ترجمات "الشروق ميديا" - أحدث الانقلاب الذي وقع الأسبوع الماضي في النيجر موجات من الصدمة لم تقتصر على منطقة الساحل الأفريقي وحدها، بل وصلت إلى المجتمع الدولي ككل. فقد كانت النيجر آخر معقل موال للغرب في منطقة تعرف باسم "حزام الانقلابات" في أفريقيا، وهو ما أثار المخاوف من أن استيلاء العسكريين على السلطة قد يثير الاضطراب في المنطقة ويلحق الضرر بجهود مكافحة الإرهاب المستمرة فيها منذ أمد بعيد. ومع ذلك، فإن مشهد النيجيريين وهم يرفعون لافتات احتجاج مؤيدة لبوتين وأعلام روسيا أثار لدى الكثيرين في الغرب مشاعر الاستياء. فهذه الصور تبرز تناقضًا حادًا لجمهور غربي قيل له مرارًا وتكرارًا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "منبوذ في جميع أنحاء العالم".

في السنوات الأخيرة، شهدنا "تدافعًا جديدًا نحو أفريقيا"، حيث تباشر القوى الكبرى مثل روسيا والصين بالإضافة إلى القوى الإقليمية الصاعدة، مثل الإمارات العربية المتحدة، غزوات دبلوماسية واقتصادية كبيرة في القارة. هذه القوى، وفق سردية "التدافع الجديد" التي تعتريها بعض الإشكاليات، تحل محل تأثير القوى الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا. على سبيل المثال كانت فرنسا سابقا هي القوة الأجنبية المهيمنة في تسع دول، من أصل 16 دولة في منطقة غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية إلى حد كبير،  وذلك عام 1980 مقارنة بثلاث دول فقط اليوم، وفقًا لمؤشر القدرة على التأثير الثنائي الرسمي الذي أعده فريقنا.

ومع ذلك، فإن جزءًا مما تغفله سردية "التدافع الجديد" هو أن وجود روسيا في إفريقيا ليس جديدًا. وغانا وغينيا ومالي هي أمثلة على ذلك، حيث يرتبط الاتحاد السوفيتي، بقيادة روسيا، في الذاكرة باعتباره قوة مرهوبة الجناب مناهضة للاستعمار سعت إلى تحرير الأفارقة من القهر الأوروبي والأمريكي (والرأسمالي). كان الانخراط السوفيتي في أفريقيا واسع النطاق، متمثلًا في مساعدات اقتصادية وعسكرية للحكومات والميليشيات ذات الميول الاشتراكية التي تخوض حروب التحرير. ومنذ ذلك الحين، حافظت روسيا على وجود دبلوماسي استمر لعقود في معظم البلدان الأفريقية.

وفي السنوات الأخيرة، تدفقت شحنات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا، لتوفر 40% من الأسلحة التي استوردتها البلدان الأفريقية منذ عام 2018. وفي الوقت نفسه، أصبحت شركة فاغنر للمرتزقة التي ترعاها الدولة منخرطة بعمق في المصالح الأمنية لدول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، حيث لا تقتصر على توفير التدريب العسكري فحسب، بل تؤمن أيضًا الذهب وغيره من المناجم مقابل حصة من الأرباح.

وبينما يعد حجم التجارة الإجمالية لروسيا مع أفريقيا أقل بكثير من حجمها مع الصين، فإن روسيا تحتفظ بنفوذ كبير في القارة. وهذا لا يقتصر على الأسلحة فحسب، بل يشمل أيضًا القطاع الزراعي ذا الأهمية الحاسمة؛ فالقارة تعتمد بشدة على استيراد الأغذية، ما يمنح روسيا وضعًا فريدًا لا يمكن للصين أو غيرها أن تتبوأه بسهولة. كما عززت حملات التضليل النفوذ الروسي، من خلال التعبيرات الرمزية المناهضة للاستعمار التي تحولت إلى أفعال في شوارع تشاد ومالي وأماكن أخرى. ويبدو أن هذه الجهود قد أثمرت بالنسبة لروسيا في الأمم المتحدة، حيث صوت العديد من الدول الأفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارًا ضد  إدانة حرب روسيا في أوكرانيا، أو امتنعت عن التصويت.

وفي العام الماضي، لوح المتظاهرون بالأعلام الروسية في أعقاب انقلاب في بوركينا فاسو. وهذا العام جاء دور النيجر. إذا كان القادة الأمريكيون والأوروبيون حريصين على تجنب تكرار هذا النمط مرة أخرى، فسيتعين عليهم تغيير المسار. وفقًا لتوقعات فريقنا، سيؤدي النهج المعتاد الذي يجري به العمل إلى قارة أفريقية ذات ارتباط وثيق جدًا بروسيا و لها "صداقة بلا حدود" مع الصين أكثر من الغرب. وما لم يُصحح المسار، فإن الولايات المتحدة وأوروبا على وشك أن يتراجع دورهما ويتأخر كثيرًا ترتبيهما في القائمة من حيث المساعدات والتجارة وتوفير الأسلحة والانخراط الدبلوماسي، وهي مصادر رئيسية للتأثير الدولي.

ولتوجيه الأمور عكس هذا الاتجاه، يجب على الغرب أن يقدم المزيد من الالتزامات لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمار في أفريقيا. وُصفت الاتفاقات التجارية السابقة بأنها "قبلة الموت" من خلال تعزيز المنافسة غير العادلة التي تضر بالعمال الأفارقة. (رغم أن مزاعم "دبلوماسية فخ الديون" واستغلال الموارد قد وُجهت أيضًا إلى كل من الصين وروسيا.) ولكسب القلوب والعقول بشكل صحيح، يجب أن تكون اتفاقات التجارة والاستثمار الجديدة عادلة ومستدامة، ما يشجع على تنمية الصناعات الأفريقية والحد من الفقر.

ويجب على الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا زيادة ميزانيات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمنظمات المماثلة، خشية أن تفقد الدول الغربية الكثير من نفوذها القائم على المساعدات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومن شأن تقاسم المزيد من السلطة في المنظمات الدولية، بما في ذلك إشراك الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن في صناعة القرار، أن يساعد أيضًا. وبدون ذلك، يجب على الجماهير الغربية الاستعداد لمزيد من التلويح بالأعلام الروسية بدلا من الأعلام الأمريكية.

 

الكاتبان: كولين ميسل وآدم زيمانسكي بورغوس.

- كولين ميسل هو المدير المساعد للتحليل الجيوسياسي في مركز فريدريك إس باردي للمستقبليات الدولية بجامعة دنفر، وخبير الجغرافيا السياسية والنمذجة في مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، وزميل غير مقيم في مركز ستيمسون.

- آدم زيمانسكي بورغوس هو باحث مشارك في مركز فريدريك س. باردي للمستقبليات الدولية بجامعة دنفر. 

المصدر: تايم

لقراءة المادة الأصلية اضغط هنا

 

https://time.com/6301177/niger-african-support-russia/