باسم المكتب التنفيذي، للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، وباسمي الشخصي, يسعدني أن أرحب بكم وأشكركم على تلبية دعوتنا لحضور هذه الجمعية العمومية، المخصصة لتجديد هيئاته المنتهية مأموريتها وكذلك لتقديم تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال تلك المأمورية، وهو ما درج المرصد على القيام به منذ تأسيسه سنة ٢٠٠٣، انسجاما مع أهدافه الراسخة المتمثلة في حماية حقوق الإنسان في مختلف أبعاده والنهوض بها، تربية ورصدا ومؤازرة ومناصرة.
لا يفوتني أن أشير بداية, إلى أن الشريعة الاسلامية كانت السباقة في تقرير حقوق الانسان، دون ضغوط وطنية ولا إقليمية ولا عالمية، ولعل القارئ للقرآن الكريم سيجد المئات من الآيات القرآنية الكريمة التي تقرر حقوق الإنسان على أكمل وجه، فالحقوق التي يقررها الإسلام ليست منة من حاكم, او منظمة وإنما هي حقوق أزلية فرضتها الإرادة الربانية فرضا, كجزء لا يتجزأ من نعم الله على الإنسان, حين خلقه في أحسن صورة وأكمل تقويمه. فقد اقر الاسلام مبدأ الحرية والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين، وكفل الاسلام بان يكون لكل انسان مأوى او مسكن آمن، وكان للاسلام الفضل في تقرير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, فقرر حق الملكية وحق التجارة وحق العمل، كما اقر حق الإنسان في الحياة وحقه في التنقل داخل البلد وخارجه، واقر حق التعليم وحرية العقيدة وحق الحماية من تعسف السلطة وغيرها من الحقوق الأخرى، وهناك العديد من النصوص التشريعية الاسلامية التي لا تحصى, اكدت ضمان حقوق الانسان وحمايتها وعدم المساس بها.
إن وضعية حقوق الإنسان بموريتانيا خلال السنوات الاخيرة، كما رصدها هذا التقرير، الذي أعددناه بناء على ما تحصل لديها من معلومات ومعطيات، سواء عبر الرصد المباشر للانتهاكات من طرف نشطائنا، أو من خلال ما تنشره وسائل الإعلام ومراكز البحث بصفة عامة؛ قد تميزت باستمرارية الخروقات مع استفحالها، كما اتسمت بتواصل استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، ذلك الاستهداف الذي ما يزال مستمرا إلى يومنا هذا من خلال المضايقات والاعتقالات والمحاكمات، تلك الممارسات التي تفند كل خطاب حول إصلاح العدالة واستقلال السلطة القضائية؛ الأمر الذي أضحى ملحوظا مفضوحا لا تخفيه أباطيل المغالطات ولا أراجيف المزاعم والادعاءات.
هذا التقرير يتضمن وضعية مختلف أصناف الحقوق التي واكبها المرصد حسب مجموعة من المجالات، موزعة علي ثلاثة محاور هي : المحور التشريعي والمؤسساتي، الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو لا يزعم تغطية كافة الانتهاكات الممارسة، بوصفها حقوقا للإنسان، إلا أنها كافية لرسم الملامح العامة التي طبعت سلوك الدولة في هذا المجال، ومدى اتساق سلوكها ذاك مع احترامها الواجب للحقوق والحريات التي التزمت بها وطنيا ودوليا.
أولا: على المستوى التشريعي والمؤسساتي:
تميزت هذه الفترة، من بين ما تميزت به، بأزمة سياسية عميقة منذ إنقلاب ٢٠٠٨ خلقت جدلا واسعا حول مدي تنفيذ المقتضيات الدستورية، كما أن "الحوار الوطني" حول إصلاح بعض المجالات جرى دون الإشراك الواسع للقوي السياسية أوالمنظمات الحقوقية او المركزيات النقابية الفاعلة، وفرض هيمنة أجهزة الدولة على مفاصل هذا الحوار مع التحكم فيها مسبقا.
