"عزيز " بورتريه / عبد الله ولد حرمة الله

أربعاء, 2015-05-06 14:03

كيف كسب ثقة الممولين بعد أن طرد اليهود؟ لماذا لم يودع معارضيه السجن رغم إفراطهم في السب والشتائم؟ كيف يحارب "القاعدة" ويقدره الأئمة ورموز المجتمع التقليدي؟ كيف يعرب ويبقى منفتحا على الغرب؟

إنصافا للرجل الذي أثبت قدرته في وقت وجيز على كسب ثقة شعب هجرته قيادة "المرابطين" ليفتن منظري الاستعمار.. شعب أفرط في حب "أبي الأمة" ولم يذرف عليه دمعة واحدة بعد ترحيله رفقة مذياعه و"دراعته" اليتيمة، شعب تجرع رمضاء العقيد التي أحالها ألحانا وأهازيج.. شعب أطعم "ثورة الجياع" يافعا من أحفاد المصطفى لأول مرة في تاريخنا؛ أيام كان سيدي "ضيف" القصر الرمادي.. شعب يواجه بصدر رحب مسيلات الدموع ويخشى تقتير الخراج! بورتري لحق محمد ولد عبد العزيز بالوجود بأديم الإبل والذهب أربعة أعوام قبل إعلان الرئيس الراحل المختار ولد داداه ولوج الجمهورية الإسلامية الموريتانية فجر سيادة الألوان والرموز تحت فيء خيمة في مراعي ما أصبح لاحقا العاصمة السياسية لأول دولة مركزية في صحراء الملثمين! تقاسم طفولته ومراهقته ما بين "أحواش" أبي تلميت المشبعة بكل ماهو عاقل ورزين، وحوض روصو موطئ شذرات المدنية الأولى بأرض الملثمين، بذهاب ومجيء من وإلى "إينشيري" بسنام إبلها العبسية ولهيب صحرائها العامرية! التحق بالمدارس العمومية أيام كان البروفسير محمد عالي شريف يدرس علم الاجتماع بالثانوية الوطنية ومسعود ولد بلخير "ينظر" للئبق المدني، والراحل همام يؤسس لثقافة أمة ما زالت مترامية الأطراف! حاجة الدولة الفتية إلى أبنائها المتعلمين، قذفت به إلى عناء التسيير وفياقة التدقيق بأول وزارة لمالية الجمهورية الإسلامية الموريتانية، حيث انتزعته شابا مسؤوليات المال العام من أترابه المولعين بإقدامه وقيادته لشلة الاستقلال! ضاق الفتى بروتين الملفات والأرقام، ليلتحق بالجيش، حيث طار إلى أكادمية مكناس، ليعود ضابطا وقد أتقن فنون القتال وفقه في الإدارة، بعد أن سكنه حب العلم الأخضر وعشق هلاله الذهبي.. مضى الفتى والنياشين تلاحقه من ثكنة إلى أخرى.. لكنه لم يكتف بالتميز في أعرق مؤسسات مدينة احتضنت ضريح مولاي إسماعيل ولاله اخناثه.. مر بالجزائر حيث وفق في فك طلاسم "اللوجستيك" من الطلقة القاتلة إلى الخبزة الطرية.. طاف بالغرب فاصطحب كلما علق بكنانته القحطانية منذ بزته الأولى.. في أرض الرافدين حطت رحاله المثقلة ليقتنع بضرورة "صدم" أعداء حضارة النخيل والقصيد المتربصين! عاد إلى أرض الوطن جمهوريا أكثر من ساكن القصر الرمادي آنذاك.. قال في أحد اجتماعاته بلجنته الإعلامية أثناء الحملة الانتخابية بشجاعة نادرة إن: "الإحساس بحماية المستبد كان يقض مضجعه..."! لينيخ بدابة الدكتاتورية بعد أن أعيت حلقات الرفض والتنديد.. بانتقال نظيف شرع كقائد في ترتيب أمور الجنود، بعد أن سلم مفاتيح القصر الرمادي لأحد "رواد" جيل الاستقلال، أملا في استعادة ما تبقى منه! لكنه سرعان ما استعاد رهط العقيد ومنهج السطو والفساد، ليفرغ المؤسسات من عترة كانت آمنة؛ وفي الأخير شرع في ذر توابل الفرقة بين من انسحب من أصحاب النياشين لصالح الجمهورية! استجمع الجنرال قواه بعد استغاثة صارخة من ممثلي الشعب الذي سئم لدغ حيات العقيد، لتفزعه حبال رهطه التي أحكمت وثاق الرئيس الجديد.. بالفن والصرامة كفى المؤمنين بالجمهورية نهجا انزلاق عربات قطار التغيير الذي كان قد أطلقه فجر العشرية الأولى من القرن الحالي. بتأن وثقة، كشف لأمة بأكملها مصير معدميها "بأكواخ الانتظار"، مبرزا للجميع أن فقر "الحي الساكن" نتيجة حتمية لتطاول الموظفين السامين على لقمة اليتيم ونفقة الطبشور، الغائب من حقائب تلاميذ "تمبدغة" و"كري".. وبأن "أميرة الصحراء" اغتصبها أحفادها على ديمومة آسنة في وضح النهار، وبأن الأبجدية أخذت طريق الهجرة خوفا من أن تلتهمها بطونهم التي امتلأت بالعلف والغسيل والنفط والسمك، وحتى الإنسان... وخز بإبرة الأخلاق جسما امتلأ بعي الوشاية والخراب، ومضى ليعيد نياشين المجد دون إهانة.. ابتلع غسيل ألواح الرفض واجتمع بخيرة القوم ليعرض بنخوة لائقة ملحمة "التغيير البناء"، الذي حملته فتية من القوم تحكي سيرها صمود شعب تبنى العزيز بعد طول العقود العجاف. محمد بن عبد العزيز كسب ثقتنا ولعقود.. دخل تاريخنا وإلى الأبد.. خلفه نسير واثقين مطمئنين بأن اليوم طري والغد باسق.. سر على بركة الله فأرواح أوليائنا ترعاك وصلوات شيوخنا تحميك وحماسنا لغد أفضل يرافقك.

اقرأ أيضا