونعول عليهم فى الكثير من المجالات بما لديهم من رصيد كبير يستطيعون تقديمه للشعب الصحراوى»، مؤكداً «نحن متمسكون بعروبتنا وإسلامنا وللأسف العرب أعطونا ظهرهم واحتضنتنا أفريقيا وقوى أخرى، لكن نحن ما زلنا محافظين على هويتنا الثقافية ولسنا مثل آخرين نصطنع هويات للتقرب من الآخرين، ورهاننا الحالى على مصر والسيسى برؤيته وشجاعته أن يتخذ الموقف السليم الذى لم يسبق من سبقوه أن اتخذوه، وأن يؤيد موقفنا باحترام الحدود الموروثة من الاستعمار وأن تقف مصر إلى جانب الحق».
إبراهيم محمد محمود، مدير المخابرات بالجمهورية الصحراوية، له رؤية مختلفة عن إمكانية التعاون بين بلده ومصر، وقال: «نحن عضو مؤسس للجنة الأجهزة الأمنية والمخابرات الأفريقية وهناك مكتب لشمال أفريقيا تتولى رئاسته فى الوقت الحالى مصر، ونلتقى مع الأشقاء فى مصر ونتبادل الأفكار، وعلى مستوى المخابرات المصرية لديهم دراية بموقف الدولة الصحراوية وسياستها بالمنطقة، كما نلتقى مع مسؤولى المخابرات المصرية، وآخر شىء مدين به لمصر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الوضع فى الصحراء الغربية، الذى سلمناه للمسؤولين المصريين خلال اجتماع بالعاصمة الإثيوبية فى أديس أبابا فى مايو 2014».
التعاون الأمنى بين مصر والجمهورية الصحراوية هو ما يبحث عنه مدير مخابرات الجمهورية الصحراوية، خاصة حينما سألته عن إمكانية التنسيق بينهم وبين مصر وليبيا وموريتانيا والجزائر ومالى لضبط ومكافحة الإرهاب فى الصحراء، فقال: «نعمل فى إطار الاتحاد الأفريقى من خلال لجنة المخابرات، ونحن أعضاء فى المركز الأفريقى للدراسات ومكافحة للإرهاب بالجزائر وهو تابع لمجلس السلم والأمن الأفريقى ولديه علاقات مع الاتحاد الأوروبى الذى يساهم فى تمويل برامجه، ولدينا علاقات ثنائية مع دول أوربية خاصة أنهم يعلمون أن لنا تجربة فى الصحراء فى مجال مكافحة الإرهاب».
الصحراويون يتباهون بنضالهم ضد إسبانيا وغنائمهم من المغرب..وزير الدفاع: لا نتمنى إراقة الدماء مع المغاربة لكن بقاء حالة اللاحرب واللاسلم مستحيلة ونحن مستعدون للحرب
اليوم السابع: الأحد، 13 يوليو 2014 - 13:09
يوسف أيوب
لأول مرة أحضر عرضا عسكرياً، كان ذلك فى مخيمات اللاجئين، فى العرض الذى نظمه وزير الدفاع الصحراوى محمد الأمين البوهالى فى قاعدة الشهيد الحنفى، على شرف زيارة الوفد الإعلامى المصرى، ووفد من مجلس الشيوخ الكولومبى، حيث اصطف جنود صحراويون أمام آليات عسكرية وبعد ذلك كان لنا جلسة نقاش مطولة مع وزير الدفاع بحضور يوسف أحمد، عضو الأمانة الوطنية، مدير المحافظة السياسية للجيش الصحراوى، ومحمد الدت، عضو الأركان العامة للجيش، ومحمد أحمد، عضو الأركان، ومحفوظ الزين، عضو الأركان العامة للجيش.