ومن جهة أخرى عرف ضعفا ملحوظا في تطبيق مخرجات ذلك الحوار، فيما سجل كذلك استفراد الجهاز التنفيذي بتقديم القوانين، في حين لم تحظ مقترحات مشاريع القوانين المقدمة من الجهات المعارضة باي أهمية، مما يظهر أن وظيفة البرلمان التشريعية تتوارى إلى الخلف على حساب مبادرات الحكومة وهيمنة الجهاز التنفيذي على مجال التشريع.
وكالعادة يستأثر مشروع القانون المالي لكل سنة بأهمية كبيرة، خصوصا في ظل استمرار عادة الميزانيات المعدلة، والأزمة الاجتماعية، والعجز عن محاربة الفساد المالي؛ واقتصر دور المجلس التشريعي علي مهام شكلية، و قبول كل ما تقدمه الحكومة دون كبير تعديل أو عميق مراجعة، ولم تكن الغرفة الثانية أحسن حالا من الغرفة الأولي.
1) الدستور:
بالرغم من إدراج عدد من الحقوق والحريات المدنية والسياسية في الدستور أو التوقيع عليها من طرف الدولة، كتجريم التعذيب، والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وتأكيده على جملة من الحقوق لاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن تأثير ذلك في الواقع ظل محدودا، نظرا لعدم توفر الضمانات والآليات الدستورية والقضائية والمؤسساتية الضرورية وكذلك الإرادة الضرورية لمنح هذه الحقوق وضمان حمايتها وعدم إفلات منتهكيها من العقاب.
أما التعذيب فلا يزال وسيلة عقابية في السجون الموريتانية لانتزاع الاعترافات، شمل كافة السجناء من كافة الأعمار، وبغض النظر عن مكانتهم، والتهم الموجهة إليهم، مما يبرهن أنه سلوك أصيل لدي القائمين علي السجون، وقد حصد هذا السلوك الاجرامي، والاهمال الممنهج للسجناء، عشرات الأرواح في السجون ( سجن دار النعيم والسجن المركزي )، وكل هذه الأمور موثقة في تقارير صادرة عن منظمات دولية ومحلية، علي رأسها منظمة العفو الدولية، ونحن في المرصد أبلغنا بحالات تعذيب موثقة بالصوت والصورة شملت الضرب بصفة منتظمة، بما في ذلك الضرب بالعصي علي الايدي والظهر مع تقييد اليدين والقدمين خلف الظهر، ووضع قضيب حديدي بين الركبتين والتعليق، وآخر ضحية لهذا السلوك هو السجين السلفي السالك ولد الشيخ المحكوم عليه بالإعدام والذي دخل في إضراب عن الطعام منذ ٣١ مارس المنصرم إحتجاجا علي سوء المعاملة والظلم الممارس عليه.
وفي مجال الاسترقاق، وعلي الرغم من اعتماد قوانين تجرم الرّق، وإنشاء محكمة خاصة في ديسمبر 2013 للنظر في قضايا الرّق، فقد ظل التنفيذ ضعيفا، فمابين 2010-2014 أحيل ما لا يقل عن ستة قضايا متعلقة بالرق إلي المدعي العام، ولم يبت في أي منها حتى يومنا هذا.
2) اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان:
وبخصوص اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان المؤسسة في سنة ٢٠٠٦، فإنها لم تستخدم بعد كل الصلاحيات المخولة لها، لمتابعة ورصد الانتهاكات المستمرة في مجال الحقوق المدنية والسياسية، ولم يسجل لها موقف قوي وحازم، لاسيما في مواجهة الاعتداءات والاعتقالات والمحاكمات المسيّسة، التي ما انفك يتعرض لها المعارضون وناشطوا حقوق الإنسان، والتجاهل المتكرر لمطالب ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل ويلاحظ عليها أحيانا تماهٍ مع خطاب السلطة؛ فهي مطالبة بإصدار التقارير الموضوعية لاطلاع السلطة علي مواطن الخلل وسيل الانحرافات في مجال حقوق الإنسان، وينبغي أن يعزز ذلك بإصدار توصيات ترفق بتلك التقارير ومتابعتها حتى يتم تنفيذها.
