منتدى السلم , طوق نجاة / حمزه ولد محفوظ المبارك

جمعة, 2015-05-15 01:39

تمر الأمة بمرحلة عصيبة جدا من تاريخها المضرج بين حقبة و أخرى بدماء نازفة و حروب خاسرة و أشلاء متناثرة و أصوات مخنوقة و عبرات مثقلة و هفوات مفزعة مدمرة مهلكة .
كل ما يجري اليوم و ما قد جرى من قبل لم يكن تحولا في قوانين 

الطبيعة و لا تغيرا في سنن الحياة , بل هو نتيجة حتمية للتحدي السافر لقوانين السماء و وحيها , فحين يبتعد الإنسان محجة الإسلام البيضاء الرحيمة , تستولي عليه ذئاب الفتن الضارية فتنهش من عقله و قلبه حتى تصيره كعصفور حي في مقلاة زيت ينتفض انتفاض مداهمة الموت .....

في أيامنا هذه و حين خرجت إلى الشارع أجساد بلا عقول , و انبرت عقول معتلة لتصدر المشهد , و طوحت بالحكمة سيئات الغفلة و اجتازت السواطير كل الحدود و سبقت المناشير صوت الحق و العدل و الإحسان , تبدل الأمن خوفا و الصحة مرضا و الكفاية جوعا و ألما و العمران دمارا و خرابا و الحدود حدا و سدا ....

لا شك أن الكرامة البشرية مصونة في الإسلام صونا و الحقوق فيه محفوظة حفظا , و للدماء و الأموال و الأعراض حرمتها و أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع و أن الحق أحق أن يتبع و أن الباطل ساعة و الحق إلى قيام الساعة و أن قنوات الإحياء معلومة في الشريعة بعلو مرتبتها و فضلها و قنوات الموت و الإحتراب و الفناء معلومة الذم تحذيرا و زجرا وحرمة ,  و أن الحرب إسثناء لضرورة و ليست أصلا بل السلم من آكد الأصول الثابتة , عكس ما شاع و ذاع و تفشى في مجتمعاتنا المسلمة اليوم من تبديد لمقدرات الأمة و أرواح شبابها و شيوخها و نسائها و فلذات أكبادها الذين استلمتهم أيادي التخريب و طوَّحَ بهم أرباب الملمات حتى شلت أركان الأمة وغرقت في أنهار الدماء و بحار الدموع و الحسرات و الزفرات و العبرات ...

كل يوم تطلع فيه الشمس تتجدد المآسي و الفظائع بأبشع ما تكون و يتولد هلع شديد من رحم معاناة الإنسان , و تداس كرامة البشر و يهدم البناء و يحرق المدر و الوبر و الشجر ..!

أما و قد وصل الحال إلى ما وصل إليه و بدا العَالَمُ متفرجا و انقسمت الأمة إلى خندقي عمىً و صمم , يرومان مفاصلة عبثية لا عقل لها , فقد كان الله أمر و و أمره الحق أن تكون منا أمة تدعوا إلى الخير و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر , أمة تراقب الله فتأمر بالعدل و الإحسان , بحقن الدماء و حفظ الأرواح و البيوت و الأموال و سائر مصالح الناس , و تنهى عن الشقاق و الفرقة و الخصام , تأبى الإحتكام لآلة القتل البليدة و التطهير العرقي , المذهبي , الطائفي  المقيت , تدعو لاستدعاء العقول التي خرجت عن طورها و استرجاع الأجساد التي سارت في غير مسارها , هذه الامة التي تقف اليوم من الجميع وقفة  تأمل و شفقة و رحمة , تستنطق الأماكن و تفتش في الأجساد الممزقة عن بقايا عقول تاهت و ضلت و أضلت , كي تبني مما تبقى بنيان رحمة يستظل به الجميع ...

تلكم الأمة التي اجتمعت من كل بقاع العالم و تداعت أن هلموا لحاجتكم , حاجة الأمة للسلم , جاجتها للأمان , لللإطمئنان , للبصيرة , للعقول النيرة , للضمائر الحية التي تقول كفى قتلا و تدميرا , كفى نبشا للقبور , كفى قطعا للرقاب , كفى هدما , كفى عبثا , كفى فسادا في الأرض , و أن دينكم دين بناء و سلام و سعادة و رحمة و ليس دين تواكل و تناكر ....!