فى البداية قال البوهالى، إن الشعب الصحراوى ما زال شعبا متماسكا، كلهم مسلمون، ومن الناحية السياسية يوجد خط واحد سياسى يربط بينهم وهو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب «البوليساريو» التى يلتف حوله الصحراويون، وتحدث عن الجيش المغربى وقال: «نحترمه لأنه من أقوى الجيوش فى شمال إفريقيا، فبداية كفاحنا المسلح ضد إسبانيا عام 1972 وبعد سنة من الكفاح أصبحت المغرب تتحدث وكأنها وصية على الصحراويين، واعتبروا أن الصحراء جزء من المغرب، وبعد ذلك كانت هناك مؤامرة خبيثة أنه عندما قررت إسبانيا التفاوض بعد فتوى العدل الدولية بحق تقرير المصير باعتباره الحل لأن الصحراويين لديهم تنظيم سياسى وكفاح مسلح وله حق يدافع عنه، بدأت المناورات المغربية الموريتانية واتفقوا مع إسبانيا على تقسيم الصحراء لقسمين بين المغرب وموريتانيا، إلى أن انسحبت موريتانيا وبقيت المغرب».
وتحدث البوهالى عن المعارك العسكرية التى قام بها جيشه، وقال: «يكفى أن أشير إلى كتاب «ضباط جلالة الملك»، الذى ألفه محجوب الطوبجى، كومندان مغربى متقاعد، تطرق فيه لمواقع كبار الضباط وصراعاتهم وتسابقهم على مراكمة الثروات، كما تحدث فيه عن المعارك العسكرية المغربية ضد الصحراويين»، موضحاً «أى مقارنة بين قواتنا والقوات المغربية لا توجد، فالمغرب تمتلك أسلحة متطورة ودبابات روسية وأمريكية وناقلات الجنود الأمريكية m113 وطائرات بجميع الأصناف وحديثة، لكن الله سبحانة وتعالى خلق لكل شىء سببا، فنحن ما صنعنا جيش نظاميا وإنما جيشا خفيفا فى المراحل الأولى، والآن نستعمل معركة يومية ونعد لمعركة قائمة طالما أن الجدار العازل قائم».
وأضاف وزير الدفاع الصحراوى: «لا أنا أو زملائى نتمنى القتال مع المغاربة ولا إراقة الدماء سواء من المغاربة ولا الصحراويين، لكن الشىء الذى يجب أن يفهموه أن الصحراويين لن يبقوا خارج أرضهم إلى ما لا نهاية، فبقاء حالة اللا حرب واللا سلم مستحيل، وبالتأكيد المرحلة إذا طالت سينفد الصبر، ونحن مستعدون للحرب».
ونفى وزير الدفاع الصحراوى أن تكون الجزائر هى المتحكمة فى قرار الحرب مع المغرب، وقال: «الجزائر لا تملك تحديد الحرب، وإنما نحن من نحدد»، موضحاً أن «الخيارات إما الحل أو الرجوع للحرب، والأمم المتحدة حددت لأول مرة أجلا وهو 2015، لكن عندما تظهر الأمم المتحدة عاجزة عن إيجاد حل لن يكون أمامنا- أبداً- الانتظار».
أما إبراهيم محمد محمود، مدير المخابرات فتحدث معنا عن «كتابة الدولة للأمن والتوزيع» وهو اسم جهاز المخابرات لدى الصحراويين، وقال إنها مؤسسة حديثة النشأة وبمثابة وزارة وهى تمثل للمساءلة أمام البرلمان لتقديم برنامجها، وهذا نوع من الشفافية فى العمل، وهى تجربة فريدة على الأقل فى العالم العربى وأفريقيا أن جهاز مخابرات يمثل أمام البرلمان فى أى شىء.
وتحدث إبراهيم محمد محمود عن الأوضاع المتوترة فى الإقليم، وقال: «إن الأوضاع فى المنطقة بها توتر لأسباب مختلفة خاصة فى المغرب العربى، فمنذ سنوات بدأت تطفو على السطح مخاطر تكاد تهدد كل الدول منها على سبيل المثال، المخدرات ومحور الكوكايين القادم من كولومبيا، والقنب الهندى القادم من المغرب التى تعد المنتج الأول للقنب الهندى فى العالم، والقنب خطير لأن عصابته رسمياً تخصص 10% من أمواله للأنشطة الإرهابية»، مشيراً إلى أن انهيار دولة ليبيا هو أحد مصادر الخطورة فى المنطقة، بسبب مخزون الأسلحة الذى تدفق من ليبيا نحو الدول المجاورة، معتبرا أن هذه المخاطر الأمنية كانت النافذة التى رجعت من خلالها فرنسا بعد خروجها فى الستينيات من منطقة المغرب العربى وخاصة فى مالى.
