ما الذي تنتظرونه من كهل أشيب ذكر إنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ أن يثور ويحطم البلاتوه على من فيه كرد فعل على المداعبة الثقيلة التي مازحته بها قناة الوطنية الثقيلة؟! لم يكن أمام الشيخ الذي ضحكت عليه القناة والفتاة في برنامج الكاميرا الغبية، أقصد الخفية، الذي لا علاقة له برمضان،
إلا أن يبتسم ويمازح من حوله في نهاية المزحة البترولية، رغم غضبه وغصته التي غص بها كل متفرج صالح! ولو كنت مكانه لرفضت عرض تلك الحلقة المشئومة، وأقول لكل من يقرأ هذا المقال ويتعرض لمثل ذلك الموقف مستقبلا، لا تقبل بعرض تلك الحلقات التي سخرت من شخصك، فذلك حقك، وتلك هي الوسيلة الوحيدة لحفظ حقوقك والإنتقام لكرامتك المهدورة..
لكن الشيخ الطيب لم يقابل الإساءة بمثلها، وتعالت الضحكات من كل جانب عند كل كلمة حاول من خلالها إضفاء جو البسمة في نهاية الحلقة رغم تعرضه للأذية!، قهقهات أطفال سذج يعملون في قناة لا وزن لها في عالم الإعلام، ولا لهم! يضحكون على شيخ في عمر أجدادهم، بل في مرتبة شيوخ شيوخهم!!، وفي شهر رمضان، شهر البركة والرضوان!، شهر الإحترام والقرآن!، شهر كف اللسان والأسنان عن الإساءة والعدوان!
تأملت في تلك الحلقة السخيفة، وتذكرت اعتراضي على برامج الكاميرا الخفية العالمية التي قلدها هذا البرنامج المنسوخ (من النسخ واللصق)، ألا تعلم قناة الوطنية أن تلك البرامج مجرد تمثيليات؟!، فلا أحد، خصوصا من المشهورين اجتماعيا يرضى لنفسه أن يسخر منه مذيع أو مذيعة جائعة بلا راتب، ويضحك عليه فقراء الكبات وأغنياؤها!
هذه هي مشكلتنا في هذا البلد، كل شيء عندنا ضعيف، الإخراج، والتخطيط، والأفكار، وحتى الأشخاص!.. أغلب ما ننتجه مسروق منهوب، نقلد فيه الآخرين!، والمصيبة هي أننا نرتكب أخطاء فادحة قد لا يرتكبها الآخرون كالإساءة إلى الشيوخ والدعاة مثلا! وفي رمضان!
فهل بعد هذا الجهل جهل؟ هل بعد هذا الضحك ضحك يتمنى المرء أن يرى أصحابه عابسين أبدا؟ وإذا كانت المقدمة المسكينة، لا أريد أن أدعو عليها بالخوف الحقيقي لأننا في رمضان، لا تعلم، فالمخرج العبقري عليه أن يعلم، وإذا كان المخرج لا يعلم، فمدير القناة المضاف إليها عليه أن يعلم، وإذا كان الجميع لا يعلمون فعليهم استجلاب من يعلم، لكن الجهل عدو للإنسان، فهل بعد هذه الفكرة التافهة من تردي؟ شيخ وقور يتخذ هدفا لأطفال يتقاذفونه بالحركات والضحكات!! و في شهر رمضان! ألا تعسا لها من فكرة، وسحقا له من برنامج..
ولتعلم قناة الوطنية أن الحرية سخافة، والديمقراطية سخافة، والسبق الإعلامي تفاهة، وأن المهم هو ما تعلق بالله ورسوله وبأخلاق الإسلام التي ليس منها قطعا المزاح بهذه الطريقة في رمضان ولا في غيره!..
إن هذه الحلقة المحبطة التي تفرجت عليها في الإنترنت باشمئزاز، ولا أتابع قناة الوطنية والحمد لله، لتدلنا على أمور مهمة منها:
أولا: وجود اتجاه علماني منحط يحاول الحط من قيمة الدين ورموزه من شيوخ، ودمقرطة المسلمين وإدخالهم في أجواء المساواة في كل شيء، بين الكفر والإيمان، والمرأة والرجل، والشيخ والصبية!! والقرآن والفلسفة..
