سوف يدرك الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بعد متابعة عرض وزيره الأول المختار ولد اجاي إعلان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان أن توفيقه في اختيار وزيره الأول لم يكن توفيقا عاديا.
لقد قرأ الرجل لمدة أكثر من ساعة ونصف خطابا ينتمي إليه، قرأه بروحه، متوقفا حيث يجب أن يتوقف، رافعا نبرة الصوت حيث يجب أن ترفع، معيدا حيث يجب أن يعيد. لقد قرأ برنامجا بكيانه، واستطاع بمهارة عالية أن يمزج بصورة كاملة بين إعلان السياسة العامة للحكومة، وبرنامج الرئيس غزواني الانتخابي "طموحي للوطن".
كان ولد اجاي واضحا في تشخيص التحديات التي يواجهها البلد، صريحا في انتقادها، موفقا في اختيار صياغة الوعد بالعلاج.
أفلح في نسج خيوط الخطاب بجدية خطابات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛ واستحضر استشهادات من برنامج الرئيس في كل مرة، وكأنه يعيد التذكير بأن الإعلان الذي يقرؤه هو جزء من أمانة إنجاز موعود الرئيس الذي تعاقد عليه مع الشعب الموريتاني، حين تقدم لنيل ثقته قبل أقل من ثلاثة أشهر.
لقد نجح في غير ابتذال أن يحمل برنامج الرئيس إلى قبة البرلمان، ويحوله إلى جملة من الإجراءات القابلة للقياس، مفصلا ما سيتم العمل على إنجازه قبل نهاية العام الحالي، وما سيكون موضوعا للخطة السنوية للحكومة، ابتداء من بداية العام المقبل.
الجمع بين الطموح والواقعية سمة حرص الرئيس على إبرازها في برنامجه الانتخابي، وحولها وزيره الأول في إعلان السياسة العامة للحكومة إلى لغة ملموسة؛ فقد عدد بالأرقام مجموعة المشاريع التي سيتم إنجازها في المدى القصير، لتكون بذلك روافع لما يأتي في خطة العام المقبل.
أكد البرنامج على مضي الحكومة في مشروع المدرسة الجمهورية، لكنه أضاف إليه مكونة جديدة هي مكونة المتابعة شبه الميدانية من خلال المنصات الرقمية المستحدثة. ميزة الفكرة أنها ستجعل كل المعنيين على صعيد مرئي، وستوفر إمكانية المتابعة المباشرة، لوصول الكتاب المدرسي، والمدرسين، وتوفر اللوازم الأساسية للعملية التربوية، يبدو أن الوزير الأول سيتابعها بشكل مباشر من خلال أحد مستشاريه. لقد قالها بشكل لا لبس فيه: وداعا لضياع المعلومة في طيات البيروقراطية المعيقة.
وضع الإعلان مساء الأربعاء حدا للجدل بشأن المشروع الأهم لسكان نواكشوط؛ مشروع الصرف الصحي، والصيغة التي ورد بها خطاب الوزير الأول، تعتبر حول إعلان محدد واضح المعالم عن البدء في تنفيذ هذا المشروع المصيري لعاصمة بدأت النظرة المتشائمة إلى مستقبلها تتصاعد.
من الواضح أن النظرة الأشمل إلى قطاع النقل باعتباره ورشة وطنية كبرى، ما زالت آخدة في التصاعد في أولويات الرئيس غزواني وهو ما عبر عنه إعلان السياسة العامة للحكومة هذا المساء؛ فهذا القطاع سيشهد على ما يبدو نقلة نوعية، سواء من حيث البنية التحتية، التي تشمل الجسور والطرقات، أو من حيث تنويع وسائل النقل ذاتها، والتي يبدو أنها دخلت مرحلة التفكير الجدي، بتوسيع شبكة السكة الحديدية، ودخول مكونات جديدة مثل "ترام واي"، أو من حيث اعتماد المسارات الحصرية للنقل العمومي في العاصمة نواكشوط، وهي التجربة المعتمدة في مدن مكتظة مثل مدينة إسطنبول التركية.
في قطاعات الصحة، والتنمية الحيوانية، والزراعة، والطاقة، والخدمات، بدا ولد اجاي وفيا لمشروع ولد الغزواني، لكنه خص شركتي المياه والكهرباء بوقفة تدل على أن ولد الغزواني لا يريد بعد اليوم الانقطاعات المتكررة لهذه الخدمات، وتردي المتوفر منها، فهاتان البالوعتان ستشهدان أياما من التدقيق المالي والإداري، سبيلا إلى إنقاذهما، وإنقاذ هذا القطاع الحساس بالنسبة للمواطن.
وإذا كان خطاب الوزير الأول عن الشباب، والمواطنة، والبنية التحتية التعليمية والتأمين الصحي، ونظام الأجور والتقاعد، وتخفيض المواد الغذائية، واستمرار مشاريع الدعم الاجتماعي، قد ناغم أحاسيس مواطنين كثر، وأشعرهم بتقاسم الهموم معهم، فإن النبرة التي تحدث بها عن الأدوية، تزويرها، والمضاربة في أثمانها، تنتمي إلى صميم أحاسيس الشارع اليومية، ويكفي هذا المشروع وحده ليفوز ولد اجاي وولد الغزواني برضا الشعب الموريتاني؛ "ستطلق الحكومة حربا لا هوادة فيها على مهربي الأدوية والمضاربين ﻓﻲ أسعارها وجودتها، ولن نقبل التلاعب بصحة المواطن لأنه لا صحة مع الدواء الفاسد"؛ هذه هي الحرب المقدسة حقا، وهذا ما يحتاج الموريتانيون سماعه.