ثانيا: الحقوق المدنية والسياسية:
1)- الحق في الحياة الكريمة والأمان الشخصي :
نص الدستور الموريتاني في ديباجته على الحريات والحقوق الأساسية للإنسان التي أقرتها المواثيق الدولية وتضمنتها الرسالات السماوية.
ويشير النص في الصياغة إلى أهمية بناء المؤسسات الضامنة للحريات والحقوق عبر سيادة القانون النابع من إرادة المجتمع. يقول:" ونظرا إلى أن الحرية والمساواة وكرامة الإنسان، يستحيل ضمانها إلا في ظل مجتمع يكرس سيادة القانون، وحرصا منه على خلق الظروف الثابتة لنمو اجتماعي منسجم، يحترم أحكام الدين الإسلامي، المصدر الوحيد للقانون، ويتلاءم ومتطلبات العالم الحديث، يعلن الشعب الموريتاني على وجه الخصوص الضمان الأكيد للحقوق والمبادئ التالية:
• حق المساواة
• الحريات والحقوق الأساسية للإنسان
• حـق الملكيـة
• الحريات السياسية والحريات النقابية
• الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
المادة 10:
تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص:
• حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية؛
• حرية دخول التراب الوطني وحرية الخروج منه؛
• حرية الرأي وحرية التفكير؛
• حرية التعبير؛
• حرية الاجتماع؛
• حرية إنشاء الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة سياسية ونقابية يختارونها؛
• حرية التجارة والصناعة؛
• حرية الإبداع الفكري والفني والعلمي.
لا تقيد الحرية إلا بالقانون.
ونصت المادة 11:
• في إطار الحريات السياسية على أن الأحزاب والتجمعات السياسية تساهم في تكوين الإرادة السياسية والتعبير عنها. و هي حسب هذه المادة " تمارس نشاطها بحرية، شرط احترام المبادئ الديمقراطية، وشرط أن لا تمس من خلال نشاطها بالسيادة الوطنية والحوزة الترابية ووحدة الأمة والجمهورية".
• وفي علاج الدستور والقوانين الموريتانية لواقع ممارسة الاسترقاق ومخلفاته نصت المادة 13 (جديدة) على أنه: "لا يجوز إخضاع أي أحد للاسترقاق أو لأي نوع من أنواع تسخير الكائن البشري أو تعريضه للتعذيب أو للمعاملات الأخرى القاسية أو المهينة. وتشكل هذه الممارسات جرائم ضد الإنسانية و يعاقبها القانون بهذه الصفة.
بالرغم من كلما سبق سجل المرصد العديد من الخروقات التي طالت الحق في الحياة، والتي تتحمل فيها الدولة المسؤولية إما مباشرة أو بشكل غير مباشر؛ وذلك بسبب العنف الذي يمارس على المواطنين، في مراكز الشرطة، وفي الأماكن العمومية، وبالمراكز الصحية نتيجة الإهمال، وفي السجون نتيجة الاكتظاظ وغياب شروط السلامة الصحية وانتشار العنف، وفي بعض الاحتجاجات، وأثناء المظاهرات والوقفات الاحتجاجية،،،، إن هذه الانتهاكات تكررت مرات عديدة من طرف السلطات الأمنية، بمختلف قواتها ووسائلها، وقد كان عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢ أسوء عامين من حيث حجم الانتهاكات والقمع، طال ذلك كل القوي الحية، طلاب المعهد العالي والجامعة، الحركات الحقوقية كلاتلمس جنسيتي وإيرا, الحركات الشبابية ( 25 فبراير وحركة الشباب الموريتاني)، وعمال الميناء، كما تعرض مقر المرصد في نفس الفترة لسرقتين بشكل كامل بما في ذلك الأوراق والوثائق, وبالرغم من كل ذلك ظل المسئولون عن هذه الانتهاكات يتمتعون بحماية تجعلهم بمنأى عن المتابعة والمحاسبة بل وتمت ترقية بعضهم مما يشكل تشجيعا لهم.
