تتميز الشركة الموريتانية للكهرباء بعدة "خصال" لعل من أبرزها أنها تمتلك في هيكلتها الإدارية قطاعا خاصا بالأخلاق، وقد تداول عدد من النشطاء صورة اللافتة الجدارية لذلك القطاع. إن وجود مثل هذا القطاع الهام بهذه الشركة "الرائعة" قد يساعدنا في فهم بعض تصرفات هذه الشركة،
والتي لا يمكننا أن نفهم تصرفاتها إلا إذا تذكرنا بأن هذه الشركة تمتلك قطاعا أخلاقيا، وبأن هذا القطاع يبذل جهودا جبارة من أجل أن يضفي بعدا أخلاقيا على عمل هذه الشركة "الرائعة"، ويظهر ذلك من خلال:
1 ـ أن هذه الشركة تحاول أن تحيي قيما وفضائل كنا نعتقد بأنها لم تعد موجودة في زماننا هذا، ومن تلك القيم والفضائل التي تعمل الشركة على إحيائها يمكن أن نذكر فضيلة الإيثار. فهذه الشركة قد أظهرت نوعا غير مسبوق من الإيثار، فهي تصدر الكهرباء للجارة الشقيقة السنغال، وذلك في وقت تقطع فيه الكهرباء عن عاصمة البلد الذي تصدر منه الكهرباء!! إنه مثال رائع في الإيثار تقدمه هذه الشركة الرائعة التي تصدر الكهرباء لجارة شقيقة لا تنقطع الكهرباء عن قراها الصغيرة إلا في أوقات نادرة جدا، وذلك في وقت يتكرر فيه كثيرا انقطاع الكهرباء عن العاصمة التي تُصدر منها هذه الشركة الكهرباء!!!
وبما أن شهر رمضان هو من أهم مواسم الطاعات فقد ضربت هذه الشركة أروع الأمثلة في الإيثار في أيام هذا الشهر الكريم، وذلك من خلال زيادة وتيرة قطع الكهرباء، والتي قد تكون نتيجة للزيادة الحاصلة في وتيرة تصدير الكهرباء للجارة الشقيقة خلال الشهر الكريم.
2 ـ لقد جعلت هذه الشركة الرائعة سكان العاصمة يعيشون في ظلام دامس ولساعات طويلة خلال أيام الشهر الكريم، وبالعودة إلى القطاع الأخلاقي للشركة فقد يفسر ذلك بأنه قد يكون محاولة من الشركة لتذكير الناس بظلمة القبر، ومن سيتذكر ظلمة القبر لابد وأنه سيسارع إلى الطاعات وإلى كل أعمال البر.
3 ـ لقد أصبح لانقطاعات الكهرباء مواعيد ثابتة لدرجة جعلت أحد الفيسبوكيين الظرفاء يكتب في صفحته ما مضمونه : لقد حان الآن موعد الانقطاع الكهربائي عن عموم العاصمة نواكشوط وعلى ولاياتنا الداخلية مراعاة فارق التوقيت!! فأن تجعل الشركة مواعيد ثابتة لقطع الكهرباء فإن ذلك قد يحيلنا لا شعوريا إلى أمور تعبدية لها مواعيد ثابتة كالصلاة والصيام.
لقد حاولت هذه الشركة الرائعة أن تضيف إلى صوم الناس عن الأكل والشرب صوما جديدا وهو الصوم عن الكهرباء، قد يبدأ من وقت السحر، وقد لا ينتهي بغروب الشمس.
ولعظمة هذه الشركة فإنها لم تكتف فقط بإحياء القيم الفاضلة بل إنها أحيت بعض الأمثال والحكم التي تداولها العرب في عهود غابرة، وكاد الناس أن ينسوها في أيامنا هذه، ومن تلك الأمثال يمكننا أن نذكر "رب عذر أقبح من ذنب".
