أسدِل الستار على ترشحات حزب "الإنصاف" الحاكم، وقطع الشك واليقين، واعتمدت اللوائح الرسمية للترشحات بعد أمر مباشر من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
خطوة حاسمة كانت سببا في مغاضبة العشرات من الأشخاص الذين كانوا ينوون الترشح تلك المناصب، وكان متوقعا أن لا ترضي الجميع إذ كيف لمنصب واحد يتنازع عليه في الغالب أربعة أشخاص أن يرضيهم جميعا، كان من الطبيعي إذن أن تعلن مجموعات كبيرة سخطها على لجنة الترشحات للحزب الحاكم، لكن أصحاب المصالح العليا في الدولة كتمت الغضب وتركت الأمر لانتظار تعويضات معنوية قد ترضيهم عن هذا الإقصاء.
أحزاب المعارضة .. والهجرة المنتظرة
وكان من المفارقة أن أحزابا سياسية معارضة لم تحسم ترشحاتها حتى اليوم في انتظار أن يهاجر إليها بعض المغاضبين على ترشحات الحزب الحاكم، وقد بدأ بالفعل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" أكبر حزب معارض من حيث التمثيل البرلماني يستقبل المهاجرين في ولاية لعصابه وتكانت بعيد إعلان نتائج الترشحات، وإن كان "أنصار" الحزب لا يحبون "من هاجر إليهم" إلا أن البراغماتية السياسية تستدعي من حزب "تواصل" الإخواني أن يستقبل بعض المغاضبين ممن كان يصفهم بالمفسدين قبل أشهر حتى يضمن أكبر مقاعد في انتخابات بلدية وبرلمانية تشهد أكبر تنافس تعرفه البلاد منذ عقود.
أما حزب "الصواب" المتحالف مع بيرام ولد الداه ولد اعبيدي فلا أحد من الأحلاف المغاضبة أعلن حتى هذه اللحظة انضمامه إليه لكن مجموعات كبيرة من الفئات المهمشة والتي كانت تعول على الدولة في الترشحات سيكون هو متنفسها، ويعزز هذه الفرضية الخطابات الراديكالية التي يقوم بها البرلماني السابق بيرام ولد الداه ولد اعبيدي منذ أشهر وخاصة في المناطق التي تشعر بالتهميش الدائم من قبل السلطة والحزب الحاكم، ففي مثلث الفقر كان ولد اعبيدي يقوم بحملة سياسية منذ أشهر على حين غفلة من الدولة وحزبها الحاكم وجاءت الترشحات لتقصي هذه المجموعات التي كان يتحدث بيرام عن إقصائها في كل الاستحقاقات السابقة.
بالتأكيد لن يرفض رئيس حزب الصواب عبد السلام ولد حرمه وحليفها زعيم حركة إيرا بيرام ولد الداه الغاضبين الجدد من تلك المناطق المهمشة بل سيصادف هوى في نفس بيرام الباحث عن أغلبية مريحة في البرلمان تحضيرا لاستحقاقات رئاسية سيكون من أقوى مرشحيها بعد مرشح الدولة.
أحزاب المعارضة التقليدية مثل تكتل القوى الديمقراطية وحزب اتحاد قوى التقدم تحولت حسب بعض المراقبين إلى أحزاب مجهرية وقد تجاوزتها الأحداث بعد أن قاطعت انتخابات متكررة وبالتالي لا يعول أن تستفيد من المغاضبين على الحزب الحاكم، وسيبقى سقف طموحها أن تحصل على مقعد برلماني واحد عن كل لائحة كما حصل معها في آخر استحقاقات برلمانية.
أحزاب الأغلبية .. الخاسر الأكبر
ومن المفارقة السياسية الأخرى أن يكون أكبر الضحية لترشحات الحزب الحاكم هو الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية والمعروفة بأحزاب الأغلبية، فهذه الأحزاب لا يمكن أن تستقبل مغاضبين من الحزب الحاكم لأنه سيكون بمثابة عصيان سياسي لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وهذا ما لن يقبله حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، ولا حزب الإصلاح، ولا حزب الكرامة، ولا حتى حزب الاتحاد والتغيير والموريتاني حاتم.
هذا الموقف المحرج يجعلها أمام امتحان صعب للغاية فهي إما أن تختار مغاضبين على النظام وتخسر ولاءها، وإما أن تستسلم وتفقد مقاعد برلمانية كبيرة، فهل ستناور وتراوغ النظام على المغاضبين؟ وهل سيوجه رئيس الجمهورية بعض المغاضبين إلى أحزاب أغلبيته؟ هذا مستبعد جدا لأن الدولة تنتظر من هذه الانتخابات أن تحقق أكبر نسبة لحزب "الإنصاف".
يبقى الخيار الصعب هو التحالف في لوائح مشتركة مع حزب الدولة في بعض الدوائر التي كان يملك فيها شعبية كبرى مثل الجماهير التي تحافظ عليها الوزيرة الناها بنت مكناس في الضفة الغربية ومثل ما سيحصل في انواذيبو في ترشح النائب القاسم ولد بلالي ويفترض أن تتحالف اللاوائح هنالك بين حزب الإنصاف وحزب "الكرامة..".
مهما يكن فإننا أمام صيف انتخابي ساخن جدا سيتكون شمسه الحارقة يوم 13 مايو القادم، سيحاول فيه الحزب الحاكم الاعتماد على القوى التقليدية، ويكسب بها أغلبية مريحة، وستحاول أحزاب الأغلبية أن تثبت للنظام أنها موجودة من خلال مقاعد برلمانية ستصل مجتمعة مع الحزب الحاكم الثلثين، وستحاول المعارضة مجتمعة ومتفرقة أن تنتزع ما تسميه الثلث المعطِل من الأغلبية بأي ثمن.
المختار بابتاح