2) الاعتقال السياسي:
عرفت البلاد عشرات الحالات التي قضي أصحابها سنوات في السجن, قبل أن يخرجوا ببراءة كتعبير صارخ عن الاستهتار بحريات الناس، والأمثلة كثيرة نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر حالات احمد ولد خطري وملاي العربي ومحفوظ ولد آكاط ومحمد الأمين ولد داده ويحي ولد الوقف، وما يزال معتقلي إبرا بيرام ولد أعبيدي و إبراهيم ولد بلال وجيبي صو يقبعون في السجن لممارسة حقهم الطبيعي في التظاهر.
3) الاختفاء القسري:
ففي مجال الاختفاء القسري لدينا ١٤ سجينا سلفيا اختفوا قسرا لسنوات عدة قبل أن يعلن عن مكان اعتقالهم تحت ضغط المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، وهو السجن الذي قضي فيه السجين معروف ولد الهيبة، بسبب سوء المعاملة وتدهور صحته رغم التنبيه إلي ذلك قبل الوفاة من خلال بيانات واعتصامات أمام المستشفي العسكري في نواكشوط، ولا يسعني هنا إلا أن أشكر الزملاء في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، لما بذلوه من جهد لإعادة بعض البسمة إلي ذوي السجناء، من خلال متابعة هذا الملف وتدويله، حتى أرغمت السلطة القائمة علي الكشف عن مكان الاعتقال، وذلك بدعم ومساندة من زملائنا في المنظمات الدولية الصديقة، وخاصة منظمة الكرامة السويسرية التي تعهدت بحمله إلي كل الهيئات التابعة للأمم المتحدة، واستكتاب محامين دوليين لطرحه وبقوة في كل الدوائر المعنية، فلها منا كل الشكر والتقدير والامتنان.
4) أوضاع السجون:
حسب هيئة المحامين
فإن سجن دار النعيم المصمم أصلا لاستقبال ثلاثمائة سجين يؤوي الآن أكثر من ثمانمائة سجين. ومن الواضح، نتيجة لهذا الاكتظاظ أن نزلاء هذا السجن مجمّعون ومكدسون بشكل غير لائق في عدد صغير من الأجنحة, وأن قلة عدد الحراس, وسوء حالة البني التحتية, أرغمتا المسئولين على هذه الوضعية المزرية.
وعلاوة على ذلك، لوحظ خلال مهمة الانتداب أن تحويل السجناء إلى الأجنحة لا يخضع لأي منطق. وهكذا نجد في سجن دار النعيم في نفس الجناح مجرمين خطيرين وأشخاصا تم اعتقالهم بسبب الديون المدنية أو غيرها من المخالفات البسيطة. يجب أن يتم فصل صارم بين النزلاء طبقا لوضعهم، مثل المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم لأسباب غير جنائية.
5) الحريات العامة والفردية :
في مجال الحريات العامة، وبالرغم من التحسن الملحوظ في مجال حرية الإعلام منذ سنة 2005, وبالرغم كذلك من تصدر البلد للبلدان العربية, فما زالت البلاد تعاني من التضييق علي حرية التعبير والتنظيم, وتجلي ذلك في طرد طلاب كلية الطب ومضايقة بعض الصحفيين وسجن بعضهم الأخر كالصحفي حنفي ولد الدهاه وعزيز ولد الصوفي والصحفي أحمدو ولد الوديعة، وقمع بعض الاحتجاجات السلمية لبعض الحقوقيين ، كما شهدت هذه الفترة إغلاق الحكومة للعديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية, الصحية والتعليمية, وختم مقارها بالشمع الأحمر دون إعطاء مبررات قانونية رسمية مقنعة.
