إن لمن أشد المشاهد الصادمة، والمخجلة، والمثيرة للشفقة أيضا، أن تشاهد نائبا في العام 2015، وبعارضته الزرقاء، وهو يجري لاهثا أمام موكب رئاسي يزور المدينة التي كانت قد انتخبت هذا النائب، والتي حاولت أن تجعل منه نائبا محترما، فإذا به يجعل من نفسه مجرد حارس عادي في موكب الرئيس،
فليكن النائب حارسا، وليكن كما أراد لنفسه أن يكون، لا مشكلة لدينا مع من أراد أن يذل نفسه وأن يهينها.
لا مشكلة لدينا، فليذل النائب نفسه بالطريقة التي يشاء، ولكن على هذا النائب أن يعلم بأن اليوم لم يعد كالأمس، وبأن التصفيق والتطبيل أصبح يوثق بالصوت وبالصورة، وبأن مشهده وهو يجري لاهثا أمام موكب الرئيس سيشاهده أبناؤه، وأبناء أبنائه في زمن قادم لا محالة، سيكون فيه التصفيق والتطبيل قد أصبح ظاهرة مخجلة ومقززة عكس ما هو حاصل في أيام الناس هذه.
لقد تركت لأبنائك ولأحفادك ـ يا سيادة النائب الحارس ـ لقطات صادمة ومخجلة لن يكون بإمكانهم أن يسحبوها من التداول، ولا أن يمنعوا الأجيال القادمة من مشاهدتها، ولا من تقديمها كأمثلة حية على ما وصل إليه التطبيل والتصفيق في أيامنا هذه، والتي هي بالنسبة لنا حاضرا نفتخر فيه بالتصفيق وبالتطبيل، ولكن هذا الحاضر سيصبح بالنسبة لأبنائك وأحفادك ماضيا مخجلا ومؤلما، تماما كما نعتبر نحن اليوم بعض الممارسات التي كان يمارسها الآباء والأجداد مذلة ومخجلة ( ظاهرة الاسترقاق مثلا). فكم كان سيكون الأمر محرجا لنا نحن الأبناء لو أن التسجيل بالصوت والصورة كان قد ظهر في زمن آبائنا وأجدادنا.
أقول هذا الكلام، وبهذه الحدة المقصودة، لأني أعلم بأن هناك من يحسدك الآن على أنك كنتَ قد سبقته لذلك المشهد المخجل الذي ظهرت به أمام الرئيس خلال زيارته للمدينة التي انتخبتك. وأقوله لأن هناك من يفكر في أن يبتدع لنفسه "تصفيقة" يظهر بها أمام الرئيس تنسيه ما قدمتَ أنت في هذا المجال يوم زار الرئيس المدينة التي حاولت أن تجعل منك نائبا محترما، ولكنها فشلت في ذلك.
المصيبة أن الرئيس سيزور العديد من الولايات في الفترة القادمة، والمصيبة أن مصفقي ومطبلي كل ولاية سيحاولون مع كل زيارة جديدة أن يبتدعوا من التصفيق والتطبيل ما ينسي الرئيس في ما تم تقديمه من تصفيق ومن تطبيل في الزيارات السابقة.
ولعل من المفارقات اللافتة أنه في اليوم الذي زار فيه الرئيس مدينة "ازويرات"، وفي اليوم الذي ظهر فيه وهو في مدرسة "الترحيل" الابتدائية. في هذا اليوم بالذات كان رئيس دولة مجاورة يضع الحجر الأساس لأكبر جامعة في إفريقيا، وربما في العالم، في إحدى ولايات بلده الداخلية (11 وحدة تكوين وبحث، 30 ألف طالب، 33 قسما، 3 معاهد، ومعهد رابع للغة الصينية).
من فضلكم سجلوا هذه : في يوم الاثنين الموافق 13 ابريل من عام التعليم ظهر الرئيس الموريتاني في مدرسة ابتدائية في "ازويرات"، بينما ظهر نظيره السنغالي في "كولخ" وهو يضع الحجر الأساس لأكبر جامعة في إفريقيا.
ومن قبل ذلك كان وزير التربية والتعليم السنغالي قد أعلن عن طباعة 3.9 مليون كتاب مدرسي دعما للتعليم في هذا العام، وذلك في الوقت الذي تم فيه تسجيل نقص حاد في الكتاب المدرسي في المدارس الموريتانية في سنة التعليم، وظهر الكتاب المدرسي في الأسواق التجارية وبأسعار غالية جدا.
وإذا ما تركنا التعليم جانبا، فسنجد بأن حكومتنا التي تقول بأنها تصدر الكهرباء للدول المجاورة لم تخفض سعر الكهرباء عن مواطنيها، بينما خفضت الحكومة السنغالية المستوردة للكهرباء سعرها، وخفضت أيضا، وخلافا لحكومتنا، أسعار المحروقات عن مواطنيها، وبنسب هامة.
وفي الوقت الذي يُروج فيه بأن الرئيس الموريتاني يفكر في تعديل دستوري، وفي إضافة مأمورية ثالثة، في هذا الوقت بالذات أعلن الرئيس السنغالي الذي وصل إلى الرئاسة عن طريق انتخابات شفافة لا لبس فيها، ولم يسبقها انقلاب عسكري، أعلن بأنه سيجري استفتاءً على الدستور السنغالي ليخفض من سنوات مأموريته الأولى، وليجعل منها خمس سنين بدلا من سبع سنين كان قد منحها له الدستور السنغالي.
يعلن الرئيس السنغالي عن تشييد أكبر جامعة في إفريقيا، وعلى نفقة ميزانية بلده، وبكلفة 65 مليار فرنك غرب إفريقي، وذلك رغم أنه لم يعلن عن سنة للتعليم، ورغم أن بلاده لا تصدر الحديد ولا الذهب ولا الكهرباء، ولا تمتلك ثروة حيوانية وسمكية كالتي نملك نحن في موريتانيا، وفوق هذا كله فإن عدد سكان بلده يضاعف عدد سكان بلدنا أربعة أضعاف.
ينجز الرئيس السنغالي بصمت، وفي ظروف صعبة جدا، ويذهب إلى ولاية داخلية ليضع الحجر الأساس لأكبر جامعة في إفريقيا، ومع ذلك فإننا لم نشاهد نائبا سنغاليا يجرى لاهثا أمام موكبه الرئاسي، ولم نسمع عن عمدة يلقبه بمنقذ الشمال، ولا عن إمام يلقبه برئيس العمل الإسلامي، ولا بوزير سابق يلقبه برئيس الإسلام، ولا برئيس حزب يلقبه بالرئيس المؤسس، ولا بجيش من الطبالين والمصفقين يطلق عليه لقب رئيس الفقراء.
إني أشعر بالعار لأني أعيش في بلد لا تتنافس نخبه إلا على التصفيق والتطبيل.
حفظ الله موريتانيا..