شخصيا أكبر عاليا الموقف الشرعي الذي عبر عنه مؤخرا الشيخ محمد الحسن الددو بشأن معضلة الرق، إنه موقف شجاع وينافـي مسار الساكتين طويلا..طويلا على الفوضـى والهمجيـة ولذة البربرية التي حكمت العلاقات الهرمية فيما بين المكونات الاجتماعية (سودا وسمرا وفاتحي البشرة)،
ويمكن بسهولة أن نلمس ذلك من خلال المواقع الطبقية المبنية على اللون والوظيفة الاجتماعية.
وعـن نفسـي؛ أعتبر هذا الموقف انتصار للإسلام العادل فـي سياق رفض السير على خطى الشخصيات السيكوباتية المعقدة والتي تصنع الهمجية وتجعلها تراثا وأعراف مقدسة... كلا لقد كانت إرادتها تناقض الفطرة وتجافي الإسلام وتعتمد الاختطاف والتلذذ بآلام الإنسان الإفريقي الأسود وتفـشي منطق الاستعباد والإذلال على اساس المولد واللون بإسم الشرع والإسلام... لقد رفع الشيخ الددو عن الاسلام الصحيح اللبس الذي ألصقته بنسخته المحلية تلك الجماعات التي لا تمت تصرفاتها للإسلام بصلة.
فضيلته أعلن استنكاره لتفشي الرق غير الشرعي بين الموريتانيين كما رفض التدليس غير المبرر بإسم الإسلام "الرق مشكلة من المشكلات الكبيرة التي يجب القضاء عليها بالكلية وعلى آثارها؛ ...فأنا من زمان مقتنع أن الموجود إذاك غير صحيح، الموجود من الرق في موريتانيا لم يعد مقبولا شرعا، وليس هو الرق الموجود في الكتاب والسنة الرق الذي كان يمارس هنا في هذا البلد والذي أدركنا بعضه ليس هو الرق المذكور في القرآن ولا في السنة ..ويجب الوقوف في وجهه ...".
ان وظيفة هذه الفتـوى الشرعية هي حفظ الحياة الإنسانية وتجسيد روح التسامح والاعتدال وتوفير الحماية اللازمة للمجتمع الموريتاني من مخاطر الصدامات والانحرافات غير المقدرة العواقب ...!
إن فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو ليس سوى صوت إسلامــي شجاع؛.. أنا أعرف أن لا أحد يستطيع أن يحاجج الشيخ الددو في فتواه التي سيلوذ بها المقهور والمضطهد والمختطف والمأسور والمنبوذ والمسترق.. وإن كانت اغلبية المشتغلين بالحقل الديني سترفض تصريحاته ضمنا أو تلميحا، كما وستخرج فتواه اليعاسيب من جحورها لتنفث آخر ما تبقـى من سمومها الحاقدة على قيم المساواة والمواطنة.. لكن لا أحد من بين هؤلاء يجرؤ على مواجهة العلامة الددو، ولا يقدر أحد مهما بلغت مرتبته على نعت الفتوى بمعاداة الإسلام أو خدمة العلمانية "الحاقدة"، فكلهم يدركون صحـة القول ونزاهة القائل وصواب الإجتهاد...!
إن الشيخ الددو ليس سوى فقيه ضبيع بالكتاب وخبايا السنة النبوية الطاهرة لذلك يعمل جاهدا على نزع أوساخ ألصقها غيره بالمصدرين الأكثر قدسية في الدين وعلى غسل أدران الكثير من سابقيه من الشيوخ والفقهاء ...وهو من الآن بات مرجعية تطمئن لها قلوب العبيد وأبناء المسترقات..وأحفاد المستعبدين. وانصاف "ولد الأمة" و"الجواري" المغتصبات بإسم الإسلام... والمسلمين من هكذا تصرفات براء..!
لقد انتظرت طويلا كي أسمع و أشاهد هذا التصريح القيم الصادر عن شخصية فقهية وانسانية سامية، وأحمد الله على نعمة الإنتظار .. ولمارك توين مقولـة تلخص حجم الصبر والإنتظار، كما عشتها من قبل هذه الفتوى : "يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في إنتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها".
أما وقد لبسنا؛ أحذيتنا فإننا سنعيش ما بقـي كـي نجسد تلك القناعات الأصيلة والثابتة حيال ترسيخ الحق في المواطنة وقيم المساواة والتسامح.. حفظا للموجود وترشيدا للقادم
من صفحة الكاتب على الفايسبوك