6) استقلالية القضاء:
طبقا لتقارير هيئة المحامين فإن تأثير النيابة الملحوظ والقوي جدا على قضاة التحقيق وقضاة الحكم أمر غير مقبول يجب أن يتوقف، وليس من الضروري تقديم بعض الأمثلة لأن الأمر بديهي.
وعلى الرغم من أن القضاة لا يخضعون إلا لسلطة القانون و لقناعتهم، خلافا للواقع ، فإن هذا المبدأ المقدس يجب أن يحترم احتراما صارما.
لا ينبغي لأحد أن يحاول المساس بهذا الاستقلال، وخاصة المدعي العام والسلطة التنفيذية بصفة عامة.
ولا شك أنه من أجل ذلك، يجب على القضاة أن يستحقوا هذا الاستقلال، وهو ما يشكل موضوع نقاش آخر. و بطبيعة الحال لا يمكن ولا ينبغي منحه للقضاة غير الأكفاء أو الفاسدين.
ولكي يكون القضاة في مستوى هذه المسؤولية، تتعين مراجعة سياسة ترقية القضاة ويجب خلال اجتماع المجلس الأعلى للقضاء أن تكون هناك قطيعة واضحة مع الممارسة السابقة المتمثلة في تعيين القضاة حسب تدخلات أصحاب النفوذ.
ثالثا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
سجلت السنوات الأخيرة, استمرار نفس الأوضاع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بحيث لم تعرف أهم المؤشرات أي تحسن ملموس، بل أحيانا سجلت تراجعا خطيرا، ولمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية التي ما برحت تتردى فيها بلادنا، والمتمثلة مظاهرها في العجز المتزايد في الميزانية الذي يتوقع أن يبلغ في سنة ٢٠١٥ ٣٢٠٪ مقارنة بما كانت عليه في العام ٢٠١٤، وحسب ماورد في نص مشروع المالية الأصلي للعام ٢٠١٥ فقد بلغ العجز ستة مليارات وخمس مائة وسبعة وستون مليون وثمانمائة وثمانون ألف أوقية ( ٦.٥٦٧.٨٨٠.٠٠٠ أوقية) في حين لم يتجاوز في العام الماضي مليارين وتسعمائة، كما الأسعار ظلت في تزايد، لاسيما أسعار المواد الغذائية التي سجلت هي الأخرى ارتفاعا كبيرا ،مما أثقل كاهل المستهلك المثقل أصلا، لمواجهة هذه الوضعية لم تجد الحكومة من سبيل، غير الاستمرار في نهج ذات السياسات، القائمة على خفض النفقات العمومية، والتملص التدريجي من تقديم وتوفير الخدمات الاجتماعية ، وزيادة القيمة المضافة من 14 إلي 16% ، ورفع الأسعار , بما فيها مواد الطاقة التي شهدت زيادات كبيرة ومتتالية خلال السنوات الأخيرة بررت حينها بارتفاع تلك المواد دوليا، لكن السلطة القائمة رفضت مراجعة أسعارها بعد انخفاضها علي المستوي الدولي, في تناقض صارخ مع مبدأ التبرير, وفي تناغم كامل مع روح الانتهازية,. كما شهدت هذه السنوات الأخيرة تراجعا واضحا عن المكتسبات، وتجميد الحوار الاجتماعي، ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية في مجال الاحتجاج والتظاهر والإضراب عن العمل, ويعتبر عمال اسنيم نموذجا حيا نعيشه اليوم.
