ماذا لو بدأت المعارضة مسار التوافق و الاصلاح بنفسها ؟ ماذا لو استيقظت من سباتها ، و تجاوزت خلافاتها و انقساماتها الداخلية ؟ ماذا لو استعادت زمام المبادرة السياسية ، و أطلقت الدعوة إلى حوار بين أقطابها تمهيدا لحوار وطني شامل مع كل الفعاليات المجتمعية و المدنية دون عزل أو إقصاء حول جدول أعمال محدّد يتضمن مُجمَل القضايا الوطنية المطروحة ، و أهمّ الأهداف التي يتعيّنُ على الموريتانيين الأوفياء تحقيقها في المرحلة الرّاهنة ؟
ماذا لو تنادت المعارضة اليوم أو غدا إلى جلسات تشاور و تواصل بين أقطابها الثلاثة : المنتدى و المعاهدة و مؤسسة المعارضة الديمقراطية ؟ ماذا لو اجتمعت هذه الأقطاب في جلسات عمل و مصارحة و مصالحة تصفو فيها القلوب ، و تُحط فيها الذنوب ، و يتعانق فيها القادة و الزعماء ، و يتمّ فيها التوافق على الحد الأدنى ممّا هو مرجو لإنقاذ البلد و إخراجه من أزماته المركّبة ؟
ماذا لو خرجت علينا المعارضة بخطة عمل توافقية ؟ و ماذا لو أعلنت لنا عن تأسيس هيئة تنسيق و عمل تُعنى بمتابعة ملف الحوار الوطني ، ثمّ وجّهت الدعوة للأطراف السياسية و المدنية الأخرى الرّاغبة في المشاركة إلى الانضمام إليها ، بما في ذلك الحكومة... إيذانا ببدء مرحلة جديدة من العمل النوعي و يتخطّى المصالح الفردية و الحسابات الضيقة ، و يضع المصلحة العليا للوطن فوق كلّ اعتبار ؟
سيقول قائل : "أضغاث أحلام " . و لكنّي على يقين بأنّ المعارضة قادرة على الاضطلاع بهذا الدور في ظلّ تراجع الحكومة عنه ، و بأنّ الآراء و المواقف التي تخلص إليها أطيافُها مهما كانت مختلفة في تفاصيلها ، فإنها تبقى في حدود التحليل و الاجتهاد القابل للرّد و النقاش و الاعتراض و المداولة العلمية...و هي في النهاية متقاربة جدّا في خطوطها العريضة و عناوينها الكبيرة...فالمسألة داخل المعارضة ليست ، بالأساس ، مسألة فكرٍ أو سياسةٍ أو برامج...