يستعد المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم لخوض مباراة الدور ربع النهائي لكأس العالم "قطر 2022"، يوم غد السبت، على استاد "الثمامة" بالعاصمة الدوحة، أمام منتخب البرتغال، ويتطلع المنتخب المغربي إلى مواصلة مشوار التألق والوصول لنقطة أبعد في المونديال الحالي.
ووصل المنتخب المغربي إلى هذا الدور بعد الإنجاز الكبير الذي فاق كل التوقعات بانتصاره على المنتخب الإسباني، والذي جذب به أنظار العالم كله من خلال تحقيق نجاح عربي غير مسبوق في أول نسخة من المونديال تقام على أرض عربية. وقد أبهرت دولة قطر الشقيقة العالم ومثلت العرب أحسن تمثيل بمستوى التنظيم الغير المسبوق والذي مزج بين الاحترافية العالية في إعداد البنية التحتية الضرورية لإيواء هذه التظاهرة العالمية وحفاوة الاستقبال النابعة من تقاليد الضيافة والكرم العربي الأصيل.
وبذلك بات المنتخب المغربي أول منتخب عربي، يصل إلى الدور ربع النهائي في بطولة كأس العالم تاريخياً، وهو الإنجاز الذي كانت تطمح إلى تحقيقه الكثير من المنتخبات العربية طوال نسخ كأس العالم السابقة، كما أصبح رابع منتخب أفريقي يصل إلى الدور ربع النهائي بعد منتخب غانا في مونديال 2010، ومنتخب السنغال في نسخة عام 2002، ومنتخب الكاميرون في عام 1990، لينضم منتخب "أسود الأطلس" إلى قائمة الأبطال الذين وصلوا إلى دور الثمانية في كأس العالم تاريخياً.
وضاعف من حجم الإنجاز أن المنتخب المغربي وصل لهذا الدور بجدارة واستحقاق عبر طريق شائك وحافل بالمواجهات الصعبة حيث تصدر مجموعته في الدور الأول على حساب منتخبين عريقين بعد التعادل السلبي مع المنتخب الكرواتي صاحب المركز الثاني في مونديال 2018 بروسيا، والفوز الثمين 2-0 على نظيره البلجيكي صاحب المركز الثالث بنفس النسخة والمصنف الثاني عالميا، إضافة للفوز على المنتخب الكندي بـ -21.
وفي الدور الثاني، كان المنتخب المغربي على موعد مع مواجهة من العيار الثقيل أمام المنتخب الإسباني أحد المرشحين بقوة للقب النسخة الحالية لكنه اجتاز الاختبار بتعادل سلبي ثمين على مدار الوقتين الأصلي والإضافي قبل الفوز في ركلات الترجيح بــ 3-0، والتي برز فيها نجم حارس المرمى ياسين بونو الذي يمكن اعتباره اليوم من أجود حراس المرمى في العالم.
وقد سطّر المغاربة، بذلك، بأحرف من ذهب ملحمة كروية تنضاف إلى النهضة الشاملة التي حققها المغرب في كافة المجالات والتي لم تستثن أي قطاع بما فيه قطاع الرياضة الذي يوليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله عناية خاصة، جاعلة منها رافعة محورية للتنمية الشاملة. وقد تجسدت هذه العناية المولوية المتواصلة بحرص وإصرار جلالته على مشاركة المغاربة، قبل أيام، فرحتهم بهذا الإنجاز الكروي التاريخي.
المنتخب الوطني المغربي يدرك جيدا أنه أصبح مدعوما عربيا وإسلاميا وإفريقيا وآسيويا ولم يحصل أي فريق على مثل هذا الدعم غير المسبوق، حتى أصبح نجاح الفريق المغربي في كأس العالم أفضل قصة نجاح للبطولة حتّى الآن، وذلك ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة الخبرة والتخطيط والاحترافية والانضباط والروح المعنوية والأداء البطولي الذي قدمه اللاعبون والمشجعون و الدعم المتواصل للمسؤولين المغاربة.
ولا ننسى دور المدرب وليد الركراكي، الإطار الوطني، الذي نجح في خلق مجموعة متجانسة وقوية قادرة على مقارعة الفرق العتيدة المهيمنة على المشهد الكروي العالمي، فالمغرب دخل نادي الكبار بمدرب وطني ولم يعد لديه أي مركب نقص. كما يجب التنويه بدور الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي وفرت كافة الظروف لتحقيق مشاركة ناجحة بكل المقاييس.
وقد يمكن القول اليوم دون مواربة أن المنتخب المغربي لم يعد يمثل المغرب فقط، بل إنه أصبح يلعب بقميص منتخب العرب ويحمل لواء الشعوب الإسلامية والقارة الإفريقية، وهو الآن الوحيد الذي يدافع عن العرب وإفريقيا أمام عمالقة كرة القدم في العالم، و الخروج التلقائي للجمهور العربي والأفريقي وباقي شعوب دول الجنوب للفرحة بالانتصار المغربي يعتبر أحسن دليل على هذا الأمر، لأن الجميع يرى نفسه ووطنه وبلده في هذا المنتخب، وهذا أمر يثلج الصدر فعلا ويُسعد الجميع، وقد أثبتت الرياضة من جديد قدرتها على توحيد الشعوب وزرع روح الانتماء الوطني والقومي.
وبالتأكيد، من حق المنتخب المغربي أن يحلم بالانتصار على البرتغال، والتأهل إلى الدور النصف النهائي وهو الإنجاز الذي تطمح إلى تحقيقه الكثير من المنتخبات ولم ينجح أي فريق عربي أو إفريقي في الوصول إليه، وهي الفرصة التي لا ينوي المغرب تفويتها ليصبح أول فريق من قارته يظهر بين العظماء الأربعة، ولم لا الاستمرار لنهاية البطولة، فالمنتخب المغربي يتوفر على كافة الإمكانيات التي تسمح له بذلك، فالثقة في القدرات على الفوز وبلوغ أقصى دور ممكن، والتوفر على نجوم يلعبون في مستوى عالٍ، ويملكون إمكانيات تقنية وبدنية عالية جدا، ناهيك عن أن المنتخب المغربي أبان عن تنظيم تكتيكي كبير ومتجانس في الخطوط، كما أن اللاعبين أبانوا عن روحهم العالية وعزيمتهم غير المسبوقة في تحقيق الانتصارات، لذلك يحق فعلا للمغرب أن يرفع سقف أحلامه إلى أعلى المستويات.
ولا يفوتني بهذه المناسبة التوجه بالشكر الجزيل للشعب الموريتاني الشقيق على دعمه للفريق الوطني المغربي ومشاركته، على غرار باقي الشعوب العربية والأفريقية على وجه الخصوص، التعبير عن الفرحة إلى جانب إخوانهم المغاربة المقيمين بنواكشوط. فقد غصت شوارع نواكشوط ونواذيبو وحتى مدن الداخل بالجماهير التي خرجت بتلقائية للاحتفال بتأهل أسود الأطلس لربع نهائي كأس العالم، حاملين الأعلام المغربية والموريتانية في مشهد يعبر عن متانة وعمق الروابط الأخوية التي تجمع بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين.
حميد شبار، سفير صاحب الجلالة.