1- الحق في العمل :
واصلت نسبة البطالة ارتفاعها، حيث أكد تقرير منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة مطلع العام الجاري أن موريتانيا ستتصدر دول العالم خلال العام الحالي (2015) بأكبر معدل للبطالة متجاوزة عتبة 30%.
وقالت المنظمة في تقريرها إن تقديراتها تشير إلى أن موريتانيا تتصدر 10 دول تشهد أعلى معدلات بطالة متوقعة لهذا العام. و يأتي التقرير في ظل إصرار النظام القائم بان البطالة في حدود 10%. والحقيقة أن النسبة الرسمية للبطالة تخفي حقائق أخرى تتعلق بالبطالة المقنعة (الباعة المتجولون، العاملين من غير عقود، والعقود القصيرة المدة، والعاملين لليوم ولبعض ساعات).
في السنوات الأخيرة لوحظ تزايد في الإضرابات عن العمل في عدة قطاعات عمومية وشبه عمومية، ضد سياسة التجاهل التي تنتهجها الحكومة في مواجهة مطالب المضربين، واعتمادها أسلوب الاقتطاع كأسلوب وحيد للرد على تلك المطالب، في خرق سافر للحقوق والحريات النقابية، وتراجع صريح عن المكتسبات التي طالما أحجمت الحكومات السابقة عن المساس بها.
ومن ناحية أخرى، كان النصيب الأوفر من الانتهاكات للقطاع الخاص، حيث تم تسجيل استمرار الحرمان من أبسط الحقوق (عقود العمل، الحد الأدنى للأجور، صندوق الضمان الاجتماعي، صندوق الضمان الصحي، تحديد ساعات العمل، العطل الأسبوعية والسنوية...)، كما استمر مسلسل الطرد التعسفي للعمال، والتسريحات الجماعية، مع تجريم هذا الشكل من الممارسات وضمان الحقوق والحريات النقابية في القانون؛ هذا علاوة على الوفيات نتيجة غياب متطلبات الصحة والسلامة المهنية وخاصة في شركات المعادن، في غياب تام لأي تأمين عن حوادث الشغل، وضعف معدل الأجور وعدم موائمتها مع غلاء المعيشة.
2 - الحق في الصحة:
يعيش قطاع الصحة ومعه الناس مشاهد مخيفة، يصعب تصديقها فلا كوادر طبية كافية ولا مستشفيات مجهزة ولا أدوية مضمونة ولا علاج لأمراض كثيرة كالفشل الكلوي وبعض إمراض السرطان، مع ارتفاع معدلات الوفاة من النساء والأطفال لمعدلات مخيفة، أمور جعلت أغنياء البلد يسافرون للعلاج في الخارج أو اللجوء إلي القطاع الطبي الخاص باهظ التكاليف، أما الفقراء فليس أمامهم إلا تلك المنشئات المتهالكة سيئة الخدمة.
فبالرغم من أن السلطة الحالية جعلت قطاع الصحة علي رأس أولوياتها، فلم يلاحظ كبير تحسن لا علي مستوي التجهيزات، ولا علي مستوي الكادر البشري. وتعتبر الصحة من بين المؤشرات التي تجعل موريتانيا في مؤخرة الدول فيما يتعلق بمؤشر التنمية البشرية. فلا يكاد يمر يوم، إلا وتطالعنا المواقع عن حالات وفاة أو إهمال يِؤدي إلى الوفاة؛ وذلك بسبب ضعف التمويل العمومي للصحة، وضعف نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود، وضعف الخدمات الصحية الوقائية وتردي الأوضاع داخل المستشفيات العمومية بفعل عدة عوامل مالية وبشرية ولوجستيكية واستمرار غلاء الأدوية.