وأشار مدير المخابرات الصحراوى إلى أن من ضمن عناصر التوتر أن المغرب تسير بنفس العقيدة التوسعية وتصدير الأزمة للخارج، فهى كما قال «بدأت التصرف فى المنطقة من خلال الملك أمير المؤمنين وبدأت المخابرات المغربية تتحرك من خلال الصندوق الأسود الذى يجمع أموال المخدرات، ولمصلحة ما للمغرب خلقت أزمة على الحدود الجزائرية ممثلة فى الأزمة الصحراوية».
كما أن موريتانيا فى 2005 شهدت تصعيداً فى الإرهاب الآتى من شمال مالى، لذلك فإن المنطقة كلها أصبحت أمام هذا الغليان وأصبح الأمن له الأولويات فى سياسات الدول».
وشدد إبراهيم محمد محمود، على أن «الجيش المغربى هو العدو الوحيد للصحراويين، ففى 22 أكتوبر 2011 تم اختطاف الرهائن الأجانب من الأراضى الصحراوية، وهذ الأمر كان خطيرا، وتساءلنا: من المستفيد من الخطف وزعزعة الوضع فى الصحراء خاصة بعد أن تبرأ تنظيم القاعدة من العملية؟ إلى أن ظهرت حركة التوحيد والجهاد فى أفريقيا التى قامت بتفجير فى الجزائر واختطاف قنصل الجزائر فى مالى، وفى نهاية 2011 وبعد تحريات ومعلومات تمكنا من توقيف مجموعة تمتهن المخدرات ومنها عناصر مشبوهة وتم توقيفهم على التراب المالى وبعد استجوابهم حصلنا منهم على عنصر متورط فى الاختطاف، ومن خلاله حصلنا على معلومات أن مؤسسى الحركة هم أباطرة المخدرات والهجرة السرية، وبعضهم له علاقات مباشرة بالمغرب، فتوصلونا إلى أن الحركة من صنع المخابرات المغربية». وشدد مدير المخابرات الصحراوية على أن «الحرب هى الحرب، والمغرب دخلت حربا قذرة باستعمال المخدرات والإرهاب وترويج دعاية أن البوليساريو مخزون للإرهاب والمخدرات فى محاولة للنيل من كفاح الشعب الصحراوى، وهذا شىء وعينا له ولدينا رهاننا بإثباتنا للعالم أن الشعب الصحراوى متسامح وبعيد عن التطرف، ويحترم الآخر وبعيد عن الإرهاب والمخدرات وتطلعنا لأن نكون عنصر استقرار فى المنطقة وليس تهديد»، مشيراً إلى أن «هذه الأوضاع فرضت علينا جهودا، منها محاربة الجريمة المنظمة ومواجهة التطرف من «أشرطة» وخطب دينية ومضاعفة المجهود الأمنى لحماية المخيمات والأجانب، خاصة أنه سنوياً يزورنا من 5 إلى 7 آلاف أجنبى فضلاً عن إقامة الفعاليات السنوية التى تعقد على الأراضى الصحراوية. وأكد إبراهيم محمد محمود أن «مفهوم الأمن عندى أنه ليس أمن رئيس أو حكومة أو نخبة سياسية معينة وإنما أمن الشعب، ولدينا شعار أن الجماهير الواعية أهم من المؤامرات الاستعمارية لذلك نقوم بمجهود لتوعية الشعب».
المصادر: الاهرام، المسائي، و الصياحي، و مجله الاهرام، العربي، روزا اليوسف، المصري اليوم اخر ساعة الاخبار و اليوم السابع