الزمان 6 اكتوبر من العام 1973 يومها كانت حربا عربية تقودها مصر ويعبر جيشها فجأة خط برليف متجاوزا إلى قوات الجيش الإسرائيلي، يومئذٍ قطع الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز رحمه الله النفط عن الغرب وأمريكا فعادوا إلى العصور الوسطى فاستخدموا الخيول والحمير في شوارع نيويورك.
في تلك الأيام زار وزير خارجية أمريكا كسنجر مدينة جدة السعودية والتقى الملك فيصل ليقنعه ويتوسل إليه ويرجو منه إعادة ضخ النفط إلى الولايات المتحدة، فكان لقاء الملك فيصل له فاتراً جدا، أراد كيسنجر كسر الجمود فقال للملك فيصل مداعباً "يا جلالة الملك إن طائرتى تقف هامدة عندكم فى المطار بسبب نفاد الوقود فهل تأمرون جلالتكم بتموينها؟".
رد عليه الملك فيصل بجدية قائلاً "إن أمنيتى أن أصلى ركعتين فى المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدنى دولتك؟".
اليوم وبعد خمسين عاما من تلك المحادثة المباشرة، وبعد أسبوع دامٍ على ساحة فلسطين وبالتحديد قطاع غزة المحاصر، حيث حمم الطائرات الإسرائيلية لا تفرق بين طفل وامرأة وشيخ مسن، ووسط تعاطف دول غربية مع إسرائيل وما تسميه "حقها في الدفاع عن نفسها" دون شرط أو قيد منها أمريكا التي أعلنت عن موقفها الرسمي وهو حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وقامت بتسويق هذا الموقف دوليا.
اسرائيل التي حصلت على الضوء الأخضر من أمريكا صبت جام غضبها على المدنيين الأبرياء وقصفت المدارس والمساجد وهجرت السكان من شمال القطاع إلى جنوبه وحاولت تهجيره خارج أرض فلسطين.
في خضم هذه الأحداث كان العالم العربي يحاول باتصالاته الدبلومساية عدم توسيع دائرة العنف وتوقيف حمام الدم المتواصل في قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد على ست عشرة سنة.
وكانت المملكة العربية السعودية كعادتها على موعد مع التاريخ ومناصرة القضية الفلسطينية فأصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا كان الأكثر تضامنا على الإطلاق في العالم العربي حينما أكد البيان بالحرف رفض المملكة العربية السعودية للتهجير القسري للفلسطينيين وإدانتها لاستهداف المدنيين مطالبا في الوقت ذاته بتوفير الاحتياجات الإغاثية والدوائية اللازمة لسكان غزة..
بعد يوم من االبيان حطّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رحاله في الرياض وهو يحمل في حقبته موقف بلاده الرسمي المنحاز لإسرائيل ظنا منه أنه سيسوقه في المملكة، ويلتقي ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان فيؤكد له بالحرف أن المملكة "ترفض استهداف المدنيين وتعطيل البنى التحتية في قطاع غزة ". مشددا في اللقاء ذاته على "ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني بما في ذلك رفع الحصار عن القطاع".
سوف يسجل التاريخ في صفحاته البيضاء هذه المواقف المشرفة للمملكة العربية السعودية في وقت يتخاذل العالم عن نصرة المظلومين في سجن كبير اسمه غزة يختنق ويستغيث بأصحاب الضمائر الحية في هذا العالم.
خمسون عاما يسجلها التاريخ للملكة العربية السعودية في مناصرة القضية الفلسطينية، خمسون عاما من خدمة الحرمين الشريفين ومن مناصرة ثالث الحرمين الشريفين وأولى قبلة للمسلمين.
خمسون عاما بدأت بدعم حرب اكتوبر 1973 بل قبلها بعقود ومرت بعد محطات اهمها المبادرة العربية التي اقترحتها المملكة في قمة بيروت 2002 وتبناها العرب وهي التي تضمن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، فاتفاق مكة 2007 الذي يضمن وقف الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية.
وأخيرا موقفها اليوم وضغطها الدبلوماسي على الأطراف الدولية لإنهاء هذه الحرب على المدنيين الفلسطينيين ولدى المملكة اليوم من أوراق الضغط ما سيجبر أمريكا وحلفائها على التراجع عن هذه المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين..
خمسون عاما والتاريخ شاهد على مواقف مشرفة تجاه أعدل قضية إنسانية في العالم.. فشكرا للمملكة على هذه الجهود وشكرا لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده على مناصرة قضية العرب والمسلمين الأولى..
*المختار بابتاح / كاتب موريتاني