3 ·الحق في التعليم:
يكاد الإجماع ينعقد علي أن المنظومة التربوية بلغت شأوا من الضعف والتهلهل لم يسبق لها مثيل، وظهر ذلك جليا في نتائج الدراسات الكيفية التي أنجزتها خلية التقويم بالمعهد التربوي الوطني(1999-2014) والتي تم بعضها بالتعاون مع خبراء من معهد البحث في مجال التربية بفرنسا. بالإضافة إلي ما يستخلص من هذه الدراسات التراجع الكبير في نسب النجاح في الباكالوريا والشهادة الإعدادية ومسابقة دخول السنة الأولي من الإعدادية وارتفاع نسب التسرب المدرسي.
ومن الأمثلة علي ذلك حسب ما تظهره أرقام المعهد من تدن صارخ لنسب النجاح في الامتحانات الوطنية خلال السنة المنصرمة 2013-2014:
- نتائج الباكالوريا 2014 (13%) ،
- نتائج الشهادة الإعدادية 2014(30,1%)
- نتائج مسابقة دخول السنة الأولي الإعدادية 2014 (56,39%).
وبالجملة فالمنظومة التربوية الوطنية تعاني من العديد من الاختلالات والنواقص أهمها :
- غياب ميثاق وطني للتهذيب وعدم وجود مجلس أعلي للتربية والتكوين
- هجرة المعلمين والأساتذة الأكفاء إلي مهام إدارية أو الاستغناء عنهم بدعوي أنهم معربون
- غياب الرقابة علي الطاقم التربوي
- شُح الموارد المادية والتأطيرية
- غياب المكافأة والعقوبة وانتشار الزبونية في القطاع.
- قلة عدد الكادر المأطر بالمقارنة مع عدد التلاميذ، 42% من المدارس تعمل وفق نظام الأقسام المتعددة المستويات.
إن ضعف النظام التربوي الوطني، كان له الأثر البالغ, علي مايشهده البلد اليوم من انهيار للمنظومة الأخلاقية, وضعف للوازع الديني وغياب روح الوطنية لدي قطاع كبير من موظفي الدولة.
الخاتمة:
سعيا لنشر ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان, ومن أجل ضمان احترام الحقوق والحريات، نظم المرصد عدة ندوات حول الحبس التحكمي وحقوق السجين، الظروف المعيشية للسكان والحق في الحصول علي سكن لائق، سجناء اغوانتانامو، كما أصدر عشرات البيانات، مدينة للانتهاكات ومتضامنة مع الضحايا، كما قام بتسجيل فلم وثائقي عن السجناء السلفيين ومعاناة ذويهم وتم إيصاله لكل المنظمات الفاعلة في المجال الحقوقي.
رغم كل هذا إلا أن الجهد ظل مقصرا لكثرة المظالم وتشعبها ولذلك يجب العمل على تطوير خطط وآليات العمل في هذا المجال حتى نتمكن من متابعة تنفيذ وتفعيل توصيات ومقترحات الهيئات الحقوقية، خاصة الجوانب المتعلقة بإصلاح الترسانة القانونية وتطبيق مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا في مجال حقوق الإنسان، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ونشر ثقافة حقوق الإنسان بينها، السعي إلى بلورة خطة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وإعداد ميثاق للمواطنة يتيح دمج البعد الديمقراطي وحقوق الإنسان في آن واحد، وذلك في إطار التزام البلاد بتطبيق التوصية الصادرة عن الندوة الدولية حول حقوق الإنسان التي انعقدت بفيينا سنة 1993، والقاضية بحث الدول على صياغة خطة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وتتمثل أهداف الخطة في مواكبة الحكومة -باعتبارها داعمة للخطة-، لمنظمات المجتمع المدني في الأنشطة الرامية إلى تقوية المؤسسات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان ومتابعة التوقيع على الاتفاقيات الدولية، وملائمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية. كما تهدف الخطة أيضا إلى إعادة الاعتبار للدور الفعال الذي تؤديه حقوق الإنسان في التنمية الوطنية، وتحسين وضعية المجموعات الهشة بالبلاد.
والله ولي التوفيق
أعمر محمد ناجم
رئيس المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان