التقوى هاهنا، التقوى هاهنا...جاء رجل من أهل العراق إلى ابن عمر في الحج يسأله عن بعوضة قتلها، فهل عليه دم؟ فقال ابن عمر: سبحان الله.. يا أهل العراق تقتلون ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البعوض...تذكرت هذه الواقعة الشهيرة وأنا أتابع اللغط حول ساعة الإتصال هل حلال أم حرام، هل عقدها عقد بيع أم عقد إيجار... تطلب الأمر فتوى، حفت بمقاربات، ووشحت بتعليق، واستدعت توضيحا من صاحبها...
كل هذا الجدل حول دولار ونصف دولار في وقت تدمر فيه بلدان إسلامية، وتباد فيه شعوب بسبب فتاوى وأحلام تحرض المسلمين بعضهم على بعض، فيكفر بعضهم بعضا ليعلن عليه الجهاد مكبرا تحت رايات أعداء الإسلام تكبير أهل الكوفة في الأسواق، أيام الحجاج رحمه الله،
حين أرادوا التخلف عن الجهاد مع المهلب بن أبي صفرة رحمه الله. تبنى كثيرون تلك الفتاوى، فلم تثر مقاربات، ولم تستدع تعليقا.. انقسم الناس حولها بين مشترك في الدماء ومرجئ. لكن ساعة الإتصال من المنكر الذي لا يجوز السكوت عليه، فلا بد من توضيح طبيعة العقد وبيان الحكم حتى لا يأثم المشترك بإضاعة خمسمائة أوقية كاملة.
يجهد صاحب الفتوى في ان يتورع الموريتانيون عن عقد بخمسمائة أوقية،يراه فاسدا، لكنه يحثهم على التبرع بالملايين لأحد أطراف الفتنة في سوريا، ويرى في ذلك تجهيزا للمجاهدين.
كنا سنفهم ورع الشيخ أكثر لو قرأنا، أو سمعنا فتاويه حول تدمير ممتلكات المسلمين في التظاهرات السلمية، واختلاط النساء والرجال فيها بشكل فاضح، يتنافسون في المكاء والتصدية. ولم نسمع من الشيخ وفقهاء جماعته تحريما للإعتصامات إلا في رئاسة مرسي إذا كانت ضد حكمه،
وحين سقط عدوها جهادا في رابعة. ولم نسمع من الشيخ نهيا عن منكر الوقوع في أعراض الناس، والكذب البواح الذي طال غداء المسؤولين وعشاءهم... فما قصة ساعة الاتصال؟ لعلها استشارة مجانية تتولد عنها مدفوعة الثمن...صعد شيخ المنبر وقد وضع في جيب جلابيته نقودا، فوعظ الناس وحثهم على الزهد في الدنيا، والورع والإخلاص.. فضرب على صدره قائلا: التقوى هاهنا. فلما لم يجد النقود، ضرب على جيبه الأيمن: التقوى هاهنا. فلما لم يجدها استرجع ونزل...
منقول من صفحة الكاتب على الفيس بوك