صافحت السديس
. ثم أنخنا المطايا وشددنا الرحال إلى هنالك ، إلى أم القرى ومن حولها .. إلى البلد الأمين مكة المكرمة.
ودّعنا طيبة الحبيبة ونحن نلتفتُ ذات اليمين وذات الشمال حنينا إلى دور المدينة النبوية العتيقة وأملنا أن تقر منها أعيننا الدامعة حزنا على فراقها.
نزلنا أم القرى وفُكت الحقائب على جبل عمر حيث يطل فندق جميزة على أول بيت وضع للناس وهو شاهد على آلاف من الأجيال المطوفين بيه بكرة وأصيلا.
لله كم سعدنا باستقبال القائمين على برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين في مكة وهم يوزعون علينا سقاية زمزم عند مدخل الفندق، فلا تسألني عن شعور مسلم يقف بلحمه وعصبه فينظر من كوة الغرفة تلقاء وجهه فيرى مآذن الحرم الشاهقة ثم يتضلع متى شاء من مياه زمزم الخالدة. إنها السعادة أو لا تكون.
ذات غدوة مكية سعيدة خرج ضيوف خادم الحرمين الشريفين يتتبعون خطى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يوم خذله قومه المكيون فخرج - بأبي هو وأمي - باحثا عن مناصرين للدعوة في تلك القرية الجبلية التي كانت يومئذ هي الأخرى جزءا من مؤامرة كونية على الدعوة.
في الطريق مررنا بمشاعر الحج، تتراءى لنا خيام منًى البيض وهي خاشعة في عطلتها استعدادا ليوم الحج الأكبر،فذرفت الدموع وتمنيت أن يرزقني الله حجات عديدة.
مررنا بصعيد عرفات ذلك الصعيد الشاهد على أكبر خطبة خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يحج ويسأل الجماهير المؤمنة المحتشدة: ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد..
قسما بالله إنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة.
مررنا بوادٍ عتيق قال لنا المرشد : هل تذكرون هذا الوادي؟
إنه وادي نعمان، واد أخذ الله العهد فيه من بني آدم، وكانت فرصة لنا أن نجدد العهد مع الله أن لا نعبد الشيطان إنه عدومبين.
ذات مساء كان المشرفون يقدمون لنا هدية ما نبغي بها حمر النعم وهي أن نتقابل وجها لوجه مع رجل طالما سمعناه وتحدثت عنه الركبان شرقا وغربا وسالت دموع الأوابين المتبتلين خاشعة وهي تستمع إلى تراتيله السحَرية، فكم زفرات سمعت وكم دموع سالت من تحبير ذلك المزمار المسمى بصوت القارئ عبد الرحمن السديس..
يا إلهي السديس جالس بيننا، السديس يتحدث لنا وجها لوجه، السديس يرشدنا بلا واسطة وأخيرا يصافحنا ببشاشته المزمنة ووجه الوضاءالمتنور بكتاب الله..
صافحت السديس .. نعم صافحت يد عبد الرحمن السديس وأسررتُ له طلبا أن يدعو الله لي بلسان قرأ التنزيل فملأ الآفاق صوته..
سعادة وأي سعادة تغمرني وأنا أقف بين يدي رجل تطربني قراءته عن بعد..
صافحته .. وعانقته.. وليتني ما ودعته..
------------
*إعلامي موريتاني