ماموني ولد المختار، لمن لا يعلم، زميلي ورفيق دربي..شاءت الأقدار أن نلتقي في الوكالة الموريتانية للصحافة ذات يوم من أيام 1976م حيث اكتتبنا الأستاذ سيدي إبراهيم سيدات ذلك التاريخ، مخبرين براتب سبعة آلاف أوقية..
كان مقر الوكالة منزلا صغيرا في حي "ف"، مؤجرا إذ ذاك، يواجه منزل الوزير أحمد ولد أحمد صالح، وتصله زخات الماء الذي يرشه حراس منزل الدكتور لوليد ولد وداد على داره شمالي شرق المقر.
كان زميلي ماموني الذي يكبرني قليلا، حيويا ذا تجربة لذا كان أول أستاذ استفدت منه في مجال تقصي الخبر، وفي مجال الصبر على متابعة الأحداث في الأوقات الصعبة.
عملنا لسنوات في قسم الريبورتاج تحت إمرة الصحفي البارز (المحامي حاليا) الأستاذ محمد الأمين ولد السجاد، ثم كان أن خلفت ولد السجاد في رئاسة قسم تغطية العاصمة، فكان زميلي ماموني معي بمهنيته الرائعة وحدسه الصحفي النادر.
ولما منحت العراق وزارة الإعلام الموريتانية عام 1978م منحا للتدريب اختارتني الوكالة مع زميلي ماموني ولد المختار ومحمد الأمين علال لتلك الدورة، فسافرنا إلى بغداد وأقمنا في فندق الأمباسادور مكرمين معززين وتدربنا سوية في وكالة الأنباء العراقية تحت إمرة مهنيين عراقيين بارزين من أمثال محمد مناف ياسين رحمه الله، وسعيد السيد، ومنال إبراهيم وآخرين..
من طرائف تلك الرحلة أن مثلت مع زميلي ماموني، نقابة الإعلام في المؤتمر الرابع لاتحاد الصحفيين العرب الذي نظم بالحبانية، فسببت لنا توصية تخص الصحراء، اقترحناها على المؤتمر، قطع رواتبنا وفصلنا عن العمل، ونحن غائبون.
وجرى ذلك على أساس رسالة احتجاج ضدنا، كتبها عبر القنوات الرسمية، "زميلنا" نقيب الصحفيين المغاربة محمد العربي المساري، فقادت لاتخاذ قرار طردنا من طرف الوزير الأول العقيد أحمد ولد بوسيف ووزير الإعلام عبد القادر ولد ديدي، وكان في ظل إدارة المرحوم الأستاذ سيدي ولد الشيخ الذي جاءته رسالة آمرة فطبقها.
لكن قضيتنا هذه حلت بأعجوبة: فقد سقطت طائرة ولد بوسيف ونحن في مطار داكار عائدين إلى نواكشوط، وعزل الوزير ولد ديدي، وجاء الرئيس هيدالة للسلطة، وعين العقيد محمد محمود ولد حسين وزيرا للإعلام، كل هذا غير الموقف الديبلوماسي من قضية الصحراء وجعل توصية الصحراء قربة بعد أن كانت جريمة؛ فأعدنا لمواقعنا، بضغط من ماء العينين روبير رحمه الله الذين كان أمينا عاا لاتحاد العمال،.. فسبحان مقلب الأحوال..
رافقت زميلي ماموني في عدة محطات أخرى فكان بالنسبة لي، رغم ما في قاعات التحرير من تنافس، أخا وصديقا وصحفيا لا يشق له غبار.
وكان آخر تماس لنا في قاعة التحرير في عام 2007، عندما أسندت إلي إدارة قطاع الأخبار لإصلاحها بعد إصلاح يومية "الشعب"، فوجدت زميلي ماموني وحيدا، بحاجة لمن يفهمه، ولمن يقدر مواهبه، ويزيل عنه حواجز الرقابة..وأتذكر أنني اقترحت تعيينه في مركز "منتج كبير" ومنحته ثلاحية النشر المباشر على الخط، وعوتبت على ذلك كثيرا، لكنني فعلت ما أومن بأنه لمصلحة العمل.
بعد ذلك فرقتنا الأقدار، لكن بقينا كما كنا دائما زميلين جعلتهما المهنة الصحفية شقيقين توأمين.
لم يقبل الأخ ماموني الاستسلام لعامل السن، فواصل حتى اليوم، وهو شيخ كبير، حمل الكاميرا وآلة التسجيل في جميع المناسبات والأحداث، والقليلون هم الذين يقدرون هذا التشبث بالمهنة، وهذا الإخلاص الكبير لها.
ومن سخرية القدر أن زميلي ماموني الذي هو عميد صحافة الخبر في موريتانيا بلا منازع، وهي شهادة أشهد له أنا بها ويشهد له بها الأستاذان العميدان أحمد ولد المصطفى وسيدينا ولد إسلم، ماموني الذي وهب عمره لهذه المهنة، والذي تلقى فيها صنوف التهديد ومشى فيها على ألغام كثيرة، يطرد في وضح النهار بسبب نقله، محميا بنص الدستور، لقصة إخبارية، بدل أن يكرم ويعزز..
ومن سخرية القدر أيضا أنه يعلن لنا اليوم بأحرف تقطر شرفا ومهنية، تخليه عن المهنة الصحفية دون أن يجد أي جهة تعطيه حقه تكريما وتعظيما..
ذكرتني مقالاته التي بدأ ينشرها، عظمة هذا الصحفي المظلوم، فأردت أن أكتب على هامشها قليلا مما جمعني معه على مدى ثلاثة عقود، قضيناها في وكالة رسمية لا يعرف أحد من المحسن فيها ولا من المسيء.
وإذا كان الزميل ماموني قد قرر الإعتزال عن العمل الصحفي فإن العمل الصحفي يرفض هذا القرار..ويؤكد للزميل ماموني أن الدنيا بخير فليواصل عطاءه المتميز..
وأنا أوجه له نداء باسم المهنة الصحفية التي مارسناها وضحينا من أجلها والموجودة منذ سنوات في حالة اختطاف، فأقول "زميلي ماموني..لا تعتزل..كيف؟؟..أرجوك...
فما ذا سيكون مصير الخبر الصحفي الوكالاتي في موريتانيا إذا ترك ماموني ولد المختار تقصيه وتحريره، وضعف عن فتله سيدينا ولد إسلم، وانشغل عن سبره أحمد ولد المصطفى والشيخ ولد البكاي، وأقصت ظروف الزمن الرديء عنه، أنامل المخبر الصحفي عبد الله السيد ؟؟؟؟