لقد سمعنا من هذه الشركة، ومن مستشارها الإعلامي، أقبح ما يمكن أن يسمع في الاعتذار. فإذا كان قطع الكهرباء عن الصيام في أيام حارة من شهر رمضان هو فعل قبيح، خاصة عندما يحدث ذلك في بلد فاضت فيه الكهرباء، وأصبحت تصدر لدول الجوار، فإن الأقبح من ذلك هو أن يطل علينا المستشار الإعلامي لهذه الشركة ليقول لنا بأن سبب الانقطاع كان نتيجة لتفريغ صهريج ماء في خزان للوقود. فهل فيكم من يمكنه أن يتخيل عذرا أقبح من هذا العذر؟
لقد تعودنا من هذه الشركة على أعذار قبيحة، ولكن لم نكن نتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الاستفزاز، ففي السابق كانت الشركة تكتفي بأن تقدم أعذارا من قبيل أن الانقطاع كان بسبب شق طريق هنا أو إصلاح طريق هناك، وأن ذلك تسبب بقصد أو بغير قصد في إتلاف بعض الأسلاك أو بعض الأعمدة الكهربائية، وكأنه لا يمكن التنسيق بين القطاع الذي يتولى شق الطرق والشركة حتى لا تنقطع الكهرباء. فهل القطاع الذي يتولى شق الطرق يتبع مثلا لدولة "توفالو" مما يجعل تنسيق الشركة مع ذلك القطاع يحتاج إلى تدخل وزارة الخارجية، وإلى تدخل سفارتنا في "توفالو" إن كانت لنا سفارة هناك.
يبدو أن الأعذار القبيحة لم تتوقف عند شركة الكهرباء، بل إن عدواها امتدت لتصل إلى وزارة الإعلام والتي حاولت أن تبرر انقطاعا آخر بأعذار قبيحة، وأقصد هنا القطع المؤقت للبث عن بعض القنوات المحلية، ومن تلك الأعذار القبيحة تأكيد الناطق الرسمي باسم الحكومة في مؤتمره الصحفي الأخير بأنه كان قد أعطى لتلك القنوات المحلية فرصة لجمع الأموال حتى تسدد مستحقات شركة البث، وقد قال الناطق الرسمي للحكومة، وبالحرف: " لعل هذه الزيارات تكون سوق عكاظ بالنسبة لهم، وقد جنوا من الأرباح من المبادرات ما جنوا، لعل ذلك يكون سندا ومددا وموردا بالنسبة لهم.."
إن هذا العذر يفهم منه أن الحكومة كانت ترعى وتبارك تلك المبادرات القبلية التي واكبت زيارات الرئيس، ومع أني كنتُ قد كتبتُ منددا بتلك المبادرات وبالقنوات التي تبث أنشطة تلك المبادرات، ومع أني لا زلتُ أرى بأن بث مثل تلك المبادرات من طرف بعض القنوات سينعكس سلبا على تكريس قيم المواطنة، وعلى بناء دولة المؤسسات، ومع أني ما زلتُ أرى بضرورة أن يطبق القانون على تلك القنوات، خاصة منها تلك التي تخصصت في بث المبادرات القبلية، والتي لا يمكن أن تكون عاجزة عن تسديد مستحقات شركة البث إلا أني ورغم ذلك كله لا يمكنني إلا أن أسأل وباستغراب عن الأسباب التي جعلت الحكومة لا تلزم جهات أخرى بتسديد ما عليها من مستحقات. فلماذا لم تفرض الحكومة على شركة "النجاح" مثلا أن تدفع ما عليها من غرامات بسبب تأخير تسليم المطار عن المدة المحددة للتسليم في العقد؟ ولماذا قدمت الحكومة عن طريق شركة "اسنيم" قرضا ضخما (15 مليار أوقية) لشركة "النجاح" بدلا من تغريم هذه الشركة التي لم تلتزم بتعهداتها؟ ولماذا لم تسحب الحكومة من بعض المشترين القطع التي اشتروها من أراضي "أبلوكات" ، والتي لم يشيدوا عليها عمارات من ثلاث طوابق في السنتين اللتين أعقبتا عملية البيع؟
هناك أسئلة كثيرة من هذا النوع كان يمكن طرحها، ولكني تجاهلتها بسبب أن المقال قد استوفى المساحة المخصصة له.
تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم...
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاظل