ليلة لا كالليالي تلك التي قضيتها وأنا أسير ببعيري في هذا السهل الممتد، يا عجبا من هذه الرحلة الليلية، أنا أخشى ما أخشاه بزوغ الفجر الذي هو عبارة عن توقف في منطقة سهل "آفطوط" هذا السهل يضل فيه الخريت ويتيه فيه كل راكب، ولا تكاد تفرق بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، هنا نفضل السير في الليل المدلهم خاصة أننا اعتدنا على أن نهتدي بالنجوم السيارة ونعدها عدا وننظر إليها متشابكة في لألائها، تهدي الراكب، وتنببه وهي صامتة صمت الصحراء.
نجم "الذرعان" يطلع الآن من الشرق البعيد مؤذنا بمضي ساعتين من ساعات الليل، وفي وسط السماء يبدو "خط التبانه" ذو اللون الذهبي اللامع، وفي الغرب تودعنا نجمة "الزهرة" وأرى النجوم اللامعة تهتز على وقع سير البعير، وأسيح في هذا الفضاء الرحب، وأحاول أن تنسيني نسائم الصبا تحت هذا الكون الواسع ما أنا فيه من مواقف محرجة، لقد التزمت قبل شهور لأصهاري أن إبلهم ستعود إليهم بعد أيام، ترى كيف يفكرون اليوم في مصيري؟ ترى هل زوجتي تفكر في هذا العطش الذي أتعرض له كل يوم؟ وهل تعلم أن "اشكاره" قد نفذ كل ما فيها من ورق الشاي ؟ هل تعلم أن سفرة الدخن قد تحولت من زرع يحرك الاضراس إلى حشرات غازية أقضي ساعات لتصفية الزرع عنها ؟ بل إن صخرة من ساق السكر لم يبق منها النمل إلا قدر ملء يد فقط؟ و ضاع البريق "المشكر" عند نزولي مع إحدى القوافل؟ ليتها تعلم ما أنا فيه من التضحية لأجل أهلها وأهلها فقط، ولكنها تفكر بعيدا من ذلك هي تقول في نفسها : إن زوجها قد ارتبط دون علمها ونسيها منذ زمان، هي تجزم بأنني رزقت ولدا آخر في هذه الرحلة، وسأعود بعد هذا كله وأتظاهر بأنني كنت أبحث عن الإبل، ولكن ـ والكلام لها ـ أن الرجال لصوص....
وبينما أنا في هذا الليل الصحراوي أحدث نفسي إذا بنار بعيدة تخترق الظلام لا بد أن أقرع لها بعيري خاصة أن نجم السعود قد طلع وغبش الفجر الكاذب بدأ يتبدد في الأفق، سأنزل هنالك عند هذه النار أسائلهم عن الإبل التائهة علهم يعلمون شيئا عن ضوال الإبل، سأطلب منهم بعض المؤن، أسير إليهم الآن والنعاس يغزوني فماذا بعد هذه الليلة؟