أمة اجتمعت في طوق نجاة لا ريب في منهجه القويم و سعيه الحثيث و مقصده النبيل و وسائله الراقية , إنها أمة "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة " التي أسس لها العلامة الرباني , العالم , المؤرخ , الفيلسوف , الأديب الإمام عبد الله بن بيّه , الذي يحمل بين جنبيه قلبا يتألم لحال الأمة و في مقلتيه ألقا ألهبته حرارة المشهد و جسدا أبى الخلود للراحة إيمانا بوجوب ارتداء ثوب الإطفائي الذي زينه بطلعته المهيبة و سحنته الربانية و نبرته الغنية عِبرًا و دُررا و جوامع كَلِمِِ , في زمن كادت تغلب فيه خطب البنادق و مواعظ التفجيرات على صوت المآذن و المنابر و الوعاظ .....

تعزيز السلم بات حاجة و السعي فيه من أوجب الواجبات التي أسس لها المصطفى عليه الصلاة  السلام حين بعث رسله لملوك الكفر و الالحاد ( اسلم تسلم ...) و مجتمعات الشرك و الصد عن سبيل الله ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ...) , فكيف لا يكون كذلك في مجتمعات مسلمة تؤمن بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد رسولا خاتما ؟!

لقد جرب المتنازعون قرقعة السلاح و التقى المسلمان بسيفيهما و قتل الإنسان الإنسان بعد ما قال لا إلاه إلا الله ... و النتيجة ليست تحررا و لا تطورا و لا غنى و لا حرية و لا راحة , بل بشقوة السلاح شقي حامله , فسلاح الفتنة جليس سوء , إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد منه ريحا خبيثة .....

لقد أحرق الرصاص ثياب الأمة حتى سرى في الجسد و تفشت روائحه الخبيثة في كل مكان , و ما عاد في جعبة المحاربين ما ليس في جعبة الللاجئين و المشردين المكلومين يُتْما و ترملا و ضياعا , بل هم أشد ألما و أعظم خطبا و أسوء حالا .....!

و من قريب , جاء طوق نجاة الأمة تحمله قلوب تتوق للرشد و إعمال العقل و تحكيم الشرع , تستظل بظل العلامة عبد الله بن بيّه الوارف و تنهل من علمه الجم , تسترشد بعقله الراجح..... , فكان اللقاء لقاء قلوب و الهم هم رسل الله على أرضه في صون محارم الله تعالى من أن تنتهك و أعراض الخلق أن تنهش و أرواح البشر أن تزهق بغير حق ..... اجتماع ليس بالهين و أعمال ليست متاحة إلا لمن اختارهم الله تعالى لإحياء السنة الحكيمة الرحيمة بعد فساد الأمة و تفشي علامات التقهقر و الهزيمة .

طوق نجاة الأمة يدعو جميع أطراف النزاع المسلح إلى وقف حالة الفناء و الإحتراب السرمدي التي يسعون في قنواتها , و يطلب من الجميع الإنهزام لوجه الله تعالى , و التوبة و الرجوع إليه و الوقوف ببابه و الأنس به و بمحرابه , يدعوهم للسلم و السلام , للأمن و الأمان , للبناء و التعمير بدل الهدم و التدمير ....

و من الجلي أن الأمة اليوم تبينت مدى الضرر الذي لحق بالكل بسبب الإحتراب و النزاع المسلح , و المتابع لأعمال "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" في مؤتمره الثاني برئاسة العلامة "عبد الله بن بيه" يرى بوضوح صفاء فكر كوكبة العلماء و المفكرين الذين حضروا من كل أصقاع العالم حاملين رسالة سلام و رحمة للعالم , أن دين الله ليس دين عبث و لا فحش و لا سباب و لا لعان و لا إحراق ...., دين الله حجة و برهان و حكمة تعمير و مجادلة بالتي هي أحسن ....

مصير الأمة اليوم مرهون بمدى استشعار جميع الأطراف المتنازعة لظُلمة النفق الذي تتحرك فيه, و تلك مسؤولية العلماء الذين يجمعهم تدبير شؤون السلم في هذا المنتدى , حيث لا مناص من تذكير الخلق بالخالق و تصويب فتاوى الحرب العبثية المهلكة و تصحيح مفاهيم المغالبة المغلوطة لدى رهط ممن نَكِبوا طريق الحق و العدل إلى طريق شقوة لا نهاية لها ...

طريق السلم شاق و طويل و محفوف بسكان الحُفرِ و المثبطين والغلاة المتشددين , لكنه طريق حق لا ينهزم , به صوت رحمة لا ينقطع , وفق الله أهله و جزاهم عن الأمة خيرا.

اقرأ أيضا