ثانيا: سوء خلق الشباب في هذه الأيام وجرأتهم على الكبار، وذلك ليس غريبا، فكل مولود جديد يهديه أبواه هاتفا فاجرا موصوفا بالذكاء مرتبطا بالإنترنت! إلا ما رحم الله، وبالتالي يرى ذلك الوليد من الفسق والفجور ما لم يره أبواه في كهولتهما! فماذا ننتظر منه إذا بلغ؟ وكذلك كل من بلغ في هذا الزمان الأغبر ولم يعصمه الله من الإنترنت والتسيب الأسري..
فلنحاول الحد من هذه الحريات السخيفة، ومراقبة أبنائنا، وتعليمهم أخلاق الإسلام، فالطفل تابع لأبويه، على الأقل لحين يبلغ، والأمراض النفسية التي تنبت في الصغر خطيرة جدا.. فيجب تنصيب برامج مكافحة خبائث الإنترنت في الحواسيب والهواتف والألواح الذكية (وللعلم بإمكان البرامج المضادة للفيروسات وقف تصفح مواقع السوء)..
ويجب إخبار الطفل مع ذلك كله بضرورة تمرير هاتفه أو حاسوبه على المراقبة كل يومين أو ثلاثة، نأخذه منه ونتظاهر بتفحصه وإن لم نفحصه، بهذا نضمن عدم وجود برامج ومواد مخلة بالآداب، لأن تنصيبها ونزعها، ولصقها وحذفها كل يومين سيكون صعبا عليه، فنخيفه بالتالي بذلك.. إلى غير ذلك من الخطوات والوسائل التي نحد بها من انفتاحه على هذا العالم الديمقراطي الفاجر.
وعلى الدولة قبل كل ذلك أن تسد منافذ الشر التي في الإنترنت، فإن ذلك يحد كثيرا من شره، وإن كان الأفضل هو المراقبة الأسرية المباشرة، سواء في المقاهي أو البيوت، ولا يجب الخجل من الطفل، ومواجهته بضرورة حماية هاتفه وحاسوبه من ذلك، لأن خجلنا منه قد يدفعه إلى نسيان معنى الحياء..
ويوجد عامل آخر لا يقل خبثا وشرا عن عامل الإنترنت، وهو عامل المسلسلات الأجنبية، فبالنسبة للغربية منها (الأمريكية مثلا)، فهذه لا يمكن عرض بعضها حتى من قِبل أفجر القنوات العربية، لأنها مبنية على الفسق المباشر، وتتجاوز الحدود، لكن يوجد بديل آخر لها لا يقل خطورة عنها، خصوصا على الفتيات والشابات، وهو المسلسلات اللاتينية والتركية، ففي هذه المسلسلات تتعلم البنت من الوقاحة ما لا يمكن تصوره، وتتعلم الإنتحار من أجل الحب!! وتحدي المجتمع من أجل الفجار!!، والحقد الأعمى، والقتل ودس السم، حفظ الله المسلمين..
تتعلم كل مساوئ الأخلاق، بدء بالكلام القذر الساقط ، وانتهاء بالرذيلة، فمن أراد حماية أسرته فليحرم عليها هذه المسلسلات اللاتينية الركيكة، وليعلم أن جيش الكهلات لن يقف مكتوف الأيدي فلكل واحدة منهن ممثل أحلام تتابع مسلسله، فليتحدى تلك المقاومة الشرسة، وقد ينتصر!..
أعتقد شخصيا أن هذه المسلسلات البذيئة - إضافة إلى مساوئ الإنترنت، هي سبب كل ما نرى من تجاوزات، ونسمع من حوادث هروب للفتيات، وانتحار، وقتل، حفظنا الله وجميع المسلمين..
وقد يتساءل البعض ما علاقة كل هذا بحلقة قناة الوطنية الخفية التي تم السخرية فيها من ذلك الشيخ؟ الجواب هو ما لذلك طله بضياع الدين والأخلاق.. فلولا تيسير وسائل الشيطان، لما وصلنا إلى درجة السخرية من أهل الخير والدين.. وفي رمضان!!..
إن بعض القنوات والناس يتبع طريقة "خالف تعرف"، وهي طريقة مشهورة عندنا يتبعها كل أحمق مصاب بمرض نفساني من أجل تحقيق شهرة والحصول على شيء، ينسى أن المخالفة بغير حق لا تكسبه إلا لقب "شيطان".. فمن أراد أن يقدم شيئا مميزا فليبنه على مكارم الأخلاق والدين، ذلك فقط هو ما ينفعه وينفع غيره، ويجعله يوصف بالإبداع والتميز في بيئة المسلمين، أما غير ذلك من الشطحات فمن خطوات الشيطان، ولا خير فيه.. ولا